أوراق إستراتيجية » جهاد مؤقت: المعارضة الأصولية السورية

International Crises Group ـ تقرير الشرق الأوسط رقم 131 ـ 12 تشرين أول 2012
موجز تنفيذي

أصبح وجود فرع سلفي بين المتمردين أمراً لا ليمكن دحضه، بعد إلقاء النظام الضوء عليه وإبرازه بشكل مبكر ومبالغ به، وبعد اعتراف المعارضة متأخرة وبتردد بذلك. هذا الأمر مقلق، لكنه لا يشكل سوى جزءاً من الصورة المعقدة. بداية، ليس كل السلفيين سواء؛ فالمفهوم يغطي سلسلة كاملة بدءاً من التيار السائد وصولاً إلى التطرف. ثانياً، إن سوريا في يومنا هذا تقدم أرضاً مضيافة للسلفيين ـ العنف والمذهبية؛ التحرر من وهم الغرب، قادة علمانيون وشخصيات إسلامية براغماتية؛ إضافة إلى القدرة على الوصول إلى تمويل دول عربية خليجية و المعرفة العسكرية الجهادية ـ لكنها تقدم أيضاً ظروفاً معاكسة، بما فيه تقليد إسلامي معتدل، تركيبة طائفية تعددية، وخوف منتشر وواسع النطاق من نوع من أنواع الحرب الأهلية المذهبية التي ابتلعت بلدين جارين. ثالثاً، تسبب فشل الاندفاع المسلح هذا الصيف برد فعل عكسي ضد مجموعات سلفية استحوذت على العناوين الرئيسة خلال القتال.

5 . القيود المؤثرة على السلفيين

أ‌. التعامل مع حركة شعبية

برغم الفوضى، أحدث التدمير والحالة المذهبية المتصاعدة ظروفاً مؤاتية للسلفيين على نحو متزايد، مع ذلك كان السياق عبارة عن تحد. فالشخصيات الأساسية للمعارضة، إضافة إلى قاعدتها الشعبية، غالباً ما تتبنى إيديولوجية وأهداف متناقضة. ويؤيد عدد من الناشطين برنامجاً غير مذهبي بقصد طمأنة الأقليات القلقة، بمن فيهم العلويين؛ ووصل صدى هذه الجهود للسكان، تحديداً في السنوات الأخيرة، ليحددوا مجتمعهم ويعرفوا عنه كمجتمع معارض للطائفية التي دمرت لبنان والعراق. كما يفصل خليج ثقافي بين السلفيين المتشددين وبين قسم كبير من تيار المعارضة السائد. إن سلوكهم الصارم، رفضهم لمعظم أشكال الفولكلور والفنون المعاصرة، موقفهم الملتبس والغامض من الديمقراطية،  وحماسهم لتوجيه البلد نحو حكم إسلامي أمور على طرفي نقيض مع ثقافة الناشطين الأكثر إبداعاً  التي ازدهرت منذ بدء الثورة والتي لا يزال يتشبث بها كثيرون - برغم تأرجحها  بالتأكيد في وجه العنف المتصاعد.
مع الوقت، الوضع تطور حتماً. فحتى وقت قريب، كان الناشطون في المعارضة ينفون، وعلى نطاق واسع، قضية السلفية نفسها، واصفين الأمر بأنه مجرد ظاهرة هامشية إن لم تكن فبركة خالصة من قبل النظام. وفي أيار 2012، وفي سخرية من إصرار النظام على أنه يواجه إرهابيين سلفيين وليس تمرداً شعبياً، نشرت صفحة الفايسبوك للثورة السورية شريط فيديو لمتظاهرين وهم يغنون ضمن حشد تحت عنوان ساخر: " العصابات الإسلامية المتطرفة للقاعدة تتمايل على أنغام الموسيقى المحرمة في الإيديولوجية التكفيرية".  وبدا السلفيون واعون للمعركة الشاقة التي يواجهونها في نشر رسالتهم. ففي رسالتها السمعية الأولى في أوائل 2012، شكت كتائب أحرار الشام من نجاح النظام في تشكيل وجهات نظر شعبية عن طريق اللجوء إلى مؤسسة دينية حظرت الجهاد وحذرت من التخلف السلفي. أما اليوم، وبالمقابل، فقد أصبح من المستحيل إنكار وجود وتأثير حركة أصبحت، وعلى نحو متزايد، أكثر وضوحاً وجزماً.
في المستقبل، من المرجح أن تعتمد التقييمات الشعبية للسلفية على التصريحات الإيديولوجية أقل مما تعتمد على القيمة المضافة: قدرة أفرادها على المساعدة عملياً في القتال ضد النظام، المقترنة مع سلوكهم على الأرض وتسامحهم إزاء قواعد السلوك التي غالباً ما تكون على طرفي نقيض مع المبادئ السلفية المتزمتة. 

ب‌. نظام يعكِّر صفو المياه
في الوقت الذي يكافح فيه الناشطون في المعارضة لنشر صورة شاملة، فقد قاموا، وتكراراً، بإدانة محاولات النظام المزعومة لتصوير الثورة على أنها مجرد نزاع مذهبي وحشدٍ للأقليات للوقوف إلى جانبها. هذا يفسر، إلى حد كبير، جهود المعارضة في إنكار أصوات السلفيين في صفوفها، أو محوها أو التخفيف منها؛ فعلى القنوات الفضائية العربية يعاني الناشطون لتجنب الخطاب الإسلامي أو المذهبي علانية، وتمتنع صفحة الفايسبوك المؤيدة للمعارضة الأكثر شعبية عن نشر مواد للعرعور. عموماً، يرفض الناشطون أي ذكر للنظام يتعلق بالسلفيين بصفتها جوداً متوقعة لا أساس لها من الصحة لإخافة السكان بواسطة السخرية من حركة التظاهر.
في هذا السياق، يجد السلفيون أنفسهم في وضع محرج، معززين بذلك جدلاً جوهرياً للنظام الذي يسعون إلى الإطاحة به بسبب سلوكهم وخطابهم. لقد كان التحدي خطيراً وشديداً، تحديداً بالنسبة لجبهة النصرة ومجموعات جهادية مسلحة أخرى تعاني من بروباغندا رسمية تلقي الضوء على خطر تهديد القاعدة وتضخمه وبسبب الشكوك الواسعة الانتشار بعدم تردد النظام في الماضي باستغلال الشبكات الجهادية في لبنان والعراق لصالحه.
أدانت قيادة الجيش السوري الحر والناشطون في المعارضة ووسائل الإعلام العربية المتعاطفة كلها (خاصة الجزيرة والعربية) التفجيرات البارزة التي ضربت دمشق وحلب في النصف الأول من العام 2012، وقالوا بأنها تقوض قضيتهم وعرضوا إلى أن هذه التفجيرات هي من تخطيط وتنفيذ النظام. واستشهدوا بالدليل نفسه: جهود رسمية لا تكل ولا تتعب لإبراز الهجمات ونسبها للقاعدة وإبراز الحركة الجهادية على أنها القوة الدافعة التي تسيِّر الثورة؛ استخدام سابق مزعوم من قبل الاستخبارات السورية لفتح الإسلام، وهي مجموعة جهادية موجودة في لبنان، واستخدام جهاديين يتجاوزون الحدود إلى العراق لمواصلة العمل على أهداف النظام. وكلما كان خطاب وعمل مجموعة سلفية ما أكثر تطرفاً، كلما كان الشك بها أكبر لجهة خدمتها النظام، وكلما كانت مزاعمها بقيادة النضال ضد الأسد أقل كلما أعتبرت ذات مصداقية أكثر بما يتعدى الدائرة الضيقة لداعميها المباشرين.

ج. دروس من البلد المجاور؟ 
يلوح في الأفق خطر إرث العراق، بتكرار النظام لتحذيراته من حرب مذهبية وشيكة كما في العبوات الناسفة المنفجرة التي تستهدف، تكراراً، قوافل الجيش. إذ يعتبر مقاتلو المعارضة العراق بمثابة مصدر محتمل للمال والسلاح والخبرة كما يعتبرونه حجة مضادة قوية بالنسبة للنظام. هو أيضاً يجب أن يعمل كتحذير، طالما أن حركة التمرد العراقية لم تحقق، عملياً، أياً من أهدافها، سواء إلحاق الهزيمة بالولايات المتحدة، مقاومة النفوذ الإيراني أو تعزيز الحكم الإسلامي السني؛ وإذا كان هناك من شيء ، فهو أن إنجازها الرئيس كان إثارة رد فعل عنيف في أوساط قسم كبير من قاعدته الاجتماعية. النظام يعتبره حليفاً قيِماً: لوحة سوريا المستقبل إذا ما سادت المعارضة وهيمنت (الذي يتساوى مع المتطرفين السنة، الذي بدوره يتساوى مع إرهابيي القاعدة).
أظهرت جبهة النصرة، بالتحديد، إشارات عن تكرار السلوك الذي أثبت بأنه سلوك مميت وقاتل بالنسبة لحركة التمرد العراقية. ورغم أن لا زال عليها بعد القيام بتصوير شريط فيديو عن قطع الرؤوس أو تحمل المسؤولية عن الهجمات ضد أهداف مدنية علوية أو شيعية، فإن الخطاب المذهبي، والتبني التكتيكي للهجمات الانتحارية في مناطق مدينية وعدم الحساسية عموماً إزاء الضحايا المدنيين يتوازى، إلى حد كبير، مع أفعال القاعدة. إذ لم تظهر، في البداية على الأقل، قلقاً كبيراً بخصوص ردة الفعل العامة السلبية على عملياتها. وقد استمرت تفجيراتها  في دمشق حتى بعد الإدانة الصارخة لهجومها الأول على "الميدان" من قبل الداعمين للمعارضة، وكانت غامضة بما يتعلق بالمسؤولية عن التفجيرات المشينة في 10 أيار في ساعات الذروة الصباحية التي ضربت مبنى استخباراتي أساسي في حي القزاز في العاصمة دمشق، وأسفرت عن مقتل 55 شخصاً وجرح المئات.
مع ذلك، لا تزال جبهة النصرة حتى الآن بمثابة استثناء نوعاً ما. فقد عانت معظم المجموعات المسلحة الأخرى لتمييز تكتيكاتها ورؤيتها الاستراتيجية عن تلك التي لنظرائها العراقية، وذلك  للحفاظ على مساندة الداعمين الموجودين بالضبطK في الوقت الذي لا زال الحصول على قبول هؤلاء من دون إجابة. فالجيش السوري الحر والجماعات السلفية القيادية لم تستخدم الهجمات الانتحارية والتفجيرات في المناطق المدنية المكتظة إلا استخداماً محدوداً فقط، ممتنعة عن تصوير قطع رؤوس ملحدين مزعومين  وعن تصوير دفاع " القاعدة في العراق" من دون خجل عن أعمال القتل المذهبية  كما امتنعت ( ولو بشكل غير رسمي) عن خطف أجانب. وسعت شخصيات في الجيش السوري الحر إلى تشويه سمعة جبهة النصرة ( على الأقل قبيل حملة حلب في تموز) ورفض تدخل القاعدة، وهو ما يسبق بأشواط المحاولات الأقل إقناعاً لمجموعات التمرد الوطنية العراقية للبقاء على مسافة  من "القاعدة في العراق" التي أصبحت وحشيتها تشكل النظرة والفهم العام عن المسلحين السنة. فضلاً عن ذلك، ووعياً منها لأهمية الرأي العام الغربي، استضافت حتى المجموعات السلفية صحافيين أجانب( بمن فيها كتائب أحرار الشام ولواء صقور الشام).
نشأ جدل ضمن المنتديات الجهادية حول الدروس المستقاة من العراق. وفي مقالة لافتة نشرت قبل أسبوعين من إنشاء جبهة النصرة، حدد أحد المحررين الجهاديين عدداً من هذه الدروس، بما فيها وجوب عد قيام الجهادي بإنشاء فصائل مستقلة تختلف تكتيكاتها واستراتيجياتها عن تلك التي لقوى معادية للنظام؛ وجوب الامتناع عن القيام بنشاط يحتمل أن يكون مسؤولاً عن انقسام صفوف المعارضة؛ ووجوب تجنب استهداف الأقليات السكانية أو التدخل في محاولات المعارضة الفوز بدعمهم أو الوقوف على الحياد.
تسببت جبهة النصرة، وهذا متوقع، بوجود صدع داخل المجتمع الجهادي السلفي. فقد حافظت بعض الشخصيات الأساسية على الدعم حتى عندما عبَّر آخرون عن انتقاداتهم. إضافة إلى تحفظات أبو بصير الطرطوسي المذكورة آنفاً، وفي حزيران 2012، ألح قائد ألوية عبد الله عزام، ( مجموعة جهادية صغيرة ناشطة في الشرق) على الجهاديين السوريين كي يمتنعوا عن القيام بتفجيرات في المناطق المدينية  وعن نشاطات يمكن أن تقسِّم المعارضة أو تبعد وتعزل الأقليات. ولم يذكر البيان جبهة النصرة، لكن الهدف المقصود لم يكن قابلاً للخطأ.
هناك أيضاً مؤشرات، رغم أنها مبكرة وغير حاسمة، بأن جبهة النصرة قد تكون تأخذ بالاعتبار رد الفعل العنيف الذي أثارته. ورغم أنها لا تزال تنشر أخبار تفجيراتها الانتحارية، فإنها حولت مقاربتها بعد هجمات 10 أيار التي لم تحظ بشعبية ( الموصوفة آنفاً)، مستثنية على ما يبدو أهدافاً يمكن أن تتسبب بسقوط عدد ضخم من الضحايا المدنيين. أما ظهورها المشترك في شهريْ تموز وآب مع مقاتلي لواء التوحيد فيعرض إلى أن البعض، على الأقل، يدرك قيمة التعاون مع تيار المتمردين السائد ويدرك قيمة بناء المصداقية مع السكان المحليين. في كل الأحوال هناك على وجه معاكس: إذا ما كان هذا التوجه الناشئ في حلب يشير إلى تحول أوسع في استراتيجية جبهة النصرة، فإنه سيصبح من الصعوبة بمكان بالنسبة للقادة والناشطين السائدين تشويه صورتها، نزع الشرعية عنها، وبالتالي احتوائها.

5 . الاستنتاج
تمر المعارضة المسلحة بمرحلة صعبة وتدميرية ربما، بخوضها حرب استنزاف ضد النظام ومعاناتها من الانقسام والتطرف. هذه التوجهات والميول تحمل في طياتها آثاراً خطيرة على مستقبل الثورة والمجتمع السوري ككل  وتطرح تساؤلات وانتقادات عديدة.
أولاً، عما إذا كان التوجه الأولي نحو تنسيق أكبر سوف يساعد على تحقيق بنية قيادة موثوقة قادرة على التفاوض لصالح المعارضة وملئ الفراغ الأمني الناجم عن تآكل النظام؛ ثانياً، عما إذا كانت المذهبية ستمزق النسيج الاجتماعي أكثر وتعزيز جاذبية المسلحين السلفيين المتطرفين.
هناك أسباب للتخوف من أن تصبح التغييرات أسوأ. فمن المرجح أن يؤدي العنف المتصاعد، إضافة إلى إخفاقات المعارضة وتناقض المجتمع الدولي إلى تعميق حالة اليأس والإحباط الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى زيادة جاذبية الجماعات الأكثر تطرفاً ووسائل النضال، التفجيرات الانتحارية من بينها. وفي الوقت الذي يتزايد فيه عدد النازحين والمهجرين في الداخل واللاجئين إلى الخارج، وفي حين تضررت بلدات وأحياء بكاملها إلى درجة أنها أصبحت غير مأهولة، تعرِّض المجموعات المسلحة نفسها لخطر الانفصال أكثر فأكثر عن قاعدتها الشعبية ولتصبح بالتالي ما يشبه مجموعات من المسلحين الهائمين بين الأنقاض. وفي الوقت الذي يأكلون، يناضلون ويصلُّون معاً، يشكل المقاتلون، على نحو متزايد، وحدات منفصلة عن الحركة الشعبية الشاملة التي نشأوا منها، ليقطنوا عالمهم الخاص، ويكونوا بذلك عرضة أكثر لفقدان السيطرة. إن نسبة استنزافهم العالية، بحسب التقارير الواردة، قد تؤدي إلى تمكين قادة الجيل الثاني ذوي الرؤية الاستراتيجية، الشرعية أو الخبرة الأقل ـ ثغرات قد يسعى هؤلاء إلى تعويضها بعنف أكبر ومعتقدات أكثر تطرفاً من أي وقت مضى. دينامية مشابهة تقريباً حددت صورة حركة التمرد العراقية، إلى حد كبير، بعد العام 2006، ما أدى إلى تدمير ذاتي سريع للحركة.
في الظاهر، تبدو المجموعات السلفية المستفيد المباشر من التوجهات الحالية. إذ تحتفظ رؤيتها بجاذبية لا يمكن إنكارها: توفر الإحساس بالهدف والغاية في زمن المعاناة والإرباك الكبيرين، عند انكشاف حدود كل المقاربات والرؤى العالمية البديلة ـ بما فيها المقاومة الشعبية كما في مصر وتونس، التدخل الدولي على الطراز الليبي، والجيش السوري الحر. وفي مسار ثورة تمر بمراحل مختلفة وتتعلم عن طريق التجربة والخطأ، من الممكن جداً أن يكون قد جاء دور السلفية. فهي توفر موارد وافرة وقيمة: أموال إضافية، أسلحة، ذخائر ومقاتلين، إمكانية الوصول إلى المعرفة المطلوبة في مجالات أخرى من الصراع، هوية أكثر وضوحاً وخطاب أكثر إقناعاً، إضافة إلى الشعور بالتمتع بدعم الأمة الإسلامية ككل. في وقت يكون فيه نضال المجموعات المسلحة للبقاء في مقابل نظام قاس مع اعتقاد أفرادها بأنهم معزولون وقد تم التخلي عنهم، فإن هكذا موجودات يمكن أن تصنع فرقاً مباشراً وملموساً. وضمن هذا السياق، يمكن للسلفية أيضاً أن تعمل كعباءة ملائمة يلتحفها المنحرفون والمجرمون.
في كل الأحوال، وكما شهدنا، هناك عوامل قوية موازية المعارضة مدركة لها جيداً. إن أفقاً أكثر أصولية يعمق، لا محالة، التصدعات الحساسة، وذلك بإثارة التوترات مع الأقليات والناشطين الليبراليين، ومع المؤسسة السنية التقليدية، إضافة إلى قسم كبير من العالم الخارجي. إن هكذا عيوب وسلبيات هي الأكثر كلفة نظراً للمأزق الحالي للمجموعات المسلحة وعجزها عن الإفلات من المواجهة العسكرية مع النظام. لقد كان السلفيون أكثر وضوحاً خلال اللحظة القصيرة العابرة في أواخر تموز عندما شنت أكثرية من المجموعات المسلحة هجوماً شاملاً ضد نظام اعتقدوا خطأً بأنه كان على وشك الانهيار؛ كان فشلهم بضمان النصر تراجعاً هاماً ليس بإمكانهم إبعاد أنفسهم عنه بسهولة.
بمعنى آخر، من المبكر جداً التكهن ما إذا كان التوجه السلفي مؤقتاً أم أن من المقدر له الاستمرار والثبات. لقد مر الصراع بعدد من المراحل المتحولة، وليس هناك ما يدعو كثيراً للافتراض بأن المشهد الحالي سيبقى ساكناً وجامداً لفترة طويلة. فالحسابات داخل المعارضة يمكن أن تتغير، كما يمكن أن تتغير صفتها وسمتها: فالمعارضة، المندفعة بسبب الداعمين الخارجيين لها، والتي قد تنجح أخيراً في تنسيق وترشيد الدعم وجعله مركزياً، قد تتوحد حول فاعلين رئيسيين؛ إن دافع التنافس قد يشرذمها أكثر؛ ومع ما يواجهها من دفع دولي مركز للقيام بمفاوضات، فإنها قد تتطور بطرق مختلفة غير متوقعة.
هناك عدد من المفاهيم الخاطئة المتعلقة بسلفيي سوريا. إذ سيكون من الخطأ الافتراض بأن نفوذهم الصاعد هو دلالة على وجود جذور عميقة له أو هوية شعبية اكتشفت مؤخراً. وبشكل مشابه، سيكون من الخطأ عزو الأمر إلى مناورات عرضية فقط ـ من قبل النظام بقصد تلويث صورة المعارضة وتشويهها، أو من قبل دول خليجية عربية مصممة على تعزيز النفوذ الإسلامي. وكما وصفت Crisis Groascii117p، لقد مر الصراع بمراحل؛إذ تحوَّر وتحوَّل، كما تحولت سمة النظام والعلاقات المذهبية وديناميات المجتمع المدني. ومن بين التغييرات التي تم التطرق إليها هو انتشار السلفية ـ تطلع يستفيد من الظروف على الأرض ويوفر أجوبة مباشرة حيث لا توفرها تطلعات أخرى. وبالإمكان رؤية تطور مشابه في الصفوف الموالية للنظام، خاصة بين المقاتلين العلويين، بعضهم ممن جنحوا كذلك نحو الانطوائية العدمية، طقوس عبادة بشار الأسد والعنف الممارس باسمه. إن كلا التطورين ينذران بالخطر؛ ولا يعتبر أي منهما دائماً بالضرورة. إلا أن الخروج من هذه الدائرة سيتطلب الخروج من مأزق عسكري دموي ـ وعودة إلى الحياة السياسية.
1 . مقدمة

2 . مدخل إلى مصطلح الدوغمائية السلسة

3. تربة خصبة، محصول غامض

4. السلفية ضمن الجيش السوري الحر

5 . القيود المؤثرة على السلفيين

موقع الخدمات البحثية