أوراق إستراتيجية » التقرير الأمني الثالث عن الشرق الأوسط: المعارضة السورية المسلحة ـ الحلقة الثالثة

موجز تنفيذي
يقدم هذا التقرير معلومات حول حركة المعارضة السورية، ملقياً الضوء على الهيكلية الموجودة ضمن هذه الحركة وأين يفتقر المتمردون السوريون للتنظيم. هذا التقرير لا يؤيد سياسة تسليح المعارضة السورية أو يقف ضده.
..
تهريب السلاح والمقاتلين الأجانب ودور القاعدة
إن قدرة حركة التمرد السورية على إنتاج الأسلحة والذخائر ستكون أمراً حاسماً لنجاحها ضد القوى الأمنية السورية المسلحة جيداً. فقد جاء قسم هام من الأسلحة الصغيرة للمتمردين من خارج سوريا. إذ وصل السلاح مع المنشقين، وتم شراؤه من أفراد متعاطفين ( أو فاسدين) في القوى الأمنية، أو تم الاستيلاء عليه خلال الغارات. مع ذلك، لا يزال من غير المرجح نجاح حركة التمرد من دون تدفق ثابت للسلاح من دول مجاورة. وخلال اجتماعاته مع متمردين سوريين، لاحظ أحد المراسلين بأن "حركة التمرد السورية ليست ممولة أو مسلحة جيداً. فالمقاتلون يشترون أسلحتهم محلياً أو من السوق السوداء، من تجار سلاح ومهربين يستفيدون من العنف الدائر في سوريا. لقد كنت مع متمردين يشترون السلاح ورأيت كيف يرتبون الأمر عبر المهربين من العراق، لبنان وتركيا".
إن تهريب السلاح من لبنان هو الأهم بالنسبة لحركة التمرد، نظراً لقرب لبنان من مراكز الصراع في حمص وريف دمشق. تحديداً ، تدفق السلاح من المناطق ذات الغالبية السنية في شمال لبنان باتجاه حمص. وتشير التوغلات العسكرية السورية داخل قريتيْ عرسال والقاع اللبنانيتين في تشرين أول 2011 إلى أن التهديد المتمثل بخط الإمدادات هذا كان يستحق عمل عبور الحدود. وبحسب أحد التقارير، فإن قرية عرسال السنية وقرية القاع للروم الكاثوليك نقطتان هامتان في طريق التهريب هذا. أما قرية وادي خالد، الواقعة على طرف الحدود الشمالية الغربية من لبنان، فقد أصبحت مركزاً للمتمردين واللاجئين السوريين وكانت متورطة، على ما قيل، في نشاط التهريب. وقد يكون المهربون استخدموا قوارب صغيرة في البحر المتوسط حتى لنقل الإمدادات عبر الحدود. وقتلت القوات السورية صيادين لبنانيين عندما ضبطت مركباً مشتبهاً به بالتهريب على الساحل اللبناني- السوري في أواخر كانون الثاني 2012.
إن أعداداً كبيرة من المنشقين الذين فروا إلى شمال لبنان يقودون، بحسب الأنباء الواردة، أنشطة التهريب والمتمردين هناك. وبحسب أحد المنشقين الموجودين في عكار، لبنان، كان هناك ما يصل إلى 500 منشق في المنطقة. وقد يكون لدى هؤلاء المتمردين اتصالات مع قيادة الجيش السوري الحر. وفي تشرين الثاني 2011، صورت القناة الرابعة الإخبارية البريطانية فيلماً عن دورية لمتمردين تعبر الحدود إلى داخل سوريا، ربما من منطقة وادي خالد. وفي إحدى النقاط، يقوم قائد الفريق باتصال هاتفي ومن ثم يشرح للكاميرا فيقول، "لقد أبلغت القيادة العامة للجيش السوري الحر في جسر الشغور عن المهمة التي نحن بصددها الآن. نحن على خط الجبهة، وجهاً لوجه مع جنود النظام السوري".

تم تهريب الأسلحة أيضاً من خلال العراق. وفي مقابلة مع نائب وزير الداخلية العراقي عدنان الأسدي قال،"يتم نقل الأسلحة من بغداد إلى نينوى...ويُهرَّب السلاح من الموصل عبر الرابية لتقطع الحدود وصولاً إلى سوريا، حيث إن أفراداً من نفس العائلات يعيشون على جانبي الحدود... هناك بعض التهريب من خلال معبر قرب أبو كمال. ومع الشواهد المؤيدة الموجودة في هذه البيانات، ذكرت الوكالات الإخبارية التابعة للدولة السورية بأن قوات النظام ضبطت عدة شحنات من الأسلحة على طول الطريق من العراق باتجاه مراكز الاضطرابات غرب سوريا في كانون أول 2011 وكانون الثاني 2012.
وفي حين يوفر المهربون في لبنان والعراق حصة الأسد من الأسلحة العابرة إلى داخل سوريا، فقد كان هناك أيضاً تقارير عديدة حول التهريب من تركيا. مع ذلك لم تسمح الحكومة التركية بأعمال تهريب على نطاق كبير، وكان الجيش السوري فاعلاً في غالب الأحيان في قطع الطريق أمام التهريب القادم من تركيا.
ويقدم تقرير ثاقب ومتعمق فهماً لطرق التهريب التي تجلب الأسلحة إلى داخل سوريا. وقد اتبع أحد المراسلين العاملين في صحيفة الغارديان إحدى مجموعات المتمردين الذين اشتروا مسدسات وذخائر من مهربين أتراك، وذلك بتسليم البضاعة عبر الشريط الشائك الذي يقسم البلدين. وبعد وقت قصير من ذلك، اجتمع نفس هؤلاء المتمردين مع رجل من عشيرة الشمر العراقية الذي باعهم بنادق هجومية، قذائف آربي جي، وأسلحة رشاشة متوسطة. وقد فسر أحد المهربين أسعار الأسلحة المرتفعة بالقول، "لقد أفرغنا الموصل؛ لم يعد هناك بنادق". إن واقع قدرة هذا المهرب على جلب هذه الأسلحة من الموصل إلى قرية بعيدة في محافظة إدلب الشمالية هو اختبار لفعالية شبكات التهريب هذه.
يساعد اقتصاد السوق السوداء على تفسير طبيعة تدفق الأسلحة الإقليمية إلى داخل سوريا. ففي كانون الثاني 2012، أشار صحافي موجود في بيروت إلى أن سعر البندقية الهجومية من نوع AK-47 الروسية قد تضاعف منذ آذار 2011، من 1000 إلى 2100 دولار. أما قذائف الآر بي جي، الأساسية لتدمير الآليات المدرعة السورية التابعة للنظام، فقد تضاعف سعرها هي الأخرى وبشكل مشابه: زاد سعر القاذفات من 900 إلى 2000 دولار، في حين زاد سعر القنبلة اليدوية من 100 إلى 500 دولار. كما ارتفع سعر بندقية AK-47 في الموصل من 100- 200 دولار في آذار 2011 ليصل إلى 1000- 1500 دولار في شباط 2012.

هذه الزيادة في أسعار السلاح في لبنان والعراق المجاورين أثبتت واقع تدفق السلاح إلى داخل سوريا. لقد فسر الدافع الاقتصادي الموجود لدى المهربين في جلب الأسلحة إلى داخل البلد. في كل الأحوال، إن واقع ارتفاع أسعار الأسلحة بهذا الشكل الكبير مؤشر أيضاً إلى أن المعارضة السورية لم تكن تتلقى شحنات أسلحة خارجية كافية لموازنة الحاجة المتنامية. وكما أوضح أحد مصادر المعارضة الأمر، "نحن نجلب أسلحة دفاعية وهجومية... إن السلاح يأتي من كل مكان، بما فيه من بلدان غربية، وليس صعباً الحصول على أي شيء عبر الحدود".
وفي حين كانت السوق السوداء هي التي تقف وراء تدفق السلاح في 2012/ تعرض المؤشرات إلى أن الدعم الإقليمي سوف يزداد. وفي بيان لها في 12 شباط، ألحت الجامعة العربية على مجلس الأمن الدولي إصدار قرار لإعداد قوة حفظ سلام ودعت لتقديم كل أشكال "الدعم السياسي والمادي للمعارضة السورية". لاحقاً في شهر شباط، قال وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بأنه يعتقد بأن تسليح المتمردين "فكرة ممتازة ". إن قرارات إقليمية بتسليح عناصر حركة التمرد السورية له آثار خطيرة بالنسبة لعدم الاستقرار في الشرق. وكما قال السيناتور جون ماكين في أوائل آذار 2012، "إن السؤال المتزايد بالنسبة للسياسة الأميركية لا يتعلق بما إذا كانت قوات أجنبية ستتدخل عسكرياً في سوريا أم لا. بإمكاننا أن نكون على ثقة بأن الدول المجاورة لسوريا ستفعل ذلك في نهاية المطاف، إن لم يكونوا قد فعلوا أساساً. إن الخطر هو أن تحاول هذه الدول المجاورة انتقاء الرابحين، وهذا لن يكون دائماً بحسب ما يروق لنا أو في مصلحتنا".
المقاتلون الأجانب
إن عبور المقاتلين الأجانب إلى داخل سوريا للعمل مع حركة التمرد السورية له صلة وثيقة بتدفق الأسلحة. فالمقاتلون الأجانب قد يساعدون التمرد بتقديمهم الخبرات التقنية والقتالية، لكن بإمكانهم أيضاً جلب إيديوجية متطرفة ورعاية فيها إشكالية بطريقة تضر ربما حركة التمرد السورية أكثر على المدى الطويل.
قد يمثل العراقيون الجزء الأكبر ربما من مشاركة المقاتلين الأجانب في القتال الدائر في سوريا، رغم أن كثيراً من هؤلاء "المقاتلين الأجانب"هم سوريون، في الواقع، وكانوا قد حاربوا في العراق مع جماعات التمرد السنة العرب وعادوا إلى وطنهم سوريا بداية الاضطرابات. وفي أوائل أيلول 2011، بدأ مراقبون عراقيون يلاحظون بأن "المتمردين السوريين يعودون إلى بلدهم للمساعدة على الإطاحة بنظام الأسد". وبحسب ما قال أحد المحللين، "منذ بداية الاضطرابات تقريباً، كان السوريون الذين حاربوا في العراق مع أبو مصعب الزرقاوي زعيم القاعدة في العراق متورطين في القتال". وأكد نائب وزير الداخلية العراقي عدنان الأسدي قائلاً، "لدينا معلومات استخبارية تقول بأن عدداً من المجاهدين العراقيين قد ذهبوا إلى سوريا". بالواقع، لقد تطورت شبكات عبور الحدود للمسلحين السوريين والعراقيين خلال قتالهم ضد القوات الأميركية في العراق وقد يكون الأمر معكوساً الآن، ما يسهل تدفق المقاتلين ذوي الخبرة والتجربة من العراق إلى سوريا.
أما العشائر العربية السنية في غرب العراق فسوف تستفيد من سقوط نظام الأسد، خاصة في الوقت الذي تتحرك فيه هذه العشائر لمقاومة تدعيم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لسلطته في العراق. وكما أوضح الأمر أحد الصحافيين الذين أجروا مقابلات مع رجال من القبائل العربية السنية، "الإشارة بسيطة، بحسب ما قال هؤلاء: إن انهيار نظام الأسد سيكون ضربة لإيران، التي يعتبرونها تهديداً مشتركاً. فإيران تدعم بقوة نظام الأسد، إضافة إلى دعمها ما يعتبرونه على نحو متزايد حكومة شيعية عراقية".
وسط الهجمات المتزايدة ضد القوى الأمنية العراقية في محافظة الأنبار الغربية في أواخر تشرين الثاني 2011، أعلن المسلحون السنة العرب المسؤولية عن مهاجمة الميليشيات الشيعية العراقية التي كانت ، بحسب زعمهم، في طريقها لمساعدة القوي الأمنية التابعة لنظام الأسد في عملياتها. وسواء كانت مجموعات الميليشيات الشيعية هذه في طريقها بالفعل إلى سوريا أم لا، فإن هذه التصريحات تمثل التضامن الموجود بين المسلحين العراقيين والسوريين في مقاومة حكومتيهما.
تبرهن مقابلة أجريت في شهر شباط مع مسلح عراقي يحارب مع المتمردين السوريين عن مدى وحجم سفر العراقيين إلى سوريا. وقد أجريت مقابلة مع سعدون الحسيني ، 36 عاماً، مهندس من الرمادي ومقاتل متطوع ضد القوات الأميركية في العراق وعضو في صحوة الأنبار، وذلك في محافظة الأنبار قرب الحدود التركية، بعيداً عن الحزام العشائري في محافظة دير الزور شرق سوريا. لقد كان حذراً في النأي بنفسه عن تشدد القاعدة وقتالها في سوريا: "لقد سمعت كل هذا الكلام عن قيام القاعدة بفعل أشياء في سوريا. لكن هذا الأمر لا يلقى دعماً من قبل العراقيين الحقيقيين... هذه بروباغاندا، وقد نشرها داخل العراق أشخاص يريدون الإضرار بالتضامن والتكاتف مع سوريا".
مع ذلك، من الصعب قياس مدى التورط العراقي في تهريب الأسلحة من العراق إلى سوريا. ويمكن للمرء أن يتوقع أن يؤدي امتداد التكاتف والتضامن العشائري على طول نهر الفرات على جانبي الحدود إلى احتمال تشجيع رجال العشائر العراقيين على الانضمام إلى القتال ضد الأسد، لكن درجة الصراع المسلح المحدودة نسبياً في دير الزور شرق سوريا تعرض خلاف ذلك. ففي أواخر شباط، أعلنت مجموعتان مسلحتان عراقيتان بأنهما ستقدمان الدعم المعنوي وليس المادي للمعارضة في سوريا. وعبَّرت المجموعتان عن هاجسهما من أن يؤدي إرسال الأسلحة والمقاتلين إلى تفاقم الوضع في سوريا عن طريق إعطاء الأسد الذريعة لاستخدام أكبر للقوة حتى. ورفضت البيانات المنشورة دعوة زعيم القاعدة أيمن الظواهري في شباط 2012 إلى مساعدة المتمردين السوريين، وقال هؤلاء بأن الحركة الجهادية الدولية تحاول "سرقة الثورة". هذا التوتر يمثل التباين المتنامي بين القاعدة في العراق ومجموعة الجماعات الإسلامية المسلحة الأخرى في العراق التي لديها أهدافا وطنية أكثر. إن المقابلات الأخيرة تؤكد على العلاقة المتوترة بين قادة العشائر قرب الحدود السورية الذين "يتقاسمون روابط عائلية وصلات عشائرية، وتعاطف مع مقاتلي المعارضة عبر الحدود في سوريا"، لكنهم "قلقون من أن تكون تجارة السلاح عبر الحدود هنا تعيد تنشيط... القاعدة في العراق".
العرب السنة ليسوا المجموعة العراقية الوحيدة التي أصبحت متورطة بالاضطرابات السورية. وفي حين أنه ليس هناك من تقارير موثوقة حول صدامات مسلحة في المنطقة الشمالية الشرقية الكردية في سوريا، فإن الدلائل تشير إلى تزايد في النشاط العابر للحدود. ففي أواخر كانون الثاني 2012، اعتقل حرس الحدود السورية عضوين في قوات دفاع البشمركة الكردية. وفي الشهر التالي، اقتحم مقاتلو البشمركة مركز شرطة حدودي وأخذوا كردي سوري كان قد أعتقل قرب الحدود السورية وهو يحاول دخول العراق. وفي حين امتنع الأكراد السوريون عن الانضمام إلى الثورة ضد الأسد في أوائل 2012، فإن الحكومة الإقليمية الكردية في العراق قد تكون متحمسة لتعزيز روابطها مع جيرانها السوريين حيث يتضاءل نفوذ نظام الأسد في هذه الزاوية البعيدة من سوريا.
برغم الدور المركزي للمقاتلين الأجانب العراقيين، فقد عرضت التقارير أن مجموعة واسعة من المقاتلين الأجانب الآخرين قد أصبحت متورطة في سوريا. وتقول تقارير ظهرت إلى السطح في كانون أول 2011 بأن "جماعة القتال الإسلامية الليبية "وقائدها عبد الحكيم بلحاج، لديه علاقات مع القاعدة، كانت تدعم حركة التمرد السورية بالسلاح والمقاتلين. ويعرض أحد التقارير أن قطر كانت تساعد في هذا المجهود. أما مصداقية المصادر فمحل تساؤل، وبالميزان، لا تبدو هذه العلاقة مرجحة لأن المرء قد يتوقع أن الجماعة الليبية كانت أكثر تحمساً لدعم موقفه في ليبيا. فضلاً عن ذلك، كانت الحكومة التركية غير مستعدة للسماح بدخول فريق ثالث من خلال الطرق التي عرضتها التقارير.
وبينما كانت التقارير الواردة حول المقاتلين الأجانب من البلدان الأخرى المجاورة لسوريا محدودة، فإن احتمال مجيء مسلحين إلى سوريا من لبنان، الأردن، وحتى السعودية يظل قائماً. وفي شباط 2012، بدا أن الإخوان المسلمين ينقلبون على موقفهم القديم الداعم لموقف الأسد المقاوم لإسرائيل، بدعوتهم إلى "الجهاد"ضد نظام الأسد وبالحث على دعم المتمردين السوريين بصفته "واجباً إسلامياً". وفي شباط أيضاً، اندلع قتال بين الجيوب السنية والعلوية الموجودة في طرابلس شمال لبنان. وفي حين أن ليس هناك من مؤشرات عن وجود مقاتلين سعوديين في سوريا حتى آذار 2012، فقد برهنت المملكة عن استعدادها لتشجيع المتشددين المسلحين في أفغانستان، باكستان، الشيشان، والبوسنة على السفر إلى مسارح أحداث في الخارج في العقود الأخيرة.
دور القاعدة
رفعت سلسلة تفجيرات السيارات المفخخة التي ضربت دمشق وحلب من كانون أول وحتى شباط الهواجس بخصوص وجود دور محتمل للقاعدة في حركة المعارضة المسلحة في سوريا. هناك عدة طرق لتفسير مستوى انخراط القاعدة في حركة التمرد الواسعة في سوريا، وهي ليست متناقضة بالضرورة. وفي حين اعتبر المراقبون هذه الهجمات أعمالاً تنسب للقاعدة، فقد قالت المعارضة بأن النظام هو من صمم هذه السيارات المفخخة لتشويه صورة المعارضة. وفي أواخر شباط، أعلنت مجموعة تطلق على نفسها "جبهة الشام لنصرة الشرق"مسؤوليتها عن هذه الهجمات في شريط جهادي برموز ولغة تثبت انتماءها للقاعدة. قد يكون نظام الأسد متواطئاً في هذه الهجمات، بسماحه لجماعات مرتبطة بالقاعدة بجعل المعارضة متطرفة لإرساء الدعم المحلي وجعل التدخل الأجنبي معقداً.
قال جايمس كلابر، مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية، للجنة الخدمات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ في 16 شباط بأن التفجيرات "تحمل بصمات"القاعدة في العراق. مؤكداً على أن مسؤولي الاستخبارات يعتقدون بأن الهجمات كانت بالفعل من عمل أشخاص منتمين للقاعدة. وجاء التقييم العام بعد أيام فقط من ظهور زعيم القاعدة أيمن الظواهري في شريط فيديو مدته ثماني دقائق بعنوان "إلى الأمام أسود سوريا"، والذي يساند فيه المعارضة المسلحة السورية. ولم يذكر بيان الظواهري السيارات المفخخة أو الأحداث الأخيرة، وقد يكون سُجل في خريف 2011. ويبدو أن القاعدة نشرت الفيديو مباشرة بعد تفجيرات السيارات المفخخة للحصول على أقصى حد من التأثير الإعلامي.
إن وجود مسلحين متشددين مرتبطين بالقاعدة أمر ظاهر وواضح للعيان في سوريا. ففي 26 شباط، نشرت "جبهة نصرة الشام"شريط فيديو مدته 45 دقيقة تم إنتاجه وإخراجه بمستوى جيد ويتحدث بفخر عن التفجيرات القاتلة في حلب ودمشق. وقد ركز الفيديو على رواية امرأة في حمص تم اغتصابها وقتل ابنها على يد مجموعة من الشبيحة. كما أظهر الفيديو الانتحاري الذي نفذ هجوم دمشق في كانون الثاني. ويصرح أمين عام الجماعة، أبو محمد الجولاني، الاسم العسكري المتخذ له بحسب الظاهر في إشارة إلى مرتفعات الجولان السورية المحتلة، بأن الهجمات تمت "انتقاماً للشعب في حمص". لاحقاً ، يظهر 25 رجل تقريباً من دمشق وحلب في فيديو في بيانات دعم لجبهة النصرة. وقد استخدم أحد الرجال كلمات عراقية متميزة، واتسم بيانان آخران بظهور أعلام القاعدة البارزة في الخلفية.
تم تداول تقارير في أوائل شباط 2012 ضمن جماعة الانترنت الجهادية حول إطلاق سراح أبو مصعب السوري من السجن في سوريا. وقد برز الأخير، وهو مواطن سوري ولاعب بارز وهام في القاعدة، كأحد المفكرين الاستراتيجيين القياديين للحركة في العام 2004، حيث وضع وثيقة من 1600 صفحة بعنوان "دعوة المقاومة الإسلامية العالمية"وكان لعمله الفضل في تطوير استراتيجية "مقاومة بلا قيادة"التي ناصرها وأيدها أنور العولقي. ويُعتقد بأن أبو مصعب السوري الذي لم يُشاهد في العلن منذ اعتقاله في مدينة كوتا الباكستانية في العام 2005 مسجون في سوريا. قد يكون النظام السوري قد أطلق بالفعل سراح الجهادي المتشدد في وسط هذه الأزمة لجعل التدخل الأجنبي معقداً. وقد يكون الأسد قام بذلك لحشد الدعم في الداخل. فلطالما حافظت أجهزة الاستخبارات السورية على علاقات لها مع جهاديين لدرء المخاطر عن النظام في الوقت الذي كان هذا النظام يطلق وينشر وكلاء له في الدول المجاورة، كما فعل في العراق من العام 2003 وحتى 2007. هذا لا يعني القول بأن أبو مصعب السوري نفسه لعب دوراً في الهجمات. بل يعني بأنه يمثل رقماً بارزاً وهاماً في عملاء القاعدة المدربين في سوريا، الذين شهد الكثير منهم القتال في العراق بظل زعيم القاعدة الزرقاوي. بالواقع، لقد قال الليفتانت جنرال رونالد بيرغس للكونغرس أيضاً بأن "الهجمات التي تشبه هجمات القاعدة"قد قام بها متشددون مسلحون مرتبطون بالقاعدة موجودون داخل سوريا أساساً.
قد يكون المنتمون للقاعدة الذي كانوا يحتفظون ذات يوم بعلاقات مع الاستخبارات السورية قد انقلبوا على حلفائهم السابقين في بداية الاضطرابات السورية. من جهة أخرى قد يكون نظام الأسد سمح بتطرف المعارضة إلى درجة ما. وبصرف النظر عن ذلك، سوف يؤدي عنصر الجهاديين إلى تعقيد التسويات المستقبلية حيث سيحاول هؤلاء العناصر الاستفادة من الفوضى الحاصلة في قلب الشرق.
كانت الأحداث في سوريا تسيرها المقاومة الشعبية المسلحة، برغم الدليل الموجود عن تورط القاعدة وبرغم احتجاجات نظام الأسد المتكررة بالعكس ( عدم وجود مقاومة شعبية). وقد أشارت معظم الأدلة على امتداد آذار 2012 إلى أنه في حين قد يكون الإسلام هو الملهم لمتمردي سوريا، فإن هؤلاء ليسوا بالجهاديين المتطرفين. في كل الأحوال، كلما واجه المتمردون المتفوقون السوريون جيشاً مسلحاً جيداً، كلما شعروا بميل أكبر للاصطفاف مع الجهاديين أصحاب الخبرة والتجربة ربما.
أما بما يتعلق بآذار 2012، فإن معظم الدلائل تشير إلى أن المعارضة المسلحة السورية قد حافظت على استقلاليتها عن العناصر الجهادية المتطرفة، لكن وجود القاعدة، حتى بأعداد صغيرة، سيكون هاجساً أمنياً رئيساً بسبب مخاطر انتشارها الهام المتمثل بالانهيار المحتمل للحكومة السورية. ففي 21 شباط أكد عدد من المسؤولين الأمنيين الأميركيين والمحللين الدفاعيين المخاطر التي تشكلها المخزونات الكبيرة من غاز الخردل وغاز الأعصاب الموجودة في سوريا، إلى جانب آلاف الصواريخ المضادة للطائرات التي يمكن إطلاقها من على الكتف. فإذا ما انهار نظام الأسد، فإن الحماية التي تؤمنها القوى الأمنية لمخازن الأسلحة الحساسة والخطيرة هذه سوف تتدهور إلى درجة سيكون من السهل على فريق صغير من الجهاديين يملكون المال الحصول على هذه الأسلحة.

الاستنتاج
قدم وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا شهادته أمام لجنة الخدمات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ في 7 آذار، 2012، حول القضايا التي تقيد الولايات المتحدة وتمنعها من دعم المعارضة المسلحة في سوريا. "من غير الواضح ما الذي يشكل المعارضة المسلحة السورية- لم يكن هناك من إشارة واحدة عن بديل عسكري موحد بالإمكان التعرف عليه أو تعيينه أو الاتصال به"، قال بانيتا. أما الجنرال مارتن ديمبسي ، رئيس هيئة الأركان المشتركة، فقد أشار أيضاً إلى أن أكثر من مئة مجموعة من مجموعات المعارضة المسلحة قد تم تحديدها في سوريا. وشرح عندها بانيتا أنه بسبب عدد المجموعات فسيكون من الصعب إيجاد قائد واحد يوحدها. "لقد واجهنا، إلى حد ما، نفس الوضع الذي واجهناه في ليبيا، وكان أحد أول أوامر العمل لعملية استخباراتية تم ترؤسها هناك هو محاولة الخروج بتصور عن ماهية المعارضة وأين توجد وماذا تفعل وما نوع التنسيق الموجود لديها. وحصلنا هنا على ثلاثة أضعاف المشاكل لأنه كان هناك مجموعات كثيرة ومتنوعة للغاية منخرطة بالعمل على الأرض. وعما إن كان بإمكانهم إيجاد ذلك القائد أم لا، أي عما إن كان بإمكانهم بذل ذلك المجهود في محاولة لجمعهم معاً في مجلس من نوع ما نقول بأن هناك جهوداً تبذل في محاولة جعل ذلك يحدث، لكنها لم تكن ناجحة، بصراحة".
لقد سعى هذا التقرير إلى شرح الطرق التي تكون فيها المعارضة السورية المسلحة قابلة للتعريف والتحديد ومنظمة وقادرة، حتى ولو لم تكن موحدة. فحركات التمرد ليست مركزية بطبيعتها، وينبغي للمتمردين السوريين البقاء بهذا الطريق للاستمرار بتجنب قوات نظام الأسد والاشتباك معها. بالتالي فإن الجيش السوري الحر، ومركز قيادته العامة، إسمياً، في تركيا، يعمل كتنظيم جامع أكثر مما يعمل كسلسلة قيادة عسكرية. قد لا يصدر الجيش السوري الحر أوامر مباشرة للوحدات المقاتلة تحت لوائه، لكن عدداً من أكثر وحدات الميليشيات العاملة في سوريا فعالية كان قد
صرح عن ولائه للحركة وعرَّف عن نفسه كجزء من حركة التمرد الوطنية. فضلاً عن ذلك، إن عدداً من الأسماء، الوجوه، مناطق العمل، ونشاطات قادة حركة التمرد المنتمين لوحدات قتالية فعالة تعتبر متوفرة لدى مصادر مفتوحة. هذه التفاصيل البيوغرافية مشمولة في الفهرس 1 من هذه الورقة . أما مجموعات المعارضة المسلحة فموجودة ضمن قوائم بحسب المحافظة في الفهرس 2.
تحتفظ ثلاثة من أكثر الميليشيات السورية فاعلية في سوريا بارتباطات مباشرة مع الجيش السوري الحر. وقد تم تسليط الضوء عليها هنا بسبب مساهماتها الكبرى في المعارضة ولاتصالاتها مع الجيش السوري الحر. الميليشيا الأولى هي لواء خالد بن الوليد، العامل قرب حمص، وقد شن أول عمل دفاعي مركز له ضد هجوم لقوات النظام في الرستن في أيلول 2011. انسحبت الوحدة من الرستن لتتابع محاربة النظام في جيوب المناطق الحضرية الكثيفة السكان في حمص في تشرين الثاني وكانون أول 2011. وفي آذار 2012، انسحب لواء خالد بن الوليد من حمص والرستن بعدما قامت قوات النظام بفرض حصار غير مقيد دام شهراً كاملاً. مع ذلك، فقد تمكنت قوات المعارضة من الحفاظ على قوتها القتالية للاستمرار بالقتال في أماكن أخرى.
أما الوحدة الثانية الهامة، كتيبة هرموش في المنطقة الجبلية شمال جبل الزاوية، فقد شوشت على حرية الحركة لنظام الأسد على طول خط التواصل الشمالي ـ الجنوبي وبرهنت عن مرونة مفاجئة. فبعد تحدي كتيبة هرموش للنظام من مخبئها الجبلي في خريف 2011، كبدت القوى الأمنية التابعة للأسد مجموعة التمرد هذه خسائر فادحة في نهاية العام. في كل الأحوال، استمر متمردو جبل الزاوية بالقيام بالغارات ونصب الكمائن ضد القوى الأمنية في أوائل العام 2012.
نفذت وحدة فعالة ثالثة، كتيبة العمري في سهل حوران الجنوبي، وعلى الدوام، هجمات ضد القوى الأمنية من تشرين أول 2011 وصولاً إلى أوائل العام 2012، مجبرة النظام على فرض قوة قتالية قوية في محاولة غير ناجحة لإلحاق الهزيمة بمجموعة المتمردين. هذه الهجمات المشوشة أجبرت النظام على القتال على جبهات متعددة في وقت واحد وجعلت قوات الأسد تمتد وتنتشر على نحو هزيل.
وهناك مجموعات تمرد أخرى كبيرة وقادرة لا تحتفظ بعلاقات وثيقة مع مركز قيادة الجيش السوري الحر في تركيا لكنها مع ذلك تشير لنفسها على أنها عضو في الجيش السوري الحر. على سبيل المثال، أصبح المتمردون في الزبداني، التي تبعد 30 كلم فقط عن العاصمة السورية دمشق، أول مجموعة تجبر نظام الأسد على التخلي عن عملية هجومية كبرى، بفرضها التفاوض على القوى الأمنية لوقف إطلاق النار هناك في منتصف كانون الثاني. هذا الانتصار شجع لواء خالد بن الوليد على شن هجوم جديد ضد النقاط القوية للنظام في حمص والرستن. وتدعم المجموعتان بعضهما بعضاً من خلال عمليات مقصودة ومكملة لبعضها بعضاً، حتى ولو لم تكونا تتجاوبان مع نفس القيادة وهيكلية التحكم. وهناك مجموعات أخرى تشير لنفسها على أنها جزء من الجيش السوري الحر لكنها لا تعترف بالعقيد رياض الأسعد كقائد له.
بالرغم من هجوم النظام على حمص في شباط 2012، تظل حركة التمرد قادرة. فالمتمردون الذين انسحبوا من حي بابا عمرو في حمص بداية آذار 2012 قد برهنوا عن انسحاب تكتيكي في تراجعهم للحفاظ على قوتهم القتالية. وقد أدت العمليات التي قام بها النظام في حمص والزبداني إلى سحب وإخراج المتمردين إلى داخل الريف لكنها لم تدمر وحداتهم القتالية. فالمتمردون من الزبداني يعيدون تجميع أنفسهم في الجبال الواقعة ما بين لبنان وسوريا، ويقومون بهجمات هامة، وينسقون مع وحدات قتالية أخرى من حمص ودمشق. كما شجع التصعيد باستخدام القوة من قبل النظام أشخاصاً آخرين على الانضمام إلى المعارضة المسلحة، تحديداً في محافظتيْ إدلب وحماه.
صعَّد نظام الأسد من هجماته ضد المتمردين بعد دفاعهم عن الزبداني ضد هجوم الجيش. ربما كان التحدي مهماً بحد ذاته، ولم يكن بإمكان نظام الأسد السماح للمتمردين بالإمساك بالأرض في مقابل الجيش. لكن الزبداني هامة بشكل حيوي للنظام ولإيران لأن المدينة تعمل كمركز لوجستي لقوات القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني لجهة تزويد حزب الله اللبناني بالإمدادات. وقد جاء هجوم الجيش عقب زيارة قاسم سليماني لدمشق في كانون الثاني وكان الهجوم متناسباً مع مصالح قوات القدس حتى ولو لم يكن موجهاً بواسطة قيادتها .
قد يكون الإرشاد الإيراني ساهم أيضاً في قرار نظام الأسد باستعادة حمص في شباط. ففي أواخر كانون الثاني، ألقى سليماني خطاباً أمام جمهور داخلي قال فيه بأن "التحرك الجماعي في سوريا ليس في المدن وإنما في القرى وهو لا يزال كذلك... لذا فإن بلاء سوريا ليس بلاء يؤدي إلى تدمير الحكومة". لكن الصراع كان قد تصاعد في الواقع في المناطق الحضرية. وقيل بأن سليماني ظهر في دمشق مرة ثانية في أوائل شباط، قبل أيام من تصعيد نظام الأسد باستخدام القوة وشنه حصاراً من دون قيود على البلدات التي في يد المتمردين، فارضاً استسلام الزبداني في منتصف شباط واستسلام حمص في نهاية ذلك الشهر أيضاً. ومن المرجح أن يتابع نظام الأسد استراتيجية القوة غير المتكافئة في محاولة لوضع حد للثورة بأسرع ما يمكن. ويتيح استخدام سلاح المدفعية العشوائي للنظام رفع ثمن الانشقاقات في الوقت الذي يحافظ فيه على قوة مناورة واسعة.
إن مرونة المتمردين ستجعل قدرة التحمل والصمود لدى نظام الأسد مسألة صعبة، لكن الدعم الخارجي لنظامه يجعل التوقعات بسقوطه الوشيك مسألة سابقة لأوانها. ولم يبرهن النظام السوري حتى الآن عن قدرته على القيام بعمليات كبيرة متتالية أو في آن معاً في مناطق حضرية متعددة لقمع التمرد. لكن من الممكن أن يؤدي الدعم التقني والمادي المقدم من إيران وروسيا إلى تمكين النظام من زيادة دوام سيطرته وقدرته على محاربة التمرد في مناطق داخلية متعددة من دون الوصول إلى الذروة. وكما أشار رئيس هيئة الأركان المشتركة ديمبسي، فإن الأسد يحتفظ بعلاقة "مبيعات عسكرية خارجية"مع بلدين، هما إيران وروسيا ضمنياً. وقدم قائد القيادة الوسطى الأميركية شهادته في 6 آذار، 2012، قائلاً بأن إيران كانت ترسل فرقاً من الاستشاريين لتحسين القدرات الاستخبارية وقدرات الرصد والاستطلاع ضد مجموعات التمرد. كما أشار ديمبسي أيضاً إلى أن الإيرانيين كانوا يوفرون السلاح لنظام الأسد لمحاربة المتمردين.
لم تتح "مبيعات الأسلحة الخارجية"لنظام الأسد دعم قدراته ضد المتمردين فحسب، بل خفضت، وبشكل فعال أيضاً، خطر التدخل العسكري المباشر ضد النظام. وبحسب ماتيس، فقد كان الروس يوفرون لنظام الأسد "قدرات دفاع جوي مدمجة ومتطورة جداً ـ صواريخ، رادارات، هذا النوع من الأشياء". وقد مثلت قدرات الدفاع الجوي والمضادة للسفن السورية ردعاً موثوقاً بالنسبة لعمل عسكري من قبل الناتو، ولا تزال خطة الداعمين الروس للأسد لضمان وجود هذا الردع موجودة.
سيكون على المتمردين الاعتماد على خطوط الإمدادات الخارجية لتجديد أسلحتهم وذخائرهم إذا ما أرادوا الاستمرار بجعل سيطرة النظام تتآكل. وبما يتعلق بأوائل العام 2012، كان الدعم الخارجي محدوداً بأسلحة صغيرة مهربة من خلال البلدان المجاورة لسوريا. كما تجدد حركة التمرد نفسها أيضاً من خلال الاستيلاء على إمدادات وتجهيزات النظام، كما حدث في الزبداني.
نظراً للمساعدات الخارجية التي تلقاها النظام، ينبغي للمتمردين أن يجدوا طريقة لضمان الوصول إلى مصادر أسلحة وتكنولوجيا متطورة، كالأسلحة المضادة للدبابات، والاتصالات المشفرة، للتقليل أكثر من قدرات نظام الأسد. إن الاستخدام المستهتر للنظام لسلاح المدفعية والدبابات داخل المدن يطرح الحد الأدنى للقدرات التي تحتاجها المعارضة المسلحة للبقاء والنجاح.
إن بروز خلايا إرهابية مرتبطة بالقاعدة ضد النظام يعقد مشروعية حركة التمرد السورية، التي تقدم نفسها بخلاف ذلك على أنها حركة أهلية. كما تشكل مخاطر بالنسبة للولايات المتحدة وتحدياً لأولئك الداعين لدعم مادي للمعارضة المسلحة. إلا أن جماعات المعارضة المسلحة التي برهنت عن علاقات لها مع مركز قيادة الجيش السوري الحر لديها دوافع علمانية ضمناً، ما يجعل علاقتها بالقاعدة مسألة غير مرجحة في الوقت الحاضر. وقد أشار صحافيون موجودون على الأرض إلى أن المعارضة المسلحة عبارة عن حركة مقاومة شعبية بشكل أساسي. لكن في الوقت الذي تستمر فيه الميليشيات بمواجهة قوة نارية طاغية من قبل النظام فإن احتمال تطرف هذه الميليشيات قد يتزايد. فضلاً عن ذلك، قد يتحول المتمردون المحليون إلى القاعدة للحصول على أسلحة حديثة ومتطورة إضافة إلى تكتيكات مذهلة بما أن التصعيد الذي يمارسه النظام يترك المتمردين من دون قدرة على القيام برد متناسب، كما حدث في العراق في 2005-2006. إن تطوير العلاقات مع قادة المعارضة المسلحة والاعتراف بتنظيمات تمرد محددة قد يساعد على ردع هذه النزعة الخطيرة.
من المحتم على الولايات المتحدة التمييز بين المعارضة السياسية في الاغتراب وبين المعارضة المسلحة ضد نظام الأسد على الأرض في سوريا. إن مسودة القرار المقترحة خلال مؤتمر "أصدقاء سوريا"في شباط في تونس يحوي لغة تعترف بالمجلس الوطني السوري كـ "ممثل شرعي للسوريين"ويعيِّنه بالاسم لتلقي الدعم "العملي"لجماعات المعارضة. إن المجلس الوطني السوري ليس حركة سياسية متجانسة أو متناسقة، كما أنه لا يمثل أية مجموعة معارضة مسلحة ناشطة. ورغم أن المتمردين يعملون مع متظاهرين محليين، فإن قائد الجيش السوري الحر رياض الأسعد لم يعترف بمحاولة المجلس الوطني السوري في أوائل آذار لتأسيس مجلس عسكري. إن تصريحات المجلس الوطني السوري لا تقود ولا تسيّر نشاطات حركة المعارضة المسلحة.
كما أن المتمردين المسلحين لا يشكلون جسماً متجانساً واحداً ـ واقع حقيقي في معظم حركات التمرد. حتى أن مجموع جماعات التمرد المسلحة قد لا يشكل جسماً يمكنه الصمود والثبات كبديل شرعي عن النظام العلوي. إلا أن الثورات تتقدم على مراحل وليس دفعة واحدة، وإن تأجيل اتخاذ قرارات سياسية قبل تضامن المعارضة والتئامها حول حكومة بديلة هو بمثابة الإصرار على نجاح الثورة بالكامل قبل تلقيها أية مساعدة عملية أو عسكرية.
مع تصعيد نظام الأسد في أوائل العام 2012، ربما تكون الأزمة قد وصلت إلى نقطة بات فيها الحديث عن عدم التصعيد وعن تسوية يتم التفاوض عليها أمراً غير ممكن بعد الآن. إن الأهداف الأميركية في سوريا هي تسريع سقوط نظام الأسد؛ احتواء الارتدادات الإقليمية الناتجة عن الصراع الجاري؛ والحصول على النفوذ في الدولة والقوات المسلحة التي ستبرز بعد سقوط الأسد. لذا ينبغي على الولايات المتحدة أن تدرس مسألة تطوير العلاقات مع عناصر حساسة في حركة المعارضة المسلحة السورية لتحقيق أهداف مشتركة، ولمعالجة النتائج والآثار الناجمة إذا ما سقط نظام الأسد أو طال أمد الصراع.

الحلقة الرابعة

الحلقة الثانية

الحلقة الأولى

موقع الخدمات البحثية