أوراق إستراتيجية » أصدقاء ذوي فائدة

إعداد:
ـ مايكل إيسنستادت (زميل كبير ومدير 'برنامج الدراسات العسكرية والأمنية' في 'معهد واشنطن  لسياسات الشرق الأدنى')
ـ ديفيد بولاك (زميل Kaascii117fman في 'معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى')
المصدر: Foreign Affairs
التاريخ: 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012

لماذا التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي جيد لأميركا؟
في المناظرة الرئاسية الأخيرة لحملة 2012، ذكر الرئيس باراك أوباما والحاكم ميت رومني 'إسرائيل' حوالي 30 مرة، أكثر من أي بلد آخر ما عدا إيران. وقد سمَّى كلا المرشحيْن الدولة اليهودية بـ ' الصديق الحقيقي'، وتعهدا بالوقوف معها في السراء والضراء. وقد انتقد بعض المعلقين السياسيين تصريحات الدعم هذه الفياضة بالمشاعر العاطفية بصفتها تصريحات قوادة، عارضين بذلك إلى أن المرشحيْن كان يجريان، وببساطة، خلف أصوات يهودية ومؤيدة لإسرائيل.
إلا أن الدعم لـ'إسرائيل' هو بالواقع فوز سياسي، إذن فالأمر عائد، جزئياً، إلى أن الناخبين يعلمون ذلك بشكل أفضل. إن التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي يساهم الآن أكثر من أي وقت مضى بالأمن الأميركي، حيث أن التعاون الثنائي بالتعامل مع التحديات العسكرية والأمنية قد زاد في السنوات الأخيرة. قد لا تكون العلاقة متماثلة؛ فالولايات المتحدة وفرت لـ'إسرائيل' دعماً ديبلوماسياً، اقتصادياً وعسكريا لا بد منه والذي وصل بمجموعه إلى أكثر من 115 مليار دولار منذ العام 1949. لكنها شراكة بالاتجاهين كانت فوائدها بالنسبة للولايات المتحدة أساسية. أما الكلفة الأخرى للتحالف الأميركي ـ الإسرائيلي والملموسة بشكل أقل ـ بشكل رئيس، الضرر اللاحق بسمعة واشنطن في العالمين العربي والإسلامي، مشكلة تسببت بها أيضاً التدخلات الأميركية وعقود من الدعم الأميركي لقادة أتوقراطيين في الشرق الأوسط ـ فتعتبر باهتة مقارنة مع المكاسب الاقتصادية، العسكرية والسياسية التي تستطيع واشنطن شرائها.
يعود تاريخ التعاون الأميركي ـ الإسرائيلي إلى ذروة الحرب الباردة، عندما أصبح ينظر إلى الدولة اليهودية في واشنطن على أنها حصن ومتراس ضد النفوذ السوفياتي في الشرق الأوسط وبلد مضاد للقومية العربية. ورغم أن العالم تغير منذ ذلك الحين، إلا أن المنطق الاستراتيجي للتحالف الأميركي ـ الإسرائيلي لم يتغير. فـ'إسرائيل' لا تزال قوة موازنة مضادة للقوى الراديكالية في الشرق الأوسط، بما في ذلك الإسلام السياسي والتطرف العنيف. كما منع هذا التحالف انتشار أسلحة الدمار الشامل أكثر في المنطقة عن طريق كبح البرنامجين النوويين العراقي والسوري.
تستمر 'إسرائيل' بمساعدة الولايات المتحدة في التعامل مع التهديدات الأمينة التقليدية. إذ يتقاسم البلدان المعلومات الاستخبارية حول الإرهاب، الانتشار النووي، والسياسات الشرق أوسطية. فقد شكلت خبرات 'إسرائيل' العسكرية شكل مقاربة الولايات المتحدة لقضايا مكافحة الإرهاب والأمن الداخلي. وتعمل الحكومتان معاً لتطوير تكنولوجيا عسكرية معقدة، كمنظومتيْ سلاح ' David Sling' المضاد للصواريخ وصواريخ 'آرو' الدفاعية، اللتان قد تكونا جاهزتين للتصدير لحلفاء أميركيين آخرين في وقت قريب. كما برزت 'إسرائيل' أيضاً كمزود دفاعي في مكان ملائم هام للجيش الأميركي، مع مبيعات تتزايد من 300 مليون دولار سنوياً قبل 11 أيلول إلى  1.1 مليار دولار في العام 2006، بسبب الحربين في العراق وأفغانستان. كما أن الأبحاث العسكرية والتطويرية الإسرائيلية كانت رائدة في العديد من التكنولوجيات المتفوقة التي تحوِّل وجه الحرب الحديثة، بما في  ذلك سلاح 'السايبر'، آليات لا تحمل بشراً ( كالروبوت الأرضي والطائرات من دون طيار)، أنظمة الاستشعار وأنظمة الحرب الالكترونية، والدفاعات المتطورة للآليات العسكرية.
مهد التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي الطريق أمام البلدين للتعاون مع بعضهما حول قضايا تتعدى بكثير القضايا الأمنية التقليدية. وبسبب العلاقة السياسية والأمنية القديمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل يعرف معظم الإسرائيليين الولايات المتحدة ويكنون مشاعر إيجابية لها، هذا في جزء من الأمر. وتتطلع الشركات الإسرائيلية إلى السوق العالمية لمنتجاتها والتي طالما اعتبرت نظيراتها من الشركات الأميركية شركاء خيارا. إذن اليوم، تساعد الابتكارات التكنولوجية المدنية تساعد الولايات المتحدة على الحفاظ على تنافسيتها الاقتصادية، تعزيز التنمية المستدامة، والانكباب على معالجة مجموعة من التحديات الأمنية الغير عسكرية.
لقد أسست عشرات الشركات الأميركية القيادية حاضنات تكنولوجية في إسرائيل للاستفادة من ولع البلد بالأفكار الجديدة، وهو السبب الذي دعا بيل غايتس لأن يدلي بملاحظته في العام 2006 بقوله  أن 'الإبداع والابتكار الجاري في 'إسرائيل' أمر حاسم وحساس لمستقبل العمل التكنولوجي'. كذلك الأمر، غالباً ما تتحول شركات التقنية العالية الإسرائيلية إلى شركات أميركية كشريك في الإنتاج المشترك وتسويق الفرص في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، لتخلق بذلك عشرات الآلاف من فرص العمل الأميركية. ورغم أن الإسرائيليين يشكلون ثلاثة بالمئة فقط من مجموع سكان الشرق الأوسط، فقد كانت 'إسرائيل' في العام 2011 المكان المقصود لـ 25 بالمئة من مجموع الصادرات الأميركية إلى المنطقة، متفوقة بذلك في الآونة الأخيرة على السعودية بصفتها قمة السوق للمنتجات الأميركية هناك.
كان التعاون القوي والمتين للشركات الأميركية مع 'إسرائيل' حول تكنولوجيا المعلومات حاسماً لنجاح Silicon Valley . ففي مراكز الأبحاث والتطوير لشركة Intel عدداً من معالجات البيانات الصغيرة الناجحة، والتي شكلت 40 بالمئة من عائدات الشركة في العام الماضي. وإذا ما قمت بمعاملة مالية على الانترنت، أو أرسلت رسالة سريعة، أو اشتريت شيئاً باستخدامك PayPalP فيمكنك عندها أن تشكر الباحثين في IT.
خرج المبدعون الإسرائيليون أيضاً بحلول جديدة وغريبة لتحديات الماء والغذاء التي يعرضها النمو السكاني، التغير المناخي، والنمو الاقتصادي. وبسبب الضرورة، ونظراً لجغرافية الشرق الأوسط تعتبر إسرائيل قائداً عالمياً في الحفاظ على المياه وإدارتها وفي مجال الزراعة العالية التقنية. فإسرائيل تعيد تدوير أكثر من 80 بالمئة من مياهها المبتذلة ـ أعلى نسبة في العالم ـ وكانت رائدة في استخدامها الواسع النطاق لتقنيات الحفاظ على المياه وتنقيتها، بما في ذلك الري بالتنقيط والتحلية التناضحية المعاكسة. كما أن عدداً من الشركات الإسرائيلية تعتبر قيادية في مجال تطوير موارد الطاقة المتجددة؛ فالشركة الصناعية BrightSoascii117rce، على سبيل المثال، تبني محطة طاقة شمسية في كاليفورنيا باستخدامها تكنولوجيا إسرائيلية تضاعف كمية الكهرباء الناتجة عن الحرارة الشمسية في أميركا. هذه الابتكارات، المدعومة والمعززة باستثمار أميركي قوي في 'إسرائيل'، تساهم في أهداف السياسة الخارجية الأميركية على المدى الطويل بما يتصل بالتنمية المستدامة.
لم يكن التحالف مع 'إسرائيل' من دون مخاطرة أو ثمن بالنسبة لواشنطن بكل تأكيد. فقد جلبت حرب 1973 بين 'إسرائيل' وجيرانها العرب أميركا إلى حافة الصراع مع الاتحاد السوفياتي ودفعت إلى إعلان حظر عربي على الصادرات النفطية إلى الولايات المتحدة. وعقب الغزو الإسرائيلي للبنان في العام 1982، أرسلت إدارة ريغان وبسرعة قوات المارينز الأميركية للمساعدة على فرض الاستقرار في البلد، والذي انتهى في نهاية المطاف بهجمات باهظة ومكلفة على الديبلوماسيين الأميركيين والأفراد العسكريين العاملين هناك. كما عزز الدعم الديبلوماسي والعسكري الأميركي لـ'إسرائيل' المواقف السلبية تجاه الولايات المتحدة في عدد من البلدان العربية والإسلامية بغالبيتها.
إلا أن هذه الأثمان لا ينبغي البالغة بها. فبما يتخطى أصوات الأمم المتحدة الرمزية، إلى حد كبير، ضد المواقف الأميركية، بالكاد أدى دعم واشنطن لـ'إسرائيل' إلى تضرر الروابط الأميركية مع حلفائها العرب والمسلمين. فالوقوف مع 'إسرائيل' لم يؤد، بالتأكيد، إلى سياسة أميركية عرجاء تجاه المنطقة كما الحرب في العراق أو مساندة واشنطن لأنظمة عربية أتوقراطية. في هذه الأثناء، لم يرفض أي حليف عربي للولايات المتحدة في أي وقت من الأوقات، نتيجة الموقف الأميركي المؤيد لـ'إسرائيل'، التعاون مع واشنطن في قضية مكافحة الإرهاب أو حرمها من مطالبها بالقدرة على الوصول إلى النفط، إنشاء قواعد عسكرية، أو حق التحليق في أجوائها.
بالواقع، لقد ساعد التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي على تحفيز العلاقات الأميركية ـ العربية وجعلها أوثق، وفق نظرية تقول بأن الولايات المتحدة فقط هي من يمكنها إقناع 'إسرائيل' بصنع تنازلات في المفاوضات؛ كان هذا جزءاً من المنطق الذي يقف خلف تحول مصر من الإتحاد السوفياتي إلى الولايات المتحدة في السبعينات. وحتى خلال العقد الماضي من التعاون الأميركي ـ الإسرائيلي الوثيق، وبرغم المأزق في عملية السلام الإسرائيلية ـ الفلسطينية، فقد ازدهرت العلاقات العربية مع الولايات المتحدة إلى حد كبير: فالتجارة والاستثمار الثنائي مزدهران، حيث أن الصادرات الأميركية إلى الشرق الأوسط في العام 2011 وصلت إلى 56 مليار دولار. أما التعاون الدفاعي فهو وثيق اليوم كما لم يكن من قبل، وما يؤشر عليه هو صفقات الأسلحة بقيمة عدة مليارات من الدولارات والتي أبرمتها واشنطن مع حلفائها الخليجيين في السنوات الأخيرة. فضلاً عن ذلك، تتقاسم عدة دول، بما فيها مصر والأردن، إلى جانب السلطة الفلسطينية، معلومات استخبارية مع 'إسرائيل' وعملت هذه الدول في مختلف الأوقات وخلف الكواليس على تجنيد 'إسرائيل' كوسيط لها مع واشنطن. كان هذا هو الحال حتى في حكومة مصر ما بعد الثورة. كل هذا يحدد الواقع بأن المصلحة الذاتية، وليس الإيديولوجيا، هي  الدافع لعلاقات الدول العربية مع واشنطن.
برغم هذه العلاقات المستمرة بربط الولايات المتحدة والبلدان العربية معاً، فإن السنتين الأخيرتين من الثورات والتمرد جلبت الاضطرابات إلى عدد من حلفاء واشنطن التقليديين في المنطقة. ففي زمن الالتباس والغموض، وتعاظم توترات محددة مع إيران، فإن المرجح أكثر حتى أن تعمد الولايات المتحدة إلى الاعتماد على حلفاء مستقرين نوعاً ما وغير ديمقراطيين، كالسعودية، وعلى حلفاءها الديمقراطيين المستقرين كـ'إسرائيل' وتركيا، لضمان مصالحها في المنطقة. وإن كان هناك من أمر فهو أن الأحداث الأخيرة قد عززت المحددات المنطقية للتعاون الاستراتيجي الأميركي ـ الإسرائيلي.
إن مكاسب الولايات المتحدة من علاقتها بإسرائيل تدحض الجدل القائل بأن التحالف مبني فقط على القيم الديمقراطية للبلدين، وعلى شعبية إسرائيل في الحياة السياسية الأميركية، أو على صعوبة إدراك تقدم في عملية السلام. إنها علاقة مبنية على مصالح ملموسة ـ وستظل كذلك في المستقبل المنظور.
ليس من السهل دوماً أن تكون حليفاً لإسرائيل ( وأفعال إسرائيل لا تجعل الأمر أسهل دائماً). فالبلد يواجه عدداً من التحديات، بما فيه الصراع غير المحلول مع الفلسطينيين، الفجوات الاجتماعية ـ الاقتصادية الداخلية، الأصوات حول العالم التي تنكر حق 'إسرائيل' في الوجود، والآن برنامج إيران النووي. وقد صنعت 'إسرائيل' تقدماً غير متكافئ تجاه معالجة هذه القضايا وهي بحاجة للقيام بما هو أكثر لتظل شريكاً جذاباً بالنسبة للولايات المتحدة. إلا أن نجاحاتها الماضية في إدخال ودمج أعداد ضخمة من المهاجرين، جسر الانقسامات الاجتماعية العميقة، وإظهار مرونة لافتة في مواجهة الحرب والإرهاب كلها أمور تقدم سبباً للاعتقاد بأن بإمكان واشنطن الاعتماد على شريكها الأقرب في الشرق الأوسط، وهي مستمرة بالاستفادة من تحالفها مع الدولة اليهودية.

موقع الخدمات البحثية