أوراق إستراتيجية » لبننة سوريا: تقرير حول الجهات الفاعلة في الأزمة السورية

(Centre International de Recherches et duEtudes Sut Le Terrorisme & LuAide aux Vctimes du Terrorisme - ( CIRET-AVT
باريس ـ كانون الثاني/ يناير 2012

شكر
يشكر المؤلفون المواطنين السوريين الذين قبلوا اللقاء بنا والإجابة عن أسئلتنا، إضافة إلى الموظفين الديبلوماسيين العرب والأوروبيين، رؤساء الوكالات الاستخبارية، أعضاء المنظمات الإنسانية وصحافيين من الصحافة الدولية كنا قد أجرينا مقابلات معهم.

ملاحظات تمهيدية
بتنظيم وحث من المركز الفرنسي للأبحاث الاستخبارية- CF2R ( Centre Francais de Recherche sur le Renseignment ) والمركز الدولي للأبحاث والدراسات حول الإرهاب ومساعدة ضحايا الإرهاب ـ CIRET-AVT ( Centre internationalde recherché et duetudes sur le terrorismee et duaide aux victims du terrorisme)، سافر وفد دولي من الخبراء إلى سوريا من 3 إلى 10 كانون الأول لتقييم الوضع هناك بشكل مستقل ونزيه ومقابلة الفاعلين في هذه الأزمة الممتدة منذ تسعة أشهر. وأنهى الوفد مهمته التقييمية بلقاءات مع مختلف الممثلين للمعارضة السورية في الخارج، إضافة إلى هيئة من الخبراء بشؤون الشرق الأوسط من أوروبا.
وهنا الجزء الثاني من التقرير:

الوضع الداخلي ونهاية كانون أول 2011
فشلت الجماعات المسلحة، في تسعة شهور، في توجيه ضربة حاسمة على الأرض. فمنذ بدء التمرد، هناك ثلاث بلدات حدودية تشكل مناطق يمكن تصنيفها بأنها مناطق " حرب أهلية"، مما يؤلب القوى النظامية ضد الجماعات المسلحة التي لا يزال على تلك القوى أن تحددها بوضوح. وحتى كانون أول 2011، كانت هذه المناطق الساخنة محاطة بالجيش السوري، وليس هناك انطباع بأن البلد بكامله في حالة حرب. وعلى عكس الصورة المنقولة من قبل الشبكات الإعلامية الدولية، يبدو الوضع الداخلي في البلد هادئاً نسبياً.
خلال زيارتنا إلى حماه ( بلدة شهداء الحملة الدموية عام 1982)، يوم الأربعاء 7 كانون الأول، لم نر أية نقاط تفتيشعلى الطريق، ولم يكن هناك دبابات متمركزة على طريق دمشق/ حمص/ حماه السريع الاستراتيجي. لم نمر سوى بقافلة عسكرية واحدة فقط. ولاحظنا وجود بضع آليات عسكرية من نوع BMP 3s ( آلية عسكرية قتالية روسية للمشاة) على المدخل الجنوبي لحماه، ودبابة حربية واقفة من نوع T 62 الروسية، وعدد من نقاط التفتيش الطيارة بدءاً من حمص ( أكياس رمل، سدود ترابية) ، لكن ليس أكثر من ذلك. لم نر أيه إشارة تدل على وجود قتال، لا أثر لنيران المدفعية على المباني في المدينة.
أما في البلدة، فلم نشهد أية إشارة لانتشار عسكري وكان ضباط الشرطة في حركة مرورهم أثناء الخدمة غير مسلحين. ومن ملاحظاتنا التي أخذناها، كانت كل الدكاكين، والمحلات والمدارس مفتوحة. لم نلاحظ وجود أي توتر أو إشارات واقعية لعدم الأمان.
تنقلنا في البلدة برفقة فريقيْن تلفزيونيّين وطنييْن وخمسة من ضباط الشرطة المحليين. لم يهرب السكان المحليون وتجمع البعض حول الكاميرات عندما طرحنا عليهم أسئلة بينما كان مرافقونا يبحثون حولهم.
يبدو النظام الأمني في مدينتي حماه ودمشق متيناً.. فما إن يتجمع حشد ما، حتى يتدخل عملاء المخابرات بزيهم المدني فوراً، مستخدمين آليات لا تحمل علامات ( باصات وسيارات). هم موجودون على امتداد العاصمة، بثياب مدنية إنما يمكن تحديدهم بسهولة من قبل الناس.
أما في دمشق، فالجنود يحرسون ستاد الساحة العباسية، حيث إن هذا المكان يعتبر مكان تجمع تقليدياً، لكنه يشكل أيضاً " خطاً فاصلاً" بين وسط البلد في دمشق والضواحي المتصلة، ما يعني مناطق الضواحي الموجودة في شمال شرق وجنوب شرق العاصمة. وبسبب قربه من وسط العاصمة، فإن القوى الأمنية مسؤولة عن مراقبة نقاط الدخول الرئيسة للعاصمة.
بشكل عام، إن الناس المحليين متعبين بسبب الأشهر التسعة الأخيرة من الصدامات، وعدم الأمن، والعنف. إن قسماً كبيراً من سكان المنطقة، الذين التقيناهم في شوارع دمشق وحماه، لا يرغبون إلا بعودة السلم والحالة الطبيعية للبلاد. " طالما أن الأمة السورية، المعتزة بكونها أمة واحدة، موحدة، وطالما أن وحدات الجيش التنفيذية غير منشقة، فلن يحدث شيء"، يقول عمر أوسي، رئيس المبادرة الوطنية للأكراد السوريين، معلقاً.
يقول أوسي إن مستوى التعبئة قد انحدر وانخفض مستوى التظاهرات أيضاً. " إذا ما تراجعت القبضة الخانقة للمجتمع الدولي فإن اتلظاهرات في الشوارع سوف تنحدر ويكون بالإمكان البدء بعملية سياسية. لن يأخذ النظام أي قرار كبير تحت ضغط الشارع وضغط المجتمع الدولي، قوتان مرتبطتان ببعضهما بعضاً بقدر الشعور بالقلق على مستقبل سوريا. وترفض سوريا الخطة الإسرائيلية ـ الأميركية للشرق الأوسط"، يقول أوسي.

معارضة محبطة
تتألف المعارضة السورية من ثلاث مجموعات متمايزة:
• معارضة وطنية داخلية قديمة، معارضة لأي نوع من التدخل الأجنبي، لكنها معارضة أيضاً لإجراء محادثات مع الحكومة. هم يطالبون برحيل الحكومة: "لجان التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي".
• جماعات المعارضة المحلية تفضل إجراء محادثات مع الحكومة لتجنب الفوضى وذلك عبر خارطة طريق يتم التفاوض حولها للخروج من الأزمة.
• معارضة خارجية بدعم من الخارج تسعى لتدخل عسكري: " المجلس الوطني السوري".

لجان التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي
وتدعى أيضاً " الهيئة" أو " التنسيقيات"، وهي مظلة لمجموعة تشمل 11 حزباً عربياً، وكردياً وسورياً وشخصيات وطنية مستقلة. ومن بين العشرين عضواً في لجنة التنسيق هناك خمسة منهم علويون.
هذه المجموعة المعارضة هي المجموعة الشرعية والأكثر مصداقية لدى النظام. فقد أمضى كل مدراء هذه المعارضة زمناً في زنزانات السجون السورية بسبب روايات حول اشتباكهم مع النظام وانتقاده. لكن لجان التنسيق الوطنية ممزقة بسبب التنافس بين أعضائها. ونظراً لتجربتها الماضية مع النظام، يسعى عدد من قادتها للثأر الشخصي منه. لقد رفضت الحكومة المركزية المحادثات مع لجنة التنسيق، ونتيجة لذلك فإن لجنة التنسيق الوطنية ترفض بدورها التفاوض مع الحكومة. تعتقد اللجنة الآن بأن النظام قد يسقط وهي تدعو بشار الأسد للرحيل. لذا، فإن لجنة التنسيقيات مسؤولة، جزئياً، عن المأزق الحالي. ورغم إدعائها بأن لديها خارطة طريق لحل الأزمة، فإنها لم تقدم بعد برنامجاً بديلاً موثوقاً.
تفتقر التنسيقيات لاتصالات فعالة، كالحكومة المركزية نفسها، مع وجود اتصالات لها خرقاء غالب الأحيان. فمع التفافها على نفسها، من دون وجود اتصالات دولية حقيقية، لا تزال لجنة التنسيق الوطنية غير معروفة كثيراً في الخارج، رغم أنها تشكل حركة المعارضة الأهم، والأقدم والأكثر شرعية. ومؤخراً فقط بدأ السفراء الأجانب الموجودون في دمشق بإظهار الاهتمام باللجنة.
وفي حين تقف لجنة التنسيق الوطنية ضد تدويل الأزمة السورية والتدخل الخارجي ( الأمر الذي يعتقد قادتها بأنه لن يحصل)، فإنها دعت لحماية السكان المدنيين من خلال وساطة الإعلام ، والمنظمات غير الحكومية، ومراقبين من المجتمع الدولي.
يعترف لؤي حسين بأن المعارضة المحلية لا تملك حالياً الموارد البشرية لضمان استلام السلطة من النظام الحالي. هذا هو السبب الذي دعا اللجنة لأن توصي بفترة انتقالية، وذلك لتقديم الإصلاحات المؤسساتية.
كما تطلب اللجنة من الحكومة التفويض للقيام بتظاهرات سلمية لإعادة تعبئة النخب في البلد. " ليس لدينا موارد بشرية كافية، اليوم، لتنظيم حكومة بديلة، حتى ولو كنا سندخل في ترتيب تقاسم السلطة"، هذا ما قاله لنا مدير آخر في لجنة التنسيق الوطنية لم يرغب بذكر اسمه. وتسعى التنسيقيات حالياً إلى تحرير مناصريها من السجن وترغب، كألوية، بالحصول على الحق بالقيام بتظاهرات سلمية.

معارضة محلية تفضل الحوار مع الحكومة
هذا المكون من مكونات المعارضة هو الأصغر من بين الثلاثة. فهو يجمع الحزب القومي السوري، المبادرة الكردية، الاتحاد الشيوعي السوري، وجمعيات مختلفة من الجمعيات النسائية والشبابية، وعشائر معينة وقسماً من الطبقة الوسطى.
إنها معارضة سلمية ومعارضة لأي تدخل خارجي. لقد أدانت المعارضة " الخارجية" الموجودة بأيدي الإخوان المسلمين. وهي حالياً في خضم محادثات مع النظام وتحاول إقناع لجنة التنسيق الوطنية بالانضمام إلى طاولة المفاوضات. فمن وجهة نظرها، تعتبر هذه المعارضة أن عدداً من قادة اللجنة هم بصدد الانتقام الشخصي مما يعيق أي أمل بالتقدم.
يمثل الأكراد ( 3 مليون من تعداد سكان سوريا البالغ 23 مليون نسمة) جزءاً هاماً من هذه "المعارضة المعتدلة". لقد كانوا مهمشين في البلد ومقموعين في عدد من القطاعات الناشطة من قبل حزب البعث زمناً طويلاً. فقد اعتبر 160000 من الأكراد بمثابة " أجانب". ورغم أنهم كانوا ملزمين بتنفيذ خدمتهم العسكرية، فإنه لم يكن لديهم حق التصويت. وكان 75000 كردي آخر عاجزين عن الحصول على إذن إقامة. وفي منتصف التسعينات، وقعت سوريا اتفاقيات مع تركيا لمحاربة الانفصاليين الأكراد، حزب العمال الكردستاني.
في البداية، كانوا في الشوارع، عندما كانت المطالب تبدو مشروعة. فالأكثرية الساحقة من الأكراد تطالب بالإصلاح، والحريات المدنية والسياسية والتمهيد لنظام ديمقراطي. في كل الأحوال، هم يعتقدون بأن التطرف المسلح للتمرد بدأ يصبح خطيراً جداً وبأنه يعرض، بالنتيجة، مستقبل مجتمعهم في سوريا وبقية الشرق الأوسط للخطر.
علاوة على ذلك، تم التصويت مؤخراً على عدد من الإصلاحات لصالحهم، بما في ذلك التجنيس. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يُعترف بها بالأكراد رسمياً كحزب، عندما اجتمعوا مؤخراً مع الحكومة لإجراء محادثات. لقد شاركوا في إضافة قوانين تشريعية معينة. وقد حاول الغرب فصل الأكراد عن النظام في أوائل شباط 2011، لكن هؤلاء لم يفسحوا المجال بذلك حيث إن المشاعر الوطنية السورية تظل قوية جداً في أوساط أكراد سوريا.
يدعم معظم الأكراد بشار الأسد وهم معارضون لأي تدخل أجنبي. فمن وجهة نظرهم، يعتبر البديل الإسلامي المتمثل بالإخوان المسلمين أسوأ حل ممكن. إنهم يرفضون الحوار مع المجلس الوطني السوري الذي يتضمن عدداً من الأكراد، لكن هؤلاء الأعضاء الأكراد يعتبرون خونة حيث إنهم قبلوا الجلوس وإجراء محادثات عقدت في أنقرة.

المجلس الوطني السوري
يهيمن الإخوان المسلمون، إلى حد كبير، على المجلس الوطني السوري، رغم أنهم يضعون في الواجهة عدداً من الأكاديميين، والباحثين، وأساتذة الجامعات الناطقين بالفرنسية الذين تمولهم مؤسسة فورد ومنظمات أميركية أخرى، إضافة إلى الممولين القطريين. يسعى هذا المجلس إلى تكرار التكتيك المتبع من قبل المجلس الانتقالي الوطني الليبي، لكنه يفتقر إلى موطئ قدم حقيقي له في سوريا. وتدين المعارضة المحلية المجلس الوطني السوري بانتظام وهي لا تمنحه أية شرعية من أي نوع على الإطلاق.
لم يكن هناك حركة تمثل الإسلام السياسي داخل سوريا، رسمياً، منذ العام 1982 ( مجزرة حماه). فالإخوان المسلمون موجودون بغالبيتهم خارج سوريا – في ألمانيا، وبروكسل وواشنطن- ولم يحتفظوا إلا بشبكات قليلة نائمة في البلد. في كل الأحوال، لقد نجحوا في تأسيس شبكات دعم مختلفة عبر جمعيات واجهة مع نظرائهم في جماعات سلفية مختلفة.
منذ بداية الأحداث، وبمساعدة الإخوان المسلمين الأردنيين، تمكن المجلس الوطني السوري من جعل بعض الأعضاء يتسللون إلى داخل البلد. قد يبدو بأنه يحظى بدعم بعض لجان التنسيق المحلية. إلا أن مسيرات التظاهر المنظمة من قبل متشددين سلفيين أبعدتهم عن المعارضة المحلية. فالشارع ليس مسيساً جداً وبذلك فإنه يوظف شعارات المجلس الوطني السوري لأن ليس لديه شيء آخر يوظفه، لكنه لا يفهم دائماً وبالكامل مضامين تلك الدعوات الالتفافية. إن المجلس الوطني السوري مسؤول، جزئياً، عن حالات الوفاة التي حصلت إبان التظاهرات لأنه أقنع الشارع بأنه ستتم الإطاحة بالنظام في غضون إسبوعين، وبالتالي دفع الشارع إلى التطرف. أما الإخوان المسلمون فلديهم تقليد بجعل الناس ينزلون بمسيرات إلى الشارع، لكن منظمي هذه المسيرات يتأكدون من بقائهم بعيداً عن الخطوط الأمامية، ومن ثم يتظاهرون بأن لا يد لهم أو تأثير في العنف الحاصل الذي هم أنفسهم ساعدوا في التحريض عليه.
يزعم المجلس الوطني السوري أيضاً وجود علاقات له مع الجماعات المسلحة التابعة للجيش السوري الحر، المدعوم من السعودية وميليشيا رفيق الحريري اللبنانية، تحت بصر تركيا وتساهلها. تقليدياً، يدفع الإخوان المسلمون بالجهاديين إلى المشهد لنشر الرعب لجعل أنفسهم أكثر قبولاً. ويكافح المجلس الوطني السوري ليعطي الانطباع عن بلد غارق في حمام من الدم للترويج لخيار تدخل خارجي على النمط الليبي. ويعتقد الإخوان المسلمون والمجلس الوطني بأن هذا السيناريو فقط هو الذي سيأتي بهم إلى السلطة.
وبحسب ما قال أحد قادتهم، إذا ما وصل المجلس الوطني السوري إلى السلطة، فإن سوريا سوف تقطع علاقاتها فوراً مع حزب الله، وحماس وإيران وستجري محادثات سلام مع إسرائيل. هذا الموقف صدم كثيراً من السوريين الذين يشيرون الآن إلى المجلس الوطني السوري باستخدام مصطلح تحقيري: " مجلس اسطنبول"، ويزعم الممثلون الأكراد في لجان التنسيق السورية بأنهم لن يعملوا أبداً تحت شعار المجلس الوطني السوري، الذي يعتبرونه منظمة بإدارة أنقرة.
تشير أسما كفتارو إلى أن المجلس الوطني السوري غالباً ما ينشئ تحالفات غير طبيعية. وهي تعتقد بأن هذه المنظمة لن تشكل أبداً بديلاً بالنسبة لسوريا، " لأن قادتها لهم روابط وثيقة جداً بدول الخليج والولايات المتحدة".

جماعات المعارضة منقسمة حول الاستراتيجية التي سيتم تبنيها
ليس لدى المجلس الوطني السوري موطئ قدم وتأثير كبير في سوريا، كما ليس لديه سوى قلة من المتشددين، ولا يملك قاعدة قوة داخلية وهو مدعوم وممول من قبل قطر والسعودية وقوى غربية بالإضافة إلى دعم شبكات هؤلاء الإعلامية. إن الهدف الرئيس لهذا الدعم هو شرعنة تدخل غربي ما في سوريا، وهو أمر يدعو إليه المجلس الوطني السوري.
على الجانب الآخر من المعادلة، لجان التنسيق السورية معزولة ومن دون تمويل. أما الأسوأ من ذلك فهو أنها مهملة من قبل الأجانب، رغم أنها تمثل الهيئة الشرعية، ومن دون مساهمة هذه اللجان فلن يكون هناك من بديل ممكن لها. وهي، قبل كل شيء، معارضة لأي تدخل أجنبي.
أما بالنسبة لتيارَي المعارضة المحلية، فإن الحل للأزمة ينبغي أن يكون حلاً سورياً صرفاً يأتي من داخل البلد وليس من خارجه. ويأمل بعض ممثلي هذين التيارين المعارضين بأن تكون التسوية والمصالحة بين النظام والمعارضة ممكنة للتخطيط لفترة انتقالية تقود إلى انتخابات حرة ونزيهة. أما في هذه اللحظة، فالطريق إلى المحادثات لا يزال مسدوداً.
لهذه الأسباب، يبدو الاتفاق بين لجان التنسيق والمجلس الوطني أمراً بعيد المنال. كان هناك محاولة لإيجاد واجهة تنسيق في القاهرة، لكن ممثل اللجان التنسيقية، ميشال كيلو، تعرض لسوء معاملة وقحة. في كل الأحوال، وبالنسبة لحسن عبد العظيم – المنسق الرئيس للجان التنسيق السورية- كان هناك مبالغة في أوساط المعارضة بشأن الانقسامات. وتتقاسم المعارضة أولوية مشتركة: سقوط النظام والتمهيد لعملية ديمقراطية. ويعتقد عبد العظيم بأن هناك تناقضات قد برزت داخل المجلس الوطني السوري يمكن أن تؤدي إلى تقارب بين أعضاء معينين وبين اللجان التنسيقية. " لكن المشكلة هي أن تركيا تمنعهم من تأسيس هكذا علاقات وتريد تركيا مناطق عازلة منزوعة السلاح على طول حدودها". هذا الرأي ليس رأياً مشتركاً لدى كل قادة المعارضة المحلية الذين أجرينا مقابلات معهم.
يعتقد حسين العودة بأنه إذا ما نجحت المعارضة في التوحد، إن الحل قد يكون ممكناً بدعم الشعب: إضراب عام، اعتصامات موحدة، عصيان مدني عام، الخ. ويعتقد فايز سارة بأن على الأمم المتحدة والجامعة العربية إيجاد ترتيب مشترك لتدخل دولي محدود لكن سلمي.
ويعتقد حسن عبد العظيم بأنه لا يمكن أن يكون هناك تدخل عسكري. كما أنه لا يؤمن بوجود خطر حرب أهلية " لأن الشعب السوري غير مؤهل لها. لكن سيكون هناك حرب أهلية إذا كان هناك تدخل خارجي".
أما رئيس " مبادرة الأكراد السوريين"، عمر أوسي، فلا يؤمن هو الآخر بوجود تدخل خارجي، "لأنه كان ليحصل من قبل. إن هكذا تدخل سيشعل حرباً تلهب كامل المنطقة وتخلق توترات دولية ضخمة حول إيران، مع روسيا والصين تحديداً". إنه مقتنع بأن الغرب قد سحب مسألة التدخل العسكري عن الطاولة وهو يسعى الآن لتقويض النظام لتطويق إيران، بصفتها هدفهم النهائي. وتبقى دينامية القضية الإيرانية وتطورها مفتاح الأزمة السورية.

نظام تطغى عليه الأحداث؟
اعتقدت سوريا بأنها معزولة عن الصدامات التي بدأت تعكر صفو العالم العربي بداية كانون الثاني 2011. ورغم أنه كان هناك إنذارات بعدد من التقارير الصادرة عن أجهزة إستخباراته، فقد كان النظام غير جاهز كلياً وأعطى الانطباع بأن الأحداث تطغى عليه. " لقد فضل النظام دفن رأسه في الرمال، رافضاً أية محاولة للحوار". أدلى بهذه الملاحظة حسن عبد العظيم، المنسق الرئيس للمعارضة المحلية، لجان التنسيق المحلية السورية. أما بالنسبة لكانون الثاني 2011، فإنه قام، شخصياً، بلفت انتباه النظام إلى الأحداث في تونس ونتائجها في مصر وفي بلدان أخرى في العالمين العربي والإسلامي، لكنهم ردوا بأن ذلك من عمل مؤامرة صهيونية- أميركية. أما بما يتخطى هذه المقاربة العمياء المقصودة للأحداث، فقد كانت السياسة الأمنية المتشددة للنظام هي التي قادت إلى تطرف التحرك".

مسؤوليات النظام
النظام أعمى. يعتقد أكثرية أعضاء اللجان التنسيقية الذين قابلناهم بأن النظام، وببساطة، لا يرغب بمواجهة التطرف، والمخاطر، وأثر العقوبات الاقتصادية، والأزمة، والصعوبات اليومية التي تعترض الإنسان العادي في الشارع. كلهم يستنكرون الهبوط الجذري في السياحة، والتجارة وتوقف الحياة الاقتصادية للبلد. " النظام في حالة إنكار لتأثير العقوبات على البلد بعناد لافت"، علّق عبد العظيم الذي يعتقد بأن " الحكومة، بكسلها وتراخيها وعقليتها الجامدة بما يتعلق بالوضع، تفتح الباب أمام التدخل الخارجي".
" هذا الوضع يريح ويشجع ويدفع بأقسام المعارضة الأكثر تطرفاً وعنفاً للتهور وإدخال البلد بوضع كارثي. إن النظام نفسه يشجع، من غير وعي، على لبننة البلد الأمر الذي بدأ (...) ومن ثورة سلمية، نخاطر الآن بالسقوط في تمرد مسلح. وهم لا يفعلون شيئاً لوقف دوامة الجنون هذه. إن مؤتمر الحوار الوطني ما هو إلا هيئة مصطنعة وعبارة عن صدفة فارغة حقاً. وهذه الهيئة، التي تأسست في تموز 2011، تتضم حوالي 100 شخصية. وقد اقترحت 18 إجراءً لم ينفذ منها إجراء واحد حتى اليوم. أما أحدث النصوص التي صاغتها الهيئة فهي، والى حد كبير، لا تساوي شيئاً. ويتضمن القانون الجديد للإعلام عدداً من البنود التي تفرض حظراً على حرية التعبير والإعلام أكثر من البنود التي هي لصالحها.. الشيء نفسه يسري على قانون الأحزاب السياسية". يقول عبد العظيم مصراً.
يعتقد فايز سارة بأن النظام يضخم البروباغندا المحيطة بالتهديد الإسلامي ومخاطر الحرب الأهلية لتبرير سياسته الأمنية المتشددة: " تعيش الدولة على نظريات المؤامرة وتروج لها. لكن هناك أزمة اجتماعية واقتصادية تضرب أكثرية الشعب السوري بالفعل. يمكننا القول بوضوح إن النظام يلعب لكسب الوقت وهو يرفض مواجهة واقع الأزمة".
يعترف وزير الإعلام عدنان محمود بضعف النظام ومسؤوليته وبأنه تم ارتكاب عدد من الأخطاء في التعامل مع الأزمة، تحديداً في البداية في درعا، لكنه ينتقد أيضاً مقاربة " كل شيء أو لا شيء" التي تتبعها المعارضة والتي قادت إلى بروز الإرهاب والجماعات المسلحة.
يرد ممثلو اللجان التنسيقية بالقول إن النظام هو من دفع أخبث المنتقدين إلى النزاع المسلح، وبحسب البعض منهم، " لقد وصلنا تماماً إلى حيث أراد النظام: صراع مسلح يدعم البروباغندا التي لديه عن مؤامرة مدبرة من الخارج ، وبشكل أكثر دقة، مؤامرة مدبرة من قبل القوى الغبية. إن النظام نفسه يفتح الباب أمام خطر التدخل الخارجي المشابه لما حصل في ليبيا".
وقد أكد ديبلوماسيون موجودون في دمشق بأن السلطات قد أعاقت عن قصد عملهم، وذلك انتهاكاً للقوانين الدولية وعلى حساب مصالح البلد الخاصة، نظراً إلى أن إمكانية الوصول إلى الأرض مسألة أساسية وجوهرية بالنسبة للديبلوماسيين. علاوة على ذلك، نظمت القوى الأمنية هجمات على عدد من السفارات، بما فيها السفارة الفرنسية في دمشق وقنصليتها في حلب.

حوار مستحيل؟
منذ بداية الأحداث، قام النظام باتصالات مع مختلف تيارات المعارضة المحلية. لكن لم يبرز شيئ واقعي ملموس من هذه المحادثات وانقطع الحوار. واتصل نائب الرئيس السوري بحسين العودة للإعداد لأول اجتماع في آب 2011. وحصلت أولى الاتصالات المتبادلة في أيلول. " لكن الوقت كان قد تأخر جداً. لقد كان هناك عدد كبير جداً من القتلى في درعا وحمص. ثم بدأت التظاهرات تصبح أكثر تطرفاً وتدهور كل شيئ. وحصلت عمليات اعتقالات أكثر وسقط قتلى آخرين".
"يبدو واضحاً أن النظام يريد فتح محادثات، لكن من دون القيام بتنازلات أساسية"، يضيف العودة. ويقول معلقاً أيضاً إن " الرئيس ودائرته المباشرة قد يكونون راغبين إجراء المحادثات، لكنهم لا يملكون الوسائل التي لا تزال في أيدي العائلات الحاكمة والأجهزة الأمنية" .ويقول عبد العظيم، "لقد طلب مني نائب الرئيس فاروق الشرع المساعدة في محاولة إقناع دوائر السلطة". إلا أن حاشية بشار الأسد سدت الطريق أمام هذه المحاولات وهي تخفي عنه الوضع الحقيقي في البلد.
في كل الأحوال لقد التقى العودة مع مستشارين للرئيس عدة مرات، من دون فائدة : " الحكومة تخلط ما بين الحوار والمفاوضات ولا تريد أن تسمع عن خطة لتنفيذ إصلاحات بشكل ملموس الأمر الذي ينبغي أخذه كحاجة ملحة (...) إنهم يريدون أخذ أفكارنا، بزعم أنها أفكارهم، حتى أنهم يريدون رسم بداية عملية التنفيذ، لكن من دون مشاركتنا..."
لذا لا تزال العلاقات بين اللجان التنسيقية والنظام صعبة للغاية. ويفسر فايز سارة، أحد أكثر الشخصيات المحبوبة في اللجان، الأمر فيقول إن بشار الأسد وحاشيته لا يسعون فعلاً للحوار، حتى لو تظاهروا أحياناً بذلك. وهو يفضل بشكل واضح تدخلاً عسكرياً وسياسياً خارجياً، لكنه ظل يراوغ عندما كانت تصل المسألة إلى تسمية شخصيات داخل الحكومة هي الأكثر ملامة على مماطلتها بالعملية. وحسب رأيه، فإن الرئيس بشار الأسد هو الشخص المسؤول، بشكل رئيس، عن " هذا الوضع المسدود بالكامل". وبالنسبة لعبد العظيم "تقع على الرئيس المسؤولية النهائية عما يحدث على أرض الوطن السوري، سواء أكانت أوامره متبعة أم لا".
مع ذلك، ترفض المعارضة أيضاً التزحزح عن مواقفها، بزعم أن التقدم الذي تم بخصوص الإصلاحات في الدستور بما في ذلك إزالة المادة 8 السيئة الذكر منه ـ التي تضمن لحزب البعث احتكار الحياة السياسية ـ هو مجرد حيلة لكسب الوقت والتحكم بعملية المفاوضات. كان هناك تركيز مفرط على هذه النقطة ما يعني أن المحادثات فقدت الرؤية حول السياسات التحررية الحقيقية التي تم تنفيذها في سوريا. ويعترف عدد من أعضاء لجان التنسيقيات بأن المادة الثامنة لم تعد مشكلة ويعتقدون بأن مسألة الوضع القائم الذي يتحمله الرئيس بواسطة الدستور، وضع يشبه التأليه، هي المشكلة الحقيقية للنظام السوري.

امتداد حذر
برغم الأزمة الجارية، كنا قادرين على الاجتماع بحرية مع أهم أعضاء المعارضة المحلية من دون وجود حراسة. هؤلاء الأعضاء لديهم مكاتبهم الخاصة حيث جرت المقابلات. كانوا هم أنفسهم قادرين أيضاً على التحرك بحرية عندما جاؤوا للاجتماع معنا في مباني مراكز الشبكات الإعلامية المختلفة. لقد قاموا بنشر بياناتهم الرسمية، وتحدثوا مع سفارات أجنبية كما تحدثوا إلى الصحافة وبإمكانهم السفر إلى الخارج، والمثال الواضح على ذلك هو ميشال كيلو.
علاوة على ذلك، لا ينبغي التغاضي عن أنه منذ بداية أعمال الشغب الأولى في تونس، فإنه تم الإعلان عن عدد من الإصلاحات الهامة من قبل الرئيس الأسد. كما قامت الحكومة، نظراً للاحتجاجات الشعبية، بفتح خطوط إصلاحية عديدة: إلغاء قانون الطوارئ؛ منح الجنسية السورية للأكراد الذين لا جنسية لهم؛ قانون جديد حول نظام الحزب الواحد وقانون حول الإعلام. هناك الكثير بعد مما ينبغي فعله، تحديداً مراجعة بنود الدستور بعد الإزالة المؤثرة للمادة الثامنة المتعلقة بدور حزب البعث.
يمكن للانتخابات البلدية أن توفر الفرصة الأولى لذوبان معين للجليد القائم، رغم أنه لا يمكن إجراء هذه الانتخابات في مناطق الصراع المسلح. ومن حيث المبدأ، بالإمكان إجراء انتخابات تشريعية في ربيع 2012 الأمر الذي يمكن أن يتزامن مع مؤتمر حوار وطني، في صيف 2012.
وفوق كل شيء، قبل الرئيس بشار وصول مراقبين من جامعة الدول العربية.

ولاء الجيش
إن الجيش السوري عبارة عن جيش تجنيد عسكري إجباري: يبلغ عدده على الورق 600000 جندي، مع وجود حوالي 400000 جندي على الأرض. لقد تمت هيكلته وفق النموذج السوفياتي، مع وجود ضباط محترفين مدربين جيداً من مختلف المجتمعات والطوائف في موقع المسؤولية، رغم أن العلويين ممثلين بشكل بالغ في أوساط طبقة كبار الضباط وفي الوحدات التنفيذية.
إن معظم العتاد الروسي المصنع في السبعينات – الدبابات، الآليات المدرعة، المدفعية – قديم وبطل استعماله. هناك فرق مدرعة قليلة لا تزال شغالة ( الوحدات الرابعة، الثامنة، التاسعة والحادية عشرة) وذلك بفضل التجهيزات التي سلمتها موسكو لسوريا في الآونة الأخيرة وبالتعاون مع إيران. وعندما تضاف إلى الحرس الجمهوري ووحدات القيادة والوحدات شبه العسكرية، فإن هذه الوحدات تشكل ما مجموعه 40000 رجل تقريباً، وبالتالي فهي تشكل قوة قوية كافية لحكم البلد ومعالجة جيوب الحرب الأهلية الثلاثة الأساسية ( حمص، درعا، إدلب). ينبغي أيضاً ذكر الإمدادات المنتظمة الروسية ( منذ العام 2008) للرادارات والصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، إضافة إلى حوالي 50 مقاتلة حربية من نوع سوخوي ( الجيل الأخير).
لقد شجع وأيد عدد من الخبراء العسكريين الغربيين إيجاد انقسام داخل الجيش السوري، أو حتى إمكانية القيام بانقلاب عسكري. وحتى كانون الأول 2011، ظل هذا السيناريو أمراً بعيد المنال. فبرغم التغطية الإعلامية الواسعة عن الانشقاقات في جنود الصف في الجيش ( لا تتجاوز التقييمات الجدية الـ 10000 حالة)، لم يكن هناك انقسامات في صفوف كبار الضباط. لم تنقسم أية وحدة تنفيذية في الجيش.
في كل الأحوال، كان هناك قادة معينون في المعارضة الداخلية يذكرون في تقاريرهم أن هناك انقسامات عميقة داخل الجيش الأمر الذي سيخرج إلى الضوء إذا ما اشتدت الأزمة، لكن ليس هناك دليل على صحة هذه المزاعم.

الدعم الشعبي للنظام
تزعم قناة الجزيرة، شبكة التلفزيون القطرية، أن كل التظاهرات الجارية دعماً لرئيس بشار الأسد منظمة من قبل النظام نفسه وأنها ليست تعبيراً تلقائياً وعفوياً عن الدعم. ورغم أن التظاهرات تبدو فعلاً أنها منظمة جيداً وبإدارة النظام، إلا أن عدداً كبيرا ًمن السوريين يشاركون بحرية في مظاهر الدعم هذه. علاوة على ذلك، لقد حصلت ردات فعل عبارة عن دعم شعبي ضخم وعفوي بالفعل ، تحديدا ًعندما عُلقت عضوية سوريا في الجامعة العربية. إلا أن الشبكات الإعلامية الدولية نادراً ما تغطي أحداثاً مؤيدة للنظام كهذه.
" إن أكثرية الشعب، في سوريا، ليس مع أو ضد النظام بشكل فعال. إنهم يسعون للحصول على حريات أكبر وحماية النموذج الموجود للمجتمع. علاوة على ذلك، لو كان عليهم الاختيار بين بشار والسلفيين وبذلك اختيار الفوضى، فإن الشعب سيدعم بشار. بالنسبة للناس، ليس هناك بديل. فالنظام، وبرغم كل أخطائه، أفضل من الفوضى، وهذا واضح. الشعب السوري يريد السلم والباقي كله تضليل محض"، قال أحد الناطقين باسم التنسيقيات لم يرغب بذكر اسمه.
لقد حددنا النقطة من الأساس وقلنا إن أكثر من 50% من الشعب السوري يعيشون في دمشق وحلب. وهاتان المدينتان الرئيسيتان كانتا خاليتين من العنف حتى كانون الأول 2011. وبين الجماعة " الموالية لبشار" و الجماعة" المعادية لبشار"، لا يزال هناك أكثرية صامتة هائلة أبعدت نفسها عن النظام، لكنها لم تتحول إلى تظاهرة فاعلة ضده.
" الرئيس قوي، إنه لا يزال يمسك بالبلد،" يقول أحد المعارضين. " هو لا يفتقر لا إلى الكاريزما ولا إلى الدعم"، هذا ما قيل في الطائفة المسيحية التابعة لأبرشية القديس بولس؛ " إنه يمثل المستقبل وتحديث البلد لكن الجماعات السلفية الراغبة بشن عملية تطهير عرقي وديني في البلد تعيق عمله".
وبحسب رأي البطريرك غريغوريوس الثالث لحام ، بشار الأسد رجل جديد، ذو عقل منفتح وعقلية عصرية. لقد عاش في لندن، سافر كثيراُ ويعرف بلده جيداً. ويقول البطريرك: " أعطوه فرصة في الوقت الذي يُطالب فيه بإجراء إصلاحات ملموسة، لكنه بحاجة للوقت وهذا واضح".
لقد سأل غريغوريوس الثالث رؤساء الدول الأجنبية ( في رسالة بتاريخ 4 أيار، 2011) " الدعوة إلى الحوار والتفاهم". فالبلد بحسب ما كتب: " قد حقق الكثير من التقدم نحو نظام أكثر انفتاحاً". وهو يناشد رؤساء الدول: " تشجيع عملية الانفتاح والتحديث هذه".

التغطية الإعلامية للأزمة
في سوريا، الفرق حاد بين الوضع على الأرض والفهم الذي تقدمه الشبكات الإعلامية الأنكلو-أميركية والعربية، حتى أكثر حدة مما كان عليه الحال في ليبيا حيث كان هناك عدد من أعضاء الوفد الحالي قادرين على ملاحظة نفس ظاهرة العمل تلك. من المهم تحديد شدة الحملة الإعلامية وكثافتها التي تشن ضد دمشق، واعتبار أن واضعي التقرير الحالي هم محابون لفريق دون الآخر من فريقي الصراع.
تخضع الأزمة السورية لحرب إعلامية حقيقية تشمل عدداً من وسائل الاتصالات الضخمة MMC)) ، تتم إدارتها عبر شبكات إعلامية دولية، ومحطات إذاعية أميركية، وراديو سوا، والإعلام اللبناني ذي الصلة الوثيقة جداً بحركة 14 آذار، الخ. كما من الضروري الإضافة أن الشبكات الإعلامية الناطقة بالفرنسية، ورغم أنها لاعب ثانوي في الأزمة، فإنها غالباً ما تأخذ باستنتاجات الشبكات الإعلامية العربية والأنكلو- أميركية من دون التحقق من صحة هكذا معلومات.
بالنتيجة، إن التغطية الإعلامية هي تغطية منحازة بشكل صريح وبالكامل إلى جانب واحد وتبدو مناسبة للأجندة الجيوسياسية المهيمنة، تلك التي للمحافظين الأميركيين الجدد الذين قسَّموا الشرق الأوسط بين " دول عربية معتدلة" ( مصر، الأردن، والدول الملكية الغنية بالنفط) و" قوى محور الشر" ( إيران، سوريا، حزب الله وحماس). وبما يخص الأزمة السورية، تحديداً، غالباً جداً ما يتم التلاعب بالمعلومات والإعلام استجابة لهذه الإيديولوجية المهيمنة، مهيمنة لدرجة يمكن دعوتها بالسائدة. فالتغطية الإعلامية لا تبث سوى المعلومات التي تشكل قضية ضد النظام، يكون جزء منها فقط صحيحاً.
وقد علق البطريرك غريغوريوس الثالث لحام قائلاً: " إن موقف الصحافة الدولية واللاعبين الأجانب هو التصرف، بشكل تام، وكأن لا شيء صحيح أو جيد يأتي من نظام دمشق، وجعل النظام مسؤولاً عن كل مشكلة موجودة. هذا الأمر جعل الرأي العام السوري ينقلب ضد البلدان الغربية وصحافييها".

أما أسما كفتارو، ورغم أن لديها وجهة نظر مختلفة عن تلك التي للحكومة والمعارضة الداخلية، فتستذكر وتقول إنه رداً على بداية الأحداث، أعلنت الحكومة بالفعل عن برنامج للإصلاح السياسي لقطع دابر أية ثورة قد تحصل كتلك الثورات التي تحدث في بلدان أخرى إبان " الربيع العربي". "لم يغط أحد محاولات الإصلاح هذه أو يفسرها. تماماً كما لم تغط أية مؤسسة إعلامية التظاهرات ضد التدخل الأجنبي التي تحصل مؤخراً"، تقول كفتارو. وتشكو من أننا نسمع فقط " وجهة النظر الخارجية"، ثم تابعت تقول: " إن أقسى الانتقادات للنظام تأتي من الخارج، من الصحافة الدولية، أكثر بكثير مما تأتي من داخل البلد".
أكثر من 120 صحافي من وفود الصحافيين الأجانب سافروا إلى سوريا للتحدث مع وزير الإعلام، عدنان محمود. وبحسب رأيه، "لم يقدم أحد منهم رؤية متوازنة للوضع". وبظل اندفاعة الجزيرة، كما حدد عدد من ممثلي المعارضة الداخلية، يقدم الإعلام الدولي ثنائية تبسيطية لـ "الأخيار" و "الأشرار" تحبس عن الناس تعقيدات الوضع وترفض أخذ الأعمال الوحشية للمعارضة بالاعتبار بنفس مستوى الأعمال المرتكبة من قبل النظام.

توظيف التقنيات التضليلية
اختارت الهيئة التحريرية للجزيرة صياغة دقيقة جداً لاستهداف الحكومة السورية وشرعنة التظاهرات، وحتى أعمال العنف والإرهاب:
• قانون عام: لا يتم ذكر مواقع محددة أبداً، فقط يتم ذكر " سوريا أو " البلد المحكوم من قبل عائلة الأسد.
• التصنيف: عدم ذكر عبارة " جماعات سلفية"، إنما " الجيش السوري الحر" أو " قوى المعارضة".
• الاستباق: استباق الأحداث، يعلن عن صدامات قبل حدوثها.
• الصور المخادعة: نشرت عدة محطات فضائية صوراً من مصر أو اليمن ( صور أخذت سلفاً قبل أسابيع أو أشهر)، بزعم أنها مصورة في سوريا. وغالباً ما تكون أشرطة الفيديو المصورة هذه لا تتطابق مع الفصل، وطقس اليوم، إذ تظهر أفراداً في مسيرات وهم يرتدون المعاطف خلال فترة الصيف الشديدة الحر في العام 2011. الخ.

نادراً ما تذكر " مصادر" التقارير. ووفقاً لأسلوب محطة فوكس نيوز، قد يذكر المعلق كلمتيْ "المعارضة" و" المقاومة". أما تعابير من نوع " يعتقد كثيرون بأن "، " يقال في المدينة إن"، أو ""رأى السكان" فعبارات يتم توظيفها بشكل متكرر. وغالباً جداً ما تذكر كلمة " شهود" أما أسماء وأدوار الضحايا فنادراً ما تذكر. كما أن الأماكن والتواريخ غالباً ما تكون تقريبية ولا يُرجع إليها تقريباً عند عرض الصور من الأرشيف أبداً.
أما في الإعلام، فإن مختلف الأفراد الذين يقدمون أنفسهم كـ " مناضلين سوريين" تجرى معهم المقابلات بشكل منتظم، من دون تقديم أبسط دليل للمتفرجين عن نوعية المعلومات المنشورة. وفي إحدى الحالات المعينة ظهر أن أحد الشهود الزائفين هو صحافي لبناني يعيش في هولندا. ووجدنا أن " شهود المجازر"، يعيشون في دبي، والأردن والكويت.
أخيراً، إن أحد المصادر الرئيسة لوسائل الإعلام الغربية حول الأعمال الوحشية المرتكبة من قبل النظام السوري وعدد القتلى بسبب الحملة العسكرية هي المرصد السوري لحقوق الانسان، منظمة معترف بها من قبل الاتحاد الأوروبي تروم استخدام شخصيات توفرهم لجان التنسيق المحلية التي تحسب عدد الضحايا على الأرض. لكن يبدو أن مشروعيتها محل تساؤل شديد. لقد تم تأسيس المرصد من قبل الإخوان المسلمين الذين يعيشون في المنفى في ايه لا شابيل، في ألمانيا، قبل الانتقال إلى لندن. أما مدير المرصد، المحامي المالح، 81 عاماً، رئيس البعثة السورية لحقوق الانسان، فقد حوكم بالسجن 8 أعوام بسبب عضويته في الإخوان المسلمين. ولم يترك السجن إلا في العام 2010.
قبل كل شيء، أنفقت الجزيرة، شبكة التلفزيون القطرية، 70% من تغطيتها خلال الخمسة أشهر الماضية، على الأزمة السورية. فهل يسوغ هذا البلد، موضوعياً، هكذا تغطية إعلامية ضخمة؟ كما هو الحال في ليبيا، يمكننا طرح السؤال المشروع التالي: باسم أية أجندة سياسية تستمر هذه الشبكة الإخبارية بتوزيع هكذا موارد للقيام بتغطية هي، بطبيعتها، أكثر تشدداً من الطبيعة الاعلامية.
هناك عدد من الأمثلة عن التلاعب الإعلامي التي يمكن الاستشهاد بها:
• في اللاذقية، في 11 أيلول 2011، أعلنت كل من الجزيرة والعربية على الهواء أن إطلاقاً للنار قد بدأ عند الساعة الثانية صباحاً. بالواقع، لم يبدأ إطلاق النار إلا بعد ساعتين، عند الساعة الرابعة صباحاً.
• في دمشق، في 23 كانون أول 2011، ذكرت نفس المحطتين التلفزيونيتين أن هناك تظاهرات كبرى تحدث في ساحة العباسيين. ولم تحدث تلك التظاهرات إلا يوم السبت التالي.
• في دوما، في تشرين الثاني 2011، أعلنت كل من الجزيرة والعربية عند الساعة 1:30 صباحاً أنه تمت مهاجمة مركز للأمن السوري وقصفه. قام التلفزيون السوري بإرسال فريق عمل إلى الموقع المذكور عند الساعة 2:30 وأظهر أن لا شيء قد حدث. في كل الأحوال، لقد تمت مهاجمة المركز عند الساعة 3:00 صباحاً!
• كان يتم تقديم طوابير سيارات الأجرة في ساحة الأمويين، وبشكل متكرر، وبسبب الازدحام المروري في المدينة، على أنها تظاهرات مناهضة للنظام.
• في حمص، وفي بداية العام 2011، حدثت تظاهرة مع مطالبة المحتجين برحيل المحافظ الذي فشل بحماية السكان من المتمردين بشكل صحيح. تم تقديم المسيرة من قبل وسائل الإعلام الأجنبية على أنها تظاهرة معادية للنظام.
إن كل مثل من هذه الأمثلة يستحق استفساراً عميقاً وتفكيكاً منهجياً لا يسمح شكل تقريرنا المتواضع الحالي بالقيام به. وسوف ينفذ مؤرخون وباحثون ذلك العمل في يوم ما، إلا أن التاريخ سيكون قد انتقل وستكون التكتيكات المضللة قد حققت غاياتها.
ينبغي أيضاً التذكر بأنه في 6 حزيران 2011، قيل إن الناشطة السورية أمينة عبد الله عارف العمري قد تم اختطافها من قبل أجهزة الأمن السورية. وتسببت الأخبار بانفعالات كبيرة في أوساط صفوف المعارضة ومناصريهم الدوليين. في كل الأحوال، هذه المدونة، التي تقود حملة مؤيدة لحقوق الشاذين جنسياً والتي تعتبر شخصية قيادية في التظاهرات ضد نظام بشار الأسد، تحولت لتصبح شخصاً خيالياً، وهمياً. فالشخصية تم اختراعها من قبل ناشط أميركي لأجل القضية العربية، والذي كشف عن الخدعة بعد بضعة أيام.
أما أكثر الأمثلة وضوحاً حول التلاعب الإعلامي فقد حدث في حمص عندما رأت امرأة طفلها يقتل على يد متمردين وبعد أقل من ساعة واحدة نشرت الجزيرة هذا الفعل الوحشي على أنه عمل بربري من فعل الجيش السوري.
لقد التقى الوفد مع المرأة وعائلتها في 7 كانون أول 2011. وشاهدنا معاً الصور التي نشرتها الشبكة القطرية. ونحن نقدم الرواية كما سمعناها نحن:

إسم المرأة جورجينا لانيوس نجمة تعمل في شركة كابلات. هي مسيحية ( روم أرثوذكس). تعيش في حمص، في منطقة البياضة حيث حصلت الحادثة، لكنها التجأت منذ ذلك الحين مع عائلتها إلى ضواحي حماه، حيث التقينا بها.

في صبيحة 1 كانون أول 2011، أراد ابنها إبراهيم سعود، البالغ من العمر 9 أعوام، بعض الحلوى. فذهبت معه في الساعة 8:30 صباحاً لشرائها من أحد المحال. وما إن تركت الأم وابنها المحل حتى بدأ إطلاق النار. أخذت الأم طفلها بين ذراعيها. أحست بالدم يتدفق على يديها وظنت بأنها أصيبت، لكنها رأت ابنها وقد غاب عن الوعي. لقد أصيب برصاصة تحت إبطه الأيسر. تدفق الدم من رقبته. لم تعلم ماذا تفعل وصرخت بولدها ليفيق من غيبوبته.
حاول شبان أن يخلصوا ابنها لكن رجالاً منعوهم من إخلاء الضحية. لقد أمسكوا بالابن المحتضر وأحضروه إلى قاعة مبنى حيث تركوه على الأرض وصوروه وهو يموت. خافت الأم من أن يقطعوه إرباً. خلال هذا الوقت، كان الطفل ينزف حتى الموت. وصور الرجال المرأة وهي تصرخ وأخذوا لقطات قريبة للصليب الذي ترتديه فوق سترتها. ثم بدؤوا بالهتاف " الله أكبر". وصل الصليب الأحمر، لكن الوقت كان قد فات. كان الطفل قد مات. وعندما وصلت المرأة مع جثة ابنها إلى المستشفى أطلقت مجموعات مسلحة النار على المبنى وهتفوا مرددين نفس الشعار.
بعد ساعة، وبعد الساعة العاشرة صباحاً تماماً، نشرت الجزيرة صور الطفل المحتضر والمرأة الباكية إلى جانبه. وأشار التعليق إلى أن ذلك مثال آخر على الأعمال الوحشية المرتكبة من الجيش الذي كان يهاجم الأقليات المسيحية.
عندما حصل الهجوم، " لم يكن هناك رجال شرطة أو جنود. لو كانت القوى الأمنية موجودة هناك، ربما ما كان إبراهيم ليموت"، قالت الأم. إن المسلحين الذين كانوا يرتدون أغطية رأس لم يكونوا من سكان الحي، رغم أنه بدا أنهم يعرفون طريقهم في المنطقة. دام الهجوم حوالي 30 دقيقة. يقول عدد من الشهود إنها كانت " غزوة" مصممة لنشر الرعب وإن المهاجمين كانوا يتطلعون لسحب الجنود إلى الحي للإيقاع بهم.
إن عائلة جورجينا لانيوس نجمة من المزارعين الفقراء. ويصر أفراد العائلة على التعايش السلمي وعلى العلاقات " الطبيعية" بين الطوائف، إضافة إلى تعلقهم بالرئيس بشار. وهم يثنون على النظامين الصحي والتعليمي. وناشدوا الجيش توفير الحماية لهم.

الإعلام العربي، " عامل مفاقم" في الصراع
بالنسبة لوزير الإعلام عدنان محمود، هناك أجندة سياسية خلف هذه الحرب والتي تدخل في عمق الأجندة الدولية ضد سوريا. إذ قال لنا إن " الإعلام هو اللاعب الأهم في الصراع. هناك وسائل إعلام معينة شريكة للجماعات المسلحة العاملة في داخل البلد، والتي تطيع الأوامر نفسها. فالرسائل المنشورة إفترائية وهي مصممة لإثارة الحقد والكراهية. إن الصياغة الموظفة تحرض على العنف والانقسام، مع تركيز حاسم على الهوية الإثنية والدين."
لحسن الحظ، لقد انكشفت حقيقة موت الطفل في حمص، وعبَّر عدد من ممثلي المجتمع المسيحي التابعين لكنيسة القديس بولس عن ارتياحهم عندما سمعوا ذلك. لكن يوجد هنا، وبشكل واضح، قضية محل تساؤل حول التواطؤ الموجود بين عصابات مسلحة ووسائل إعلامية معينة في الخليج. ونظراً لممارسات من هذا النوع، أغلقت السلطات السورية مكتبَي الجزيرة والعربية إضافة إلى مكتب البي بي سي العربية، وطردت ممثليها، وهو أمر أغضب فرق الأخبار الدولية بشكل واضح. وتعمل هذه السلسلة الآن مع صحافيين مستقلين يعملون بشكل سري ويستخدمون " الشبكات الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي " والذين من الصعب التحقق من مزاعمهم.
تصر أسما كفتارو على الدور " السلبي جداً" للجزيرة. فالمحطة " مستمرة بالكذب بأسلوب مقزز، الأمر الذي يساهم مباشرة بتصعيد الأزمة. إن التحريض على الكراهية والصدامات المذهبية والطائفية بواسطة الإعلام العربي قد نجح في حمص. فالمدينة استسلمت لمشاعر الكراهية المذهبية. النظام غير مسؤول عن هذا الأمر. إنها وسائل الإعلام الخارجية والجماعات الدينية التي تفاقم الوضع".
يدعو التلفزيون القطري إلى النزاع الطائفي والمذهبي عندما يكرر القول إن " بشار الأسد لا يمثل المسلمين". أما أشد الخطباء عنفاً الموجودين على هذه المحطة التلفزيونية فهو الشيخ القرضاوي، الذي يقدم برنامجاً كل يوم جمعة على الجزيرة. وكان قد شرَّع سابقاً فتوى اغتيال معمر القذافي.

تدمير تقارير الشهود المستقلين
إضافة إلى قصفها الإعلامي الأحادي، عطلت الشبكات الإعلامية العربية والأنكلو- أميركية بث أو نشر التقارير والدراسات حول الأعمال الوحشية المرتكبة من قبل المتظاهرين. فعندما لا تكون قادرة على تسريب هكذا تقارير على أشرطة فيديو معدة سلفاً، لا تتردد الشبكات الإعلامية بمقاطعة التصريحات الحية التي يدلي بها شاهد عيان ما على الهواء عندما لا تتطابق شهادات من هذا النوع مع روايتها، وتقدم رواية مناقضة تختلف عن خط " إعلامها".
عندما بدأ حمام الدم، قررت الأم آغنيس أن الوقت قد حان للتصرف. وطلبت منظمة Luoeuvre duorient ( ومركزها فرنسا) معرفة وجهة نظر طائفتها ومجتمعها للوضع المحلي. وقد تم انتقادها بقسوة شديدة على مقالتها الأولى، التي نُسبت، من قبل مصادر فرنسية عديدة، إلى الأجهزة الخاصة السورية. لقد كتبت أول نص موثق جيداً ( بحث، تقارير شهود، ملاحظات شخصية) لوصف ما كانت تعاني منه. ثم كتبت مقالات أخرى، تحديداً حول منطقة وادي الصاير في حمص.
ما إن نشرت مقالتها الأولى، حتى تم انتقاد الأم آغنيس بشدة من قبل وسائل الإعلام الخليجية. وزعمت مواقع عديدة أن المقالة من إعداد المخابرات وأن " هذه الأم آغنيس المفترضة غير موجودة".
ثم قبلت الأم آغنيس إجراء مقابلة مع تيري ميسان من دون أن تعلم من هو. لقد نشر أجزاء كبيرة من شهادتها أونلاين، ما أفقدها مصداقيتها أكثر. ثم نظمت الأم آغنيس لاحقاً زيارة للإعلام الكاثوليكي إ

موقع الخدمات البحثية