أوراق إستراتيجية » التهديد الالكتروني الإيراني


إيلان بيرمان ـ 26 نيسان/ أبريل 2012
هذه المقالة عبارة عن إفادة كان تقدم بها إيلان بيرمان نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركية أمام لجنة مجلس النواب الأميركي للأمن الداخلي و لجنة الأمن الالكتروني وقسم حماية البنى التحتية والتكنولوجيا الأمنية ولجنة مكافحة الإرهاب والاستخبارات.
وهنا نصها:

النائب لاندغرن، النائب ميهان، أعضاء اللجان الموقرين:
شكراً لكم لإتاحتكم الفرصة لي بالظهور أمامكم اليوم لمعالجة قدرات الحرب الالكترونية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتهديد الذي تشكله على أمن الداخل الأميركي.
تعرض النظرة التقليدية إلى أن من المستبعد أن يكون النظام الإيراني، الذي تعتصره العقوبات الأميركية والأوروبية بشكل بالغ الآن والذي يصارع ضائقة اجتماعية- اقتصادية محلية كبيرة، يشكل تهديداً وشيكاً للداخل الأميركي ( حتى ولو كان يمثل فعلاً تحدياً مزعجاً ومحيراً للسياسة الخارجية للولايات المتحدة وحلفائها). مع ذلك، وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، استثمر النظام الإيراني بشدة في القدرات الدفاعية والهجومية في المجال الالكتروني. وبنفس القدر من الأهمية، يظهر الآن، وبشكل متزايد، أن قادة النظام يعتبرون الحرب الالكترونية سبيلاً محتملاً للعمل ضد الولايات المتحدة.

القدرات الإيرانية في السياق الجيوسياسي
بالإمكان إرجاع توسع نطاق الاستغلال الإيراني للمجال الإلكتروني لدافعين جيوسياسيين رئيسيين.
 الأول جهود النظام الإيراني لمكافحة النفوذ الغربي ومنع بروز ' ثورة ناعمة' ضمن حدودها. ففي رسالته للشعب الإيراني في يوم النيروز في آذار 2012، ألمح الرئيس أوباما إلى الجهود المتنامية للنظام الإيراني لعزل شعبه عن العالم الخارجي وذلك عندما أشار إلى أن ' الستارة الالكترونية قد سقطت حول إيران'. وقد ازداد ذلك العائق الرقمي أضعافاً مضاعفة على مدى السنوات الثلاث الماضية، حيث سعت القيادة الإيرانية إلى قمع  الانشقاق المحلي والحد من قدرة معارضيها على التنظيم.
كان السبب المباشر لهذا المجهود هو العملية الاحتيالية لإعادة انتخاب أحمدي نجاد في حزيران 2009 لمنصب الرئاسة الإيرانية، الأمر الذي بلور موجة من المعارضة المحلية أصبحت معروفة شعبياً بـ ' الثورة الخضراء'. وفي الأشهر التي تلت، اعتمد عناصر المعارضة الإيرانية المختلفون، وبشكل مكثف، على الانترنت ووسائل شبكة التواصل الاجتماعي لتنظيم جهودهم وإيصال رسائلهم إلى العالم الخارجي وحشد الرأي العام إلى جانبهم. بالمقابل، استفاد النظام الإيراني من المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات بشكل مكثف في قمعه للتظاهرات ـ واستثمر بعد ذلك بشدة في قدرات هدفت للسيطرة على الإنترنت وتقييد قدرة الإيرانيين على الدخول إلى الشبكة الالكترونية العالمية.
وقد تعزز هذا التركيز فحسب بسبب الحمى الثورية التي سادت مؤخراً على امتداد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فلفترة وجيزة، سعت السلطات الإيرانية إلى وصف ما يسمى بـ ' الربيع العربي' بأنه بداية صحوة إسلامية وتأكيد للنظرة العالمية للنظام الإيراني، فالمشاعر المتفشية المعادية للنظام  في المنطقة تمثل في الواقع تهديداً قاتلاً لنظامهم الفاسد غير التمثيلي. نتيجة لذلك، شهد العام الماضي تسريعاً لحملة النظام الطويلة ضد ' النفوذ الغربي' داخل الجمهورية الإسلامية. وتتضمن هذه الجهود الأمور التالية':

&bascii117ll; انشاء إنترنت وطني جديد ' حلال'. هذا ' الإنترنت الثاني'، سيقطع، وبشكل فعال، اتصال إيران بالشبكة الالكترونية العالمية عن طريق توجيه مستخدمي الشبكة للحصول على موافقة مسبقة، ومن المتوقع أن تعود المواقع الإيرانية الأصلية إلى الظهور على الإنترنت في أواخر صيف 2012.
&bascii117ll; تركيب منظومة إشراف ومراقبة معقدة صينية الصنع لمراقبة الهواتف الأرضية والمحمولة ووسائل الاتصالات على الانترنت.
&bascii117ll; إقرار تمرير' إرشادات توجيهية' حكومية جديدة مقيدة تجبر المقاهي على تسجيل المعلومات الشخصية للزبائن ـ بما فيها معلومات حيوية كالأسماء، أرقام الهوية الوطنية، وأرقام الهواتف ـ إضافة إلى تثبيت كاميرات الدائرة المغلقة للاحتفاظ بسجلات فيديو لكل الزبائن الداخلين إلى شبكة الانترنت العالمية.
&bascii117ll; تحرك باتجاه تشكيل وكالة حكومية جديدة لمراقبة المجال الالكتروني. وما إن تصبح الوكالة موضع تشغيل فستكون مهمة هذا ' المجلس الأعلى للمجال الالكتروني'، الذي سيرأسه كبار المسؤولين في أجهزة الاستخبارات الإيرانية والحرس الثوري الإيراني، مراقبة  'دائمة وشاملة لكل المجال الالكتروني المحلي والدولي،' وسيكون قادراً على إصدار مراسيم وقرارات تتعلق بالانترنت لها كامل القوة القانونية .
أما الدافع الجيوسياسي الثاني لاهتمام إيران في المجال الالكتروني فيتصل بتوسع الصراع مع الغرب حول طموحاتها النووية. فمنذ خريف 2009، تعاني إيران من سلسلة هجمات الكترونية دائمة على برنامجها النووي. أما أكثر الهجمات المعروفة فهو فيروس ' ستاكسنت'، دودة الحاسوب الخبيثة التي هاجمت منظومات التحكم الصناعية في عدد من المنشآت النووية الإيرانية، بما فيه موقع تخصيب اليورانيوم في ناتانز، ما بين أواخر العام 2009 وأواخر العام 2010. وفي ذروة فعاليته، يُقدَّر أن يكون فيروس 'ستاكسنت' قد طال 10 بالمئة أو أكثر من أصل 9000 طرد مركزي شغال آنذاك وجعلها خارج الخدمة.
وقد أتبع فيروس ' ستاكسنت' هجومان اليكترونيان آخران على الأقل هدفا إلى عرقلة تطور إيران النووي. ولم يكشف النظام الإيراني في نيسان 2011 عن فيروس 'ستارز'، وهو برنامج نصي الكتروني يستهدف الملفات التنفيذية. لاحقاً، تم الكشف عن فيروس 'دوكو' (Dascii117qascii117) في تشرين أول/ تشرين الثاني 2011، وهو من البرمجيات الخبيثة المشابهة  لـ  'ستاكسنت' الذي يستهدف الحصول على قدرة الوصول عن بعد إلى المنظومات النووية الإيرانية.
علناً، لا يزال أصل هذه الاختراقات سؤالاً مفتوحاً. فقد نفت إسرائيل بحزم أي دور لها في إيجاد ' ستاكسنت' أو بأي هجوم الكتروني آخر، برغم التكهنات الواسعة المعاكسة. كما ظلت الولايات المتحدة صامتة حيال الموضوع، رغم الشكوك بأن الـ CIA قد لعبت دوراً ما، على الأقل، في تجميع ونشر فيروس ' ستاكسنت' ( وربما برمجيات خبيثة أخرى أيضاً).
في كل الأحوال، وبالنسبة للنظام الإيراني، الاستنتاج واضح. فالحرب مع الغرب، على الجبهة الالكترونية على الأقل، قد تضافرت، والنظام الإيراني يتحرك رداً على ذلك. فبحسب ما أفادت التقارير، أطلق النظام الإيراني في الأشهر الأخيرة برنامجاً حكومياً طموحاً بقيمة مليار دولار لدعم القدرات الالكترونية الوطنية – مجهود  يشتمل على اكتساب قدرات تكنولوجية جديدة، استثمارات في الدفاع الالكتروني، وخلق كادر جديد من الخبراء الالكترونيين. كما فعَّل النظام  'جيشاً الكترونياً' من الناشطين الذين نفذوا، برغم استقلاليتهم الإسمية، سلسلة هجمات على مواقع وكيانات لصالح النظام الإيراني، بما في ذلك  موقع تويتر على شبكة التواصل الاجتماعي، ومحرك البحث الصيني Baidascii117، والمواقع الالكترونية لإصلاحيين إيرانيين.

الحرب الالكترونية والاستراتيجية الإيرانية
 في شهادته أمام لجنة مختارة من النواب حول الاستخبارات في كانون الثاني الماضي، ألمح الجنرال جايمس كلابر، مدير الاستخبارات الوطنية، إلى وجود ما يمكن وصفه بتحول في الاستراتيجية الإيرانية. فرداً على العقوبات الاقتصادية المتنامية والضغط المتراكم من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، أشار الجنرال قائلاً، ' لقد غيَّر المسؤولون الإيرانيون حساباتهم ـ بمن فيهم القائد الأعلى علي الخامنئي ربما ـ وهم الآن مستعدون للقيام بهجوم في الولايات المتحدة'.
وكان الجنرال كلابر يشير، بصورة مباشرة جداً، إلى مؤامرة الحرس الثوري الإيراني لاغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة في واشنطن والتي أحبطت في تشرين أول 2011. لكن، وفي الوقت الذي لا تزال الأزمة الدولية حول طموحات إيران النووية تتعمق أكثر، فينبغي أن تكون القدرات الالكترونية مسألة هامة مقلقة أيضاً. إذ حذر الخبراء من أنه إذا ما رسا الموقف حول البرنامج النووي الإيراني على صراع عسكري، فإن إيران ' قد تحاول الانتقام عن طريق مهاجمة البنى التحتية الأميركية كشبكات الكهرباء، القطارات، الخطوط الجوية، والمصافي البترولية'.
يبدو أن النظام الإيراني يفكر  بمسار عمل لا متماثل كهذا تماماً. ففي أواخر حزيران 2011، على سبيل المثال، أصدرت 'كيهان'، الصحيفة المتشددة التابعة للحرس الثوري الإيراني، تحذيراً مبطناً للولايات المتحدة عندما كتبت في إحدى افتتاحياتها أن أميركا، التي كانت تعتبر مرة أن الحرب الالكترونية ' قدرات حصرية' بها، قد أساءت، بشدة، تقدير مرونة الجمهورية الإسلامية. فالولايات المتحدة، بحسب ما عرضت الصحيفة، ينبغي أن تقلق الآن من ' لاعب مجهول في مكان ما في العالم' يهاجم ' قسماً من بنيتها التحتية الحساسة'.
تماشياً مع هذا التحذير، أشار خبراء في البنية التحتية في الولايات المتحدة في العام الماضي إلى أن ' لغو إيران يتزايد، وأن الاستهداف أصبح أكثر صراحة وأكثر تعميماً وعلناً'. بمعنى آخر، إن الجمهورية الإسلامية بدأت، وعلى نحو متزايد، بالتفكير بجدية بالحرب الالكترونية كسبيل محتمل للعمل ضد الغرب.
إيران لديها قدرات هامة وبارزة في هذا المجال. ففي تقييم 2008 لـ Dfense Tech حدد هذا المعهد السياسي الجمهورية الإسلامية كإحدى 5 دول ذات إمكانات بارزة تملكها دولة قومية في مجال الحرب الكترونية. وبشكل مماثل، وفي كتابه ' الحرب الالكترونية' ( Cyber War) الصادر عام 2008، يضع ريتشارد كلارك، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي، إيران في الصف مباشرة خلف جمهورية الصين الشعبية بما يتعلق بإمكاناتها بخصوص ' الهجمات الالكترونية'. فضلاً عن ذلك، فإن هذه القدرات تتزايد وتنمو. وفي شهادته في كانون الثاني 2012، ألمح الجنرال كلابر إلى واقع يقول إن القدرات الالكترونية لإيران قد ' زادت عمقاً وتعقيداً بشكل كبير في السنوات الأخيرة'.

التحضير لحرب الكترونية مع إيران
أين تقف الولايات المتحدة بما يتعلق بالرد؟ لقد جعلت إدارة أوباما من الأمن الالكتروني مجالاً سياسياً رئيساً تركز عليه منذ استلامها المنصب في العام 2009، وقد شهد العام الماضي، تحديدا،ً تزايداً كبيراً في الوعي الحكومي للمجال الالكتروني كمجال جديد للصراع. لكن هذا الاهتمام يبقى متفاوتاً، بسبب تركيزه، بشكل كبير، على المرونة وحماية الشبكة ( تحديداً في المجال العسكري)،  وعلى القدرات الخطيرة لجمهورية الصين الشعبية وروسيا الفيدرالية، إلى حد ما أقل. لقد كان الوعي المؤسساتي الجدي، والرد على إمكانات الحرب الالكترونية المحتملة لإيران متخلفاً عن الركب في بعض الأحيان.
 بالواقع، تكشف المحادثات الشخصية مع صف من الخبراء داخل الحكومة وخارجها عن افتقار مقلق للوضوح حول التهديد الالكتروني الإيراني – وعن غياب التخطيط الجدي لمكافحته. ففي حين بدأت بعض أجزاء الدوائر البيروقراطية الفيدرالية ( ' القيادة الاستراتيجية الأميركية' و' دائرة منع الانتشار النووي' التابعة لوزارة الخارجية تحديداً ) بالاهتمام بمكامن الخطر الإيراني في المجال الالكتروني، لكن لا يوجد حتى الآن شخص أو مكتب مكلف بمهمة معالجة خطر الحرب الالكترونية الإيرانية بشكل شامل. بمعنى آخر إن الحكومة الأميركية لم تبدأ بعد الاستعداد لحرب الكترونية مع إيران.
ينبغي للحكومة أن تستعد لذلك. فبعد كل شيء، من الوارد أن يحاول النظام الإيراني القيام بهجوم الكتروني غير مبرر على الولايات المتحدة. وكما تشير مؤامرة تشرين أول 2011 ضد السفير السعودي في أميركا التي أحبطت، فإن إيران أصبحت أكثر جرأة في سياستها الخارجية، ولا يمكن الاعتماد بعد الآن على امتناعها عن القيام بعمل مباشر في الداخل الأميركي أو ضد الولايات المتحدة. في كل الأحوال، من الأرجح جداً أن يكون الهجوم حرباً الكترونية ذات صلة ببرنامج إيران النووي. أما في الأشهر المقبلة، فهناك سلسلة من السيناريوهات - بدءاً من المأزق الديبلوماسي المتجدد إلى تعزيز العقوبات الاقتصادية أكثر وصولاً إلى استخدام القوة العسكرية ضد مواقع إيران النووية – التي تحمل في طياتها إمكانية إثارة رد انتقامي لا متماثل من قبل النظام الإيراني يستهدف بنى تحتية أميركية حيوية  ذات تأثيرات مدمرة محتملة.
فعلى أقل تقدير، من الواضح أن صناع السياسة في إيران يفكرون بشكل فعال باحتمال كهذا. إن الحكمة والتعقل يمليان وجوب قيام نظرائهم في واشنطن بذلك أيضاً.

موقع الخدمات البحثية