أوراق إستراتيجية » تحول القطاع الأمني في شمال أفريقيا والشرق الأوسط

مارك سدرا ـ تقرير خاص صادر عن ascii85nited States Institascii117te Of Peace / تشرين الثاني 2011
موجز
&bascii117ll; إن أحداث الربيع العربي فرصة فريدة وغير مسبوقة لأجل حصول تغيير سياسي ديمقراطي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أن التحولات السياسية في تلك المنطقة تظل هشة. بإمكان الولايات المتحدة ولاعبين آخرين مساعدة الأنظمة الديمقراطية الجديدة بدعم جهودها على مستوى إصلاح القطاع الأمني (SSR).
&bascii117ll; كان فساد الشرطة، الظلم، الإفلات من العقوبة – الى جانب الحجم المطلق لقوات الشرطة – من بين الدوافع التي حفزت على تظاهرات الربيع العربي. إلا أن الحكومات الإنتقالية، عموماً، لا تسعى الى تفكيك قوات الشرطة لديها وبناءها من جديد كما تتحدث عن إصلاحها. بإمكان الفاعلين الخارجيين العمل مع الحكومات الجديدة على هيكلة قوات الشرطة وصولاً الى الحجم المناسب بالإضافة الى العمل الديمقراطي والمحاسبة بما يخص أعمال هذه الحكومات. هذا يشتمل أيضاً على العمل على الإصلاح القضائي.
&bascii117ll; ينبغي على الولايات المتحدة مقاربة موضوع إصلاح القطاع الأمني (SSR) في بلدان التحول العربي بحذر وعناية، حيث أنها تحمل إرث دعم عدد من الأنظمة الديكتاتورية السابقة بإسم الحفاظ على أمنها الخاص. إن إنخراط عدد أكبر من الفاعلين الخارجيين، تحت رعاية الأمم المتحدة، سيكون أمرا مستحسناً بإزاء مقاربة أحادية، من حيث إلتماس أماكن تكون فيها مصالح الحكومات الجديدة بالإضافة الى غطاء المجتمع الدولي نقاط دخول للتعاون في بينهم.
&bascii117ll; إن أي مجهود بإصلاح القطاع الأمني (SSR) ينبغي أن يكون رداً على طلب الحكومات الجديدة الحصول على المساعدة، وينبغي لكل تجاوب أن يكون مفصلاً حسب ظروف كل بلد. وخلال تنفيذ هذا العمل، ينبغي للفاعلين الخارجيين إشراك منظمات غير حكومية، المجتمع المدني، بالإضافة الى النخب التقليدية، لضمان أن يكون البناء الأمني والعدلي الجديد ديمقراطياً، محاسباً، ومستقراً.
&bascii117ll; ينبغي لعملية إصلاح القطاع الأمني (SSR) أن تكون مرتبطة بأهداف أوسع تتعلق بالعدالة، الإستقرار السياسي، والتطور الإقتصادي، مطالب موجودة في صميم تظاهرات الربيع العربي؛ إن القيام بذلك يمكن أن يحسن العلاقات ما بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط.
تقدم أحداث الربيع العربي فرصة فريدة وغير مسبوقة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) لجهة حصول تغيير سياسي ديمقراطي، وإن إزالة ديكتاتوريين متحصنين، كحسني مبارك في مصر، زين العابدين بن علي في تونس، والراحل معمر القذافي في ليبيا، خطوة في هذا الإتجاه. إلا أن التحولات السياسية في هذه الدول تظل هشة وعرضة للإنعكاس والتقلبات. هناك سلسلة من العوامل التي ستحدد نجاح هذه التحولات، بدءاً من تأثيرات عمليات الإصلاح والعدالة الإنتقالية وصولاً الى نتائج الإنتخابات والإصلاحات الإقتصادية. وفي حين أن الثورات دافعها محلي من دون شك، فإن الفاعلين الخارجيين سوف يكونون مهمين بالنسبة لنتائج هذه الثورات. بإمكان الفاعلين الخارجيين، الولايات المتحدة تحديداً، لعب دور بارز في تحول البناء الأمني والعدلي لدولالشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) – ما يعني، في دعم إصلاح القطاع الأمني ( SSR). إن لدى دول التحول في المنطقة مؤسسات أمنية قمعية، فاسدة وضخمة ذات تاريخ من العمل المحصن من المساءلة والإفلات من العقاب؛ بالإمكان إعتبار الربيع العربي على أنه رد فعل ليس فقط على تجاوز الديكتاتوريين كأفراد، وإنما على الإساءة لكرامات المواطنين الذي عانوا على أيدي مؤسساتهم الأمنية المتوحشة.
لقد راكم المجتمع الدولي خبرة هامة في مسألة دعم إصلاح القطاع الأمني (SSR) عبر سلسلة من دول ما بعد الصراعات وما بعد الحكم الإستبدادي على إمتداد العقد الماضي. وكان سجل النجاح في الحالات المتأثرة بالصراعات، كأفغانستان والعراق، مختلطاً. أما النتائج في دول ما بعد الحكم الإستبدادي، التي تشكل، معاً، مروحة مختلفة من التحديات، فقد كانت أكثر إيجابية. فمن المقبول الآن، وعلى نطاق واسع، في التطور الدولي والمجتمعات الأمنية القول بأن من المستحيل تقريباً تحقيق الأمن والأمان على المدى الطويل من دون نظام أمني شرعي، فاعل، يحترم الحقوق، ومحاسب، نظام يتطابق مع سلطة القانون. فعلى مدى العقد الماضي، برزت مجموعة واسعة من التوجيهات لإرشاد إصلاحيي القطاع الأمني في جهودهم. في كل الأحوال، وبما يتعلق بالنمو الأقتصادي والدمقرطة، هناك طرق مختلفة لإيجاد قطاع أمني فاعل جداً، وقد تعلم المجتمع الدولي بأنه ليس هناك من خارطة طريق أو برنامج عمل يمكن تطبيقه عالمياً. فعندما تناول المانحون مقاربة ' قاطعة الكوكيز' بخصوص إصلاح القطاع الأمني (SSR)، أي زرع نماذج الإصلاح المتجانس من سياق لآخر بقليل من التكيف، حدثت أشد الإخفاقات وضوحاً، كما أن تنوع الديناميات السياسية، التقاليد التاريخية، القضايا الديمغرافية، الظروف الأمنية، والتوجهات الإقتصادية في الشرق الأوسط يجعل من الحلول الشاملة، تحدياً، مسألة غير قابلة للتطبيق. ينبغي لجهود إصلاح القطاع الأمني (SSR) أن تكون مفصلة بحسب حاجات وظروف كل دولة، أي التفكير بشكل شامل إنما التصرف بشكل محلي.
إن إصلاح القطاع الأمني (SSR) ليس مفهوماً محايداً إيديولوجياً. إنه متجذر في القيم الغربية وجزء لا يتجزأ من مشاريع الدمقرطة وبناء الدولة التي يقودها المانحو . لقد كان هناك نقاش يقول بأن أصول المفهوم الليبرالية تجعله غير قابل للحياة خارج الغرب. لكن المبادئ الجوهرية التي تحدد أطر العمل المعيارية ليست غريبة عن العالم العربي. إن إلقاء لمحة على خطابات وتصريحات حركات التظاهر العربية تكشف عن قدر عظيم من الأرضية المشتركة مع القيم الجوهرية لإصلاحات القطاع الأمني (SSR)، كالشفافية، المحاسبة، وإحترام حقوق الإنسان. إن كل سياق من سياقات إصلاح القطاع الأمني مختلف عن غيره ويتطلب بالتالي نماذج تدخلات مختلفة، لكن تجربة إصلاح القطاع الأمني أظهرت بأن كثير من الناس، بصرف النظر عن السياق، يريدون نفس الأمور الأساسية من أنظمتهم الأمنية.
هناك ضرورة لوجود صيغة ما من صيغ إصلاح القطاع الأمني (SSR) في دول التحول العربي، وسيكون المانحون، كالولايات المتحدة، مهمين بالتأكيد في تنفيذ هذه الصيغة. إلا أن الشكل الذي ستأخذه العملية بالإضافة الى طبيعة ومدى الأدوارالأميركية والدولية ليس واضحاً حتى الآن. هناك عوامل عديدة تعتبر حاسمة في تشكيل العملية، لكن يبرز عاملان فيها. أولاً وقبل كل شيئ، هناك التصورات والرؤى المتطورة للقطاع الأمني في أوساط الإدارات الإنتقالية الجديدة والشعوب المضطربة لدى هذه الحكومات.إن الأنظمة الطارئة هي نتاج الثورات العربية المحلية، وبالتالي فإن الحيازة المحلية أمر حيوي لتحقيق الأمن الثابت المستدام. فالحكومات الجديدة وشركائها من المجتمع المدني، وليس الفاعلين الخارجيين، هم من سيرسم حدود أنظمتهم الأمنية الخاصة. أما العامل الثاني فيشتمل على نوع المساعدة التي تطلبها الأنظمة الجديدة من المجتمع الدولي. لقد طلبت ليبيا الدعم لأجل إصلاح الشرطة، نزع أسلحة الميليشيات، العدالة الإنتقالية. وكانت مصر متحمسة لتلقي المساعدات لكنها كانت حذرة بشأن إلتماسها من الولايات المتحدة بسبب إرثها بتسليح نظام مبارك.
إن مساعدات إصلاح القطاع الأمني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) لا بد وأن تكون مدفوعة بطلب من الدولة وأن تتبنى مقاربة حل المشاكل؛ وإلا فسوف تعتبر غير شرعية. في الوقت الحاضر، ليس هناك فهم جيد لإصلاح القطاع الأمني (SSR) داخل المنطقة؛ إذ يُنظر الإصلاح الخارجي في المجال الأمني على أنه إمبريالي. وسيكون دور الولايات المتحدة مصاغاً أيضاً وفق حدودها وقيودها المحلية الخاصة في فترة التقشف المالي عقب الإشتباكات المكلفة في العراق وأفغانستان وبعد الهبوط الإقتصادي العالمي. ينبغي على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي الكبير إلتماس نقاط الإلتقاء بين الطلب والإمدادات في مسألة المساعدات في إصلاح القطاع الأمني (SSR) والتي يمكنها نقل تحولات الربيع العربي بإتجاه ديمقراطية مستقرة. هذا التقرير يشرح سبب الحاجة الى إصلاح القطاع الأمني (SSR) وصلته بموضوع دول تحول الربيع العربي، يحدد بعض نقاط الدخول للمساعدات الدولية، يرسم المبادئ الجوهرية التي ينبغي أن تؤطر هذه التدخلات، ويكسر التحديات التي تواجه الولايات المتحدة والمانحين الآخرين.
سبب إصلاح القطاع الأمني
في 17 كانون الأول، 2011، وفي سيدي بو زيد في تونس، قام بائع متجول يدعى محمد بوعزيزي بالتضحية بنفسه أمام مكتب الحاكم المحلي، مثيراً موجة تظاهرات لم تنه 22 عاماً من حكم  الرئيس التونسي بن علي فحسب، وإنما إكتسحت المنطقة، طالبة  إنهاء النظامين في مصر وليبيا ومهددة أنظمة عديدة أخرى. لم يكن فعل التحدي اليائس لبوعزيزي – شهادته بالنسبة للربيع العربي ـ رد فعل على الظروف الإقتصادية البائسة في تونس فحسب، التي لديها نسبة بطالة تصل الى 15 بالمئة، وإنما كان رد فعل على الإهانة وسوء المعاملة المستمريْن اللذان عانى منهما على أيدي مسؤولي البلدية الحكوميين، مفتشي الأغذية والشرطة بشكل رئيس. إنها بالمجمل قصة مألوفة جداً في عدد من الدول العربية، حيث كانت طلائع قوات الأمن التابعة للأنظمة السلطوية تتصرف بحصانة من حيث عدم المساءلة والإفلات من العقاب. فقد يضنيك البحث قبل أن تعثر على مصري لا يروي لك قصة عن فساد الشرطة أو وحشيتها بظل حكم مبارك. وأدى موت رجل الأعمال خالد السيد ضرباً حتى الموت على أيدي الشرطة المصرية الى حشد حركة المعارضة التي نظمت نفسها في وسائل التواصل الإجتماعي للإطاحة بمبارك.
ليس مفاجئاً أن تكون الشرطة إحدى الأهداف الرئيسة لغضب الشعب المصري ما أن إنهار نظام مبارك. فقد تم حرق كل مركز من مراكز الشرطة في صحراء سيناء المصرية حتى أصبح ركاماً، كما خبأ رجال الشرطة عبر البلاد بزاتهم الرسمية في مواجهة الهجمات الشعبية. وفي حين أن الجيش في مصر وبلدان عربية أخرى قد يكون يتمتع بدرجة من الإحترام، برغم تجاوزاتهم، فإن هناك ميل لأن يكون رجال الشرطة والإستخبارات، أو ' المخابرات'، ممقوتين ومحتقرين. فبينما بإمكان الجيش البقاء في ثكناته، متجنباً الصدامات مع الشعب، كانت الشرطة و' المخابرات' الوجه المعبِّر عن النظام في الشارع. إن إنشاء عقد إجتماعي جديد والعمل على تنشئة ورعاية ثقة الشعب في الدول يتطلب إصلاحاً من الأسفل الى الأعلى كما يتطلب ثقافة عامة شعبية داخل القطاع الأمني. إن المصريين، التونسيين، والليبيين، بحاجة لأن يروا تغييراً جذرياً في مؤسساتهم الأمنية إذا ما كانوا سيؤمنون بالتحول الحاصل وينبغي أن يكونوا متعلمين ومثقفين في موضوع مسؤوليات المؤسسات الأمنية في الدولة الديمقراطية. هذه الأهداف هي في صميم عملية إصلاح القطاع الأمني (SSR).
كانت مفاهيم العدالة والمحاسبة غائبة، الى حد كبير، في الدول العربية. فعندما كان الناس يُهانون أو تساء معاملتهم فإنه لم يكن لديهم ملجأً يستعينون به، حيث أن الحدود الفاصلة ما بين الأنظمة، القضاء، وقوى الأمن رفيعة جداً أو غير موجودة أصلاً. فالأجهزة الأمنية كانت منظمة ومبنية للسيطرة بدلاً من أن تكون موجودة لخدمة الشعب وكانت تتسم بالحشو والتسريح في أوساط قوات الأمن لضمان ألا تهدد مؤسسات الدولة النظام. كان لدى هذه الدول قوى أمن كثيرة جداً بدلاً من العكس. إذ كان هناك أثناء حصول الثورة في مصر، 16 أو 17 نوعاً من القوى الأمنية، كل منها يراقب القوى الأخرى لضمان الطاعة للقيادة. إن هيكليات كهذه تعتبر ضد الديمقراطية وهدراً وتحويلاً للموارد بعيداً عن مجالات توزيع الخدمات الأخرى للدولة. بإمكان إصلاح القطاع الأمني (SSR) المساعدة على فصل هذا المشكلة العويصة وترتيب حجم المؤسسات الأمنية لدول التحول العربي بشكل صحيح.
هناك حاجة واضحة في العالم العربي للتحرك بعيداً عن فلسفة التدريب والتجهيز المتعلقة بالمساعدات الأمنية. فقد إتخذ الدعم الأميركي الماضي شكل التدريب المدفوع إستراتيجياً، تدني التجهيزات، مبيعات الأسلحة الخاصة ( بعضها مستمر)، وشكل الحكم الرشيد والمساعدة الديمقراطية. لقد أظهرت الثورات في المنطقة بأن بإمكان هذه المساعدات التقنية، التي لا تحترم وتتجنب  الصورة الأمنية الإنسانية، أن تربي وتنشئ أنظمة قاسية إنما هشة وعرضة للإنهيار. وبشكل متناقض، برهنت الأحداث في مصر عن القوة الناعمة للتغييرات التعليمية وبرامج التخصص على الأمد الطويل. بالإمكان القول بأن التواصل ما بين الجيشين المصري والأميركي قد ساهم بوقوف القوات المصرية الى جانب حركة التظاهر الديمقراطية، الأمر الذي مهد الطريق أمام إستقالة مبارك. لقد عرَّضت برامج المساعدات العسكرية الأميركية المصريين لممارسات، معايير، وقيم ديمقراطية، ما ساعد على تشكيل مواقفهم وتطلعاتهم. إن برامج التخصص من هذا النوع بحاجة للتوسيع على كل مستويات الأجهزة الأمنية والعدلية، بالإضافة الى المجتمع المدني.
كان ناشطو المجتمع المدني الذين كانوا، بحد ذاتهم، رأس الحربة في حركات التظاهر الشبابية، متأثرين بجماعات المجتمع المدني في الغرب وأماكن بعيدة أكثر، شكل ما أشكال القوة الناعمة التي بإمكان الولايات المتحدة توظيفها عن طريق دعمها لشبكات المجتمع المدني الملتزمة بالتغيير الديمقراطي والإصلاح. لقد نحتت وإقتطعت الثورات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) دوراً جديداً للمجتمع المدني في الحياة السياسية العربية، دوراً لا يزال يتطور. إن العنصر الجوهري الموجود في إصلاح القطاع الأمني (SSR) هو تطوير قدرات المجتمع المدني – سواء في الإعلام، المنظمات غير الحكومية (NGOs)، أو القطاع الخاص – لإشراك المؤسسة الأمنية؛ هذا الأمر قد يكون، في التحولات العربية الحالية بإتجاه الديمقراطية، إحدى نقاط الدخول المثمرة جداً للشراكة الدولية.
أين هي نقاط الدخول؟  
إن إصلاح القطاع الأمني الشامل (SSR) ، كما هو محدد في تأطير وثائق مثل OECD-DAC Handbook on Secascii117rity System Reform، يحتم في الواقع وجود عملية تحول تفاؤلية تامة للقطاع الأمني والتي يُقصد منها تكرار الهيكليات والمعايير الغربية. تتطلب نسخة ' الكاديلاك' الإصلاحية هذه تقدماً متزامناً في وقت واحد عبر كل أجزاء المجالات الأمنية والعدلية، ما يتطلب موارد خارجية ضخمة، قدرات محلية مكثفة وواسعة، دعماً محلياً واسعاً، مسؤولين محليين قابلين للتعديل. الأمر غير قابل للتطبيق في الدول الإنتقالية العربية، حيث هذه الشروط الأساسية للإصلاح ليست حاضرة بالكامل. بالواقع، نادراً ما تكون تلك الشروط ما تكون متجسدة في أي سياق من سياقات إصلاح القطاع الأمني (SSR)، ما يفسر بالتالي السجل المختلط لبرامج إصلاح القطاع الأمني بقيادة المانحين الغربيين.
في دول كمصر، تونس، وليبيا، التي تمتلك مستويات عالية من القدرات البشرية والمؤسساتية، سيُنصح المانحون بإتخاذ مقاربة حل المشاكل تدريجياً، فالولايات المتحدة وشركائها بحاجة للتجاوب مع طلبات المساعدة بدلا ًمن السعي لتحديد الحاجات وأجندات الإصلاح. هذه المقاربة تعني السماح للنظراء المحليين بالبروز طبيعياً بدلاً من إختيار عملاء من نفس المزاج والرأي، الأمر الذي يحتم، بدوره، الإستعداد للعمل مع مجموعات متنوعة، من مشارب سياسية ومذهبية مختلفة. إن مقاربة كف اليد من هذا النوع، قد يتم تصورها على أنها خطيرة لأنها قد تنتهي بقادة معادين للمصالح الغربية، لكن من الأرجح أن تنتج هذه المقاربة حكومات شرعية بإمكانها تحمل وقيادة الإصلاحات. فمع السياسات المحلية التي لا تزال متفجرة في دول التحول العربي، ينبغي للمانحين العمل على تمكين وتفويض أبطال الإصلاح، تعديل الإسلاميين أو العلمانيين، بدلاً من تصنيعهم. إن المؤشرات الآتية من الحكومة الأميركية الدالة على إستعدادها للعمل مع الإخوان المسلمين هي، وفقاً لذلك، إشارة إيجابية جداً.
وكما دام الدعم الغربي لبعض الأنظمة السلطوية في العالم العربي عدة عقود، ينبغي الفهم أيضاً بأن مساعدات إصلاح القطاع الأمني (SSR) لدول التحول هي عملية طويلة الأمد. ينبغي التخفيف في العواصم الغربية من نبض تصميم مخطط إصلاحي قبل إنجلاء غبار الثورات عن طريق فهم ميوعة الظروف السياسية، الإقتصادية، والأمنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA). هذا وقت الإصغاء، إستجماع الذكاء، وبناء رأسمال سياسي للتأسيس لمرحلة من المساعدات الإصلاحية تكون أكثر طموحاً. من الأساسي أن نسأل الناس المحليين – القادة السياسيين، ناشطي المجتمع المدني، المسؤولين الحكوميين، والمواطنين العاديين – عن نوع المؤسسات الامنية والعدلية التي يريدونها. هذا الأمر سيساعد على تحديد نقاط الدخول الأساسية حيث تكون المساعات الخارجية مطلوبة، وحيث يوجد الإمداد الخارجي، ويكون التقدم ممكناً. هناك بعض نقاط الدخول المحتملة التي بدأت بالبروز أساساً.
الفساد
الفساد أحد القضايا التي على المحك والتي ساعدت على إشعال الربيع العربي. ورغم أنها قضية حساسة سياسياً، فإن هناك إجماعاً عاماً واسعاً داخل المنطقة على أنه ينبغي الإنكباب على معالجة الفساد، المحسوبية، الكسب غير المشروع بأسلوب ما. كما أنه قضية أساسية بالنسبة للمانحين، الذين يريدون ضمان ألا يتم تحويل المساعدات التطويرية عن مسارها أو فقدانها – خاصة بعد إختفاء مليارات الدولارات من المساعدات الأميركية المقدمة الى برامج إصلاح القطاع الأمني (SSR) العراقية والأفغانية، أو أن تنتهي بدعم مجموعات مخربة أو تمرد.
في كل الأحوال، إن التعامل مع موضوع الفساد هو تحد معقد في الحكم، حيث أن كل مجتمع من المجتمعات يرى الفساد ويصنفه بأسلوب مختلف. إن النبض الموجود لدى عدد من المسؤولين الغربيين هو تحديد وتعريف الفساد الكبير (على سبيل المثال، إختلاس النخب السياسية ومسؤولي الحكومة كميات كبيرة من الأموال) وإعتباره أولوية مركزية بينما يعتبرون الفساد التافه في الشارع ( مثلاً، إبتزاز شرطة السير للغرامات من أصحاب الدراجات النارية) أمراً منتشراً جداً ومتأصل بشكل لا يمكن السيطرة عليه، ببساطة. في كل الأحوال، إنه فساد تافه يجعل توزيع خدمات الدولة تتآكل، يقوض الشرعية، ويشجع على نوع من الحنق والغضب الشعبي المزعج من الدولة، غضب  غذى حركات التظاهر في الربيع العربي.
نقول التالي، إن بالإمكان تصور الفساد في بعض دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) كشكل من أشكال إعادة توزيع الثروة وكان له، الى درجة معينة، تأثير في تحقيق الإستقرار. فمن دون آليات ضمان الدولة الفعالة، يفسح الفساد المجال أمام الثروة كي تنساب من خلال المجتمع؛ حيث الإدارة العامة تكون مأجورة بشكل غير ملائم، وحيث الإبتزاز يساعد الموظفين على جعل الغايات تلتقي، يترك الداعمين واقفين في الصف، ويهدئ الإنشقاقات. المشكلة، بالطبع، هي أن هذه الثروة لا تتجه الى الإنسياب بشكل عادل أو متناسب على إمتداد المجتمع، مع وجود الموالين للنظام الذين يمتصون حصة الأسد.
وكما هو الحال في أي مجال من مجالات القطاع الأمني،هناك أهمية وقيمة بالنسبة للمعرفة المحلية. إذ ينبغي للإصلاحيين أن يعملوا على تطوير فهم حاد ودقيق للفروقات الدقيقة المتعلقة باللفساد في البلدان التي يعملون فيها إذا كانوا على وشك صنع إستراتيجات فعالة والإنكباب عليها. بالإمكان تناول عدد من المقاربات التقنية العادية، كالتأسيس لهيكليات محاسبة أكثر قوة وشدة بالإضافة الى ضوابط إئتمانية وموارد إستثمار في أنظمة الدفع والدرجات في الإدارات العامة. من جانبهم، يمكن أن يكون لدى المانحين تأثير مباشر عن طريق المراقبة عن كثب لعمليات إنفاق مساعداتهم المقدمة للحكومات، المنظمات غير الحكومية، المقاولين الخصوصيين، ليضمنوا بذلك ألا يكون هناك سوء توزيع للأموال. إذ يميل المانحون في عدد من هذه السياقات لأن يكونوا جزءاً من مشكلة الفساد.
العدالة الإنتقالية
رغم أن المجلس الوطني الإنتقالي الليبي (NTC) قد صرَّح عن نيته تقليص البصمة الدولية في عمليته الإنتقالية، فإنه طلب بصراحة المساعدة في العدالة الإنتقالية وإصلاح الشرطة. إن التعامل مع جرائم الأنظمة السابقة هو على رأس أجندة الحكومتين الإنتقاليتين في كل من مصر وتونس؛ تم تقديم مبارك ونجليه للمحاكمة الآن، وهناك عدد من كبار المسؤولين يقبعون في السجن الآن. إن العدالة اإنتقالية ليست جزءاً من إصلاح القطاع الأمني (SSR)، لكنها مرتبطة به بشكل معقد. ورغم أن المحكمة الجنائية الدولية قد أشارت الى بعض الطغاة في المنطقة، كالعقيد القذافي ونجله سيف الإسلام، فمن المرجح أن تتم محاكمة القادة السابقين محلياً، كما شاهدنا  في مصر الآن، كجزء من عملية مصالحة وعدالة أوسع. في كل الأحوال، ليس لدى الأجهزة القضائية، حتى الآن، القدرة على تولي تاإهتمام بمستوى ونطاق المتطلبات التخصصية لهكذا عمليات، وهناك تساؤلات جدية وخطيرة في بعض الدول حول نزاهة القضاء. وبعد دعمه لبرامج العدالة الإنتقالية في رواندا ويوغوسلافيا السابقة، يعتبر المجتمع الدولي مؤهلاً لدعم هذه البرامج في دول التحول العربي من خلال الإستشارة والمساعدات المادية. إن الأمر على هذا النحو: وسط دعوات المطالبة بالعدالة، برزت روح الثأر والإنتقام في تونس، مصر وليبيا، ما قد يخلق ربما إنقسامات وخلافات جديدة ويثير العنف في المجتمع. إن العدالة الإنتقالية وبرامج المصالحة مصممة للمساعدة على تفادي حصول هذا الأمر.
هناك جانب آخر للعدالة الإنتقالية المترسخة بعمق في إطار عمل إصلاح القطاع الأمني (SSR) وهو تحري إدارة الدولة. إن التجاوزات التي حصلت في مسألة إزالة البعثيين في العراق، التي حرمت الدولة العراقية من القدرة البيروقراطية الحيوية خلال الأيام الأولى المتفجرة من عملية إعادة البناء، توضح مخاطر محاولات تطهير الدولة والمجتمع من نفوذ النظام القديم.هناك حاجة لعمليات شديدة التدقيق لإزالة الطاقم الغير مناسب والملوث من دون إثارة الإستياء والغضب أو ترك فجوات كبيرة في توزيع الخدمات. ففي تونس، برزت قائمة مخصصة من المسؤولين ذوي العلاقات مع الحزب الحاكم السابق تحظر عليهم المشاركة في الحياة العامة. وحصل التطهير في كل الوزارات والإدارات في مصر، بناء على قائمة مخصصة مماثلة أيضاً. ينبغي فرض سيطرة أكبر على تلك العمليات خشية أن تؤدي الى خلق أقلية جديدة متضررة ومضطهدة مستعدة للجوء الى العنف. إن إستقرار التحول مسألة تعتمد على قدرة الحكومة الجديدة على المساومة والتكيف مع أعضاء النظام القديم – أمر لا يبدو محتملاً في هذه المرحلة.
إن فكرة العدالة، وأهميتها في نفوس الأفراد والجماعات، غالباً ما يساء تقديرها في برامج إصلاح القطاع الأمني (SSR). هناك فرضية تقول بأنه إذا أعطي اناس الأمن الأساسي فسيكونوا مشبعين، لكن من دون إمكانية الوصول الى العدالة، سيشعر الفاعلون المحليون بعدم الرضا وسيكونوا مجبرين على إيجاد العدالة من خلال خيار الحلول الفردية ولجان الأمن الأهلية والآليات القضائية غير الحكومية.إن دعم العدالة الإنتقالية يوفر أساساً جيداً لإصلاح قضائي طويل الأمد، غالباً الإبن العم المتواضع لعائلة إصلاح القطاع الأمني (SSR) لكن الذي لا غنى عنه في المشروع. إن تطوير قدرة المحاكم والمهنية سيزود العدالة بما هو لازم لمحاكمة مسؤولي النظام السابق وأداء وظيفتها الأساسية بدعم سيادة القانون. كما سيضع باقي القطاع الأمني على أساس صلب ومتين. بعد كل شيئ، إن الشرطي المسؤول عن الضرب ليس أكثر من عميل من دون هدف في غياب نظام قضائي فاعل.
إصلاح الشرطة
في مصر، ذابت الشرطة بعد إنهيار نظام مبارك. فبعد أشهر، لا يزال يفترض بعدد من رجال الشرطة العودة الى وظائفهم، وهناك قدر لا بأس به من البنى التحتية التابعة للشرطة التي هوجمت  خلال التظاهرات لا تزال في حالة يرثى لها. تواجه مسألة إصلاح الشرطة مهمة مزدوجة لجهة  إستعادة خدمات الشرطة الأساسية في الوقت الذي يتم في إطلاق عملية طويلة الأمد لإجراء تحويل في ثقافة قوات الشرطة. وبينما تحتاج الشرطة الى دعم مادي، تحدبداً لإعادة بناء البنى التحتية، فإن حاجتها الأساسية والجوهرية تكمن بالتركيز الجديد، الإجراءات، والثقافة المؤسساتية، أمور لا يمكن إنجازها من دون إصلاح وزارة الداخلية التي تشرف على الشرطة وتوجهها. تميل إستراتيجية التدريب والتجهيز الى إستشراف الحاجات المطلوبة للحكم وللإصلاحات المؤسساتية داخل الوزارات الأمنية، لكن حتى أكثر رجال اشرطة إحترافية في العالم سيوف يكونوا في حالة من الضغط الشديد أثناء أداء عملهم بفاعلية إذا كانت وزارة الداخلية غير فعالة، مسيسة، وفاسدة. إعترافاً بهذا الأمر، دعا المجلس الإنتقالي الوطني الليبي الى ' المساعدة في قطاع الشرطة لجعل الوضع الأمني العام تحت السيطرة والتطوير التدريجي لقوى أمن عام محاسبة ديمقراطياً'.
    يتجه إصلاح الشرطة عبر بلدان التحول العربي لأن يكون مرتعاً خصباً للتدخل الخارجي أكثر منه للإصلاح العسكري. فقد إحتفظ الجيشان في مصر وتونس بقوة وإحترام عام هام، نوع من الدور البرتيوري (الجندي في الحرس الإمبراطوري الروماني) بالنسبة للدولة، ما أعطائهم القدرة على مقاومة الإصلاحات. كما تميل الجيوش في عدد من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لأن تكون الأكثر إحترافية وفاعلية في القطاع الأمني، برغم تورط هذه الجيوش في ممارسات القمع والفساد. ففرق تدريب الضباط مؤلفة من نخب متعلمة كان لديها فرص التدرب في الخارج. بالمقابل، يتم تجنيد رجال الشرطة محلياً على الأرجح، ولديهم مستوى تعليمي متواضع، وغير مدربين. ونظراً الى أن قوات الشرطة هي الواجهة الرئيسة الموجودة ما بين الدولة والمجتمع، فإنه ينبغي أن يكون لتحولها الأولوية العالية في المراحل الأولى من العملية الإنتقالية.
عند إتخاذ القرار بشأن التركيز على الشرطة، ينبغي للولايت المتحدة والحكومات المانحة الأخرى مقاومة الإلحاح على توجيه مساعدات إصلاح القطاع الأمني (SSR) من خلال الجيشين في مصر وتونس: كان الجيش المصري، رغم  أنه متردد نوعاً ما بأن يحكم، جزءاً مركزياً من الدولة والحياة السياسية الوطنية منذ ثورة 1952. حتى أن البعض سمى الإطاحة بمبارك إنقلاباً عسكرياً ذي وجه مدني، بما أن الجيش كان مهتماً وقلقاً لبعض الوقت بشأن خطط الخلافة ( خلافة مبارك) وقد يكون إستغل الشغب كي يتصرف ( أو عدم التصرف لصالح مبارك). وفي حين يُعد هذا تبسيطاً جداً في تفسير سلسلة الأحداث المعقدة والدرامية التي أدت الى سقوط مبارك، فإنه يجسد المكانة البارزة التي يحتفظ بها الجيش في المجتمع المصري. إن الإعتماد المفرط على الجيش يضعف أو يقوض بشكل محتمل إحدى المبادئ الرئيسة والجوهرية لعملية إصلاح القطاع الأمني (SSR) – السيطرة المدنية الديمقراطية – ويمكن أن يشجع  الجيش على الإمساك بالسلطة ومقاومة الإصلاحات الجوهرية. ففي حين أنه قد يبدو بأن تناول مقاربة تكون مركزيتها الجيش أمراً مناسباً بالنسبة للمانحين، ما يقدم الطريق الأسرع للإستقرار وحماية المصالح الغربية، فإن بإمكانه العودة، بمرور الوقت، الى الوضع الذي كان قائماً قبل الربيع العربي. ينبغي للمانحين أن يظلوا مدركين الى أن حتى الفاعلين الذين يملكون نفس الميول المشتركة ( نفس المزاج والرأي) والذين يقولون كل الأمور الصحيحة لديهم دوافع متضاربة تتعلق بالإستمرارية والتغيير. فالجيش سيكون في كل تحول من هذه التحولات متحفظاً إزاء التخلي عن مكانه الأساسي في الدولة، الحياة السياسية، وفي حالة مصر، في الحياة الإقتصادية. هذا لا يعني القول بأنه لا ينبغي للفاعلين الخارجيين العمل عن قرب وبشكل وثيق مع المؤسسات العسكرية في المنطقة؛ عليهم فقط توسيع مشاوراتهم وشراكاتهم لتشمل الجهات المعنية وأصحاب الشأن الأساسيين الآخرين، تحديداً الفروع الأخرى للبناء الأمني والعدلي، ناشطي المجتمع المدني، الأحزاب السياسية، والنخب التقليدية.
المجتمع المدني
إن خليطاً إنتقائياً من جماعات المجتمع المدني، بدلاً من أحزاب سياسية محددة، فصائل عسكرية، أو فاعلين خارجيين، هو الذي سيَّر التظاهرات في الشرق الأوسط؛ لقد كانت حركات شعبية بغالبيتها مع دعم مختلف من النخب الداخلية والراعين الخارجيين، ويمثل إصرارهم غير المسبوق فرصاً ومآزق محتملة في نفس الوقت بما يتعلق بالتحول الجاري والداعمين الخارجيين له. لقد أصبحت جماعات التظاهر، المتشجعة بإنتصاراتها، أكثر تصادمية وصراحة بالتعبير مع كل شهر يمر، بتحديها الثابت والمستمر لإجراءات وشرعية الحكومات الإنتقالية والمؤسسات الأمنية، والتي تميل من جانبها الى النظر للفاعلين السياسيين غير الحكوميين بعين الريبة والشك. ففي مصر، سبق للتوترات أن برزت بين الناشطين الشباب ومجلس القيادة العسكري حول سرعة وإتجاه التغيير السياسي. إن الشباب المصري متعلم، متحررمن الأوهام، ويرتاب بأي شخص مرتبط بالنظام السابق.
الجزء المركزي في أجندة إصلاح القطاع الأمني (SSR) يتعلق بتمكين المجتمع المدني من لعب دور منتج ومثمر في المجال الأمني وإعادة تركيب شبكة أسلاك جديدة للدولة للتفاعل بشكل بناء مع المجتمع المدني، بالتشديد على الشفافية وشراكة الدولة والمجتمع. فمن خلال الثقافة المدنية، التدريب الرسمي، ونشاطات التواصل المجتمعية، من بين مبادرات أخرى، بإمكان الفاعلين الخارجيين المساهمة بشكل بارز في تخفيض علاقة التوتر الموجودة بين الدولة والمجتمع. قد يكون من الأفضل للحكومات المانحة العمل من خلال جماعات المجتمع المدني الخاصة بهم، سواء أكانت مؤسسات أكاديمية أو منظمات غير حكومية ذات تركيز عالمي، لتنفيذ التغيير، رعاية وتعزيز شبكات المجتمع المدني الدولي لتقاسم الخبرات وتطوير الممارسات على أفضل وجه ممكن. أما بما يتعلق بالدور المهيمن للشبكات الإجتماعية العاملة في الربيع العربي، فإن بإمكان المانحين تركيز إهتمامهم على توسيع قدرة جماعات المجتمع المدني للإستفادة من تكنولوجيا الشبكة العنكبوتية 2.0 للدفع بالتغيير أكثر وإخضاع الحكومات للمحاسبة.
السيطرة المدنية الديمقراطية
إن السيطرة المدنية الديمقراطية على  القوى الأمنية هي إحدى الأهداف الرئيسة لإصلاح القطاع الأمني (SSR). إذ تميل معظم المجالس التشريعية في الدول العربية لأن تكون أختاماً مطاطية لقرارات تنفيذية بدلاً من أن تكون مدققاً حقيقياً يراقب السلطة التنفيذية. على سبيل المثال، يخول القانون المصري البرلمان إشتراط إشراف ومراقبة القطاع الأمني ويمكِّنه من إستجواب الوزراء، لكن البرلمان نادراً ما مارس سلطات من هذا النوع بظل عهد مبارك، هذا إن كان مارسه أصلاً من قبل. ومع الإنتخابات الجديدة التي تلوح في الأفق والرغبة الملموسة والواضحة في أوساط الشعب بحكومة ومجلس تشريعي أكثر تجاوباً مع مطالبها، يبدو بأن هناك مجالاً لتمكين البرلمان من القيام بمراقبة أفضل للقطاع الأمني ومحاسبته. هذه المحاسبة يمكن أن تشتمل على سلسلة من المشاريع المدعومة من قبل مانحين، بدءاً من زيادة القدرة المؤسساتية للبرلمان من خلال بناء البنية التحتية والأنظمة وصولاً  الى تدريب المشرعين وتوجيههم.
المبادئ التوجيهية
كما ذكر آنفاً، إن الإنكباب على المتطلبات المحلية يتطلب فهم متطور للديناميات السياسية المحلية، التاريخ، والثقافة التي يفتقر إليها الإصلاحيون غالباً. ينبغي للمانحين الإستثمار في تطوير هذه المعرفة السياقية والوعي الظرفي؛ وإلا فإن برمجتهم ستكون مستندة الى أساس ضعيف. ينبغي لعدد من المبادئ الأساسية، المقتبسة من صميم إطار عمل إصلاح القطاع الأمني (SSR) لدول التحول العربي، توجيه الدعم  الخارجي لإصلاح القطاع الأمني.
الوجه الدولي
بدلاً من أن يقوم كل مانح من المانحين بإنشاء برامج ثنائية إفرادية بشأن إصلاح القطاع الأمني (SSR)، ينبغي للمانحين الخارجيين العمل من خلال كيان دولي، كالأمم المتحدة. إن وجه الأمم المتحدة سيصبغ المهمة بشرعية أكبر، داخل دول التحول العربي وفي أوساط مجتمع المانحين. لقد سبق للأمم المتحدة أن صاغت دوراً قيادياً في التحول الليبي الأولي مع دعم كامل من المجلس الإنتقالي الوطني الليبي. ومع الإرث السلبي لدعم الدول الغربية للديكتاتوريات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن إعطاء جهود المساعدات  واجهة أكثر حيادية سيكون أمراً مفيداً على الأرجح. بإمكانه أيضاً تسهيل وجود تنسيق أكبر بين المانحين، مشكلة موجودة دائماً في التحولات المعقدة.
بناء على الطلب
حتى عندما يؤثر الفاعلون الخارجيون على الفاعلين المحليين لإتخاذ طرق إصلاح معينة، فإنه ينبغي للشراكة الخارجية أن تكون بناء على الطلب، بناءً على طلبات للمساعدة من شركاء البلد المضيف، بشكل دقيق وصارم. غالباً جداً ما تكون برامج إصلاح القطاع الأمني (SSR) تسيرها الإمدادات– ما يعني المصالح الغربية والموارد المتوفرة – بدلاً من أن تسيرها الحاجات المحلية. إن مقاربة كهذه لا تعتبر مستدامة. إن دول التحول العربي تقي ثوراتها بشكل بالغ بحيث أن بإمكان أي ظهور للإستغلال أن يقوض كامل الجهود حتى ويؤدي الى إنتكاس العلاقات مع المانحين. هذا يعني أن من اواضح أيضاً بأن دول التحول العربي تريد مساعدة المانحين. وكانت الولايات المتحدة قد سبق لها وأرسلت فرق تقييم الى تونس ومصر، وزار كبار ضباط الشرطة التونسية الولايات المتحدة لمناقشة خيارات الإصلاح المحتملة. كان المجلس الإنتقالي الوطني الليبي صريحاً بشأن رغبته الحصول على الدعم الدولي، مقدماً خططه الى مجموعة الإتصال الدولية لأجل ليبيا، حتى ولو  كان يفضل مخططاً دولياً محدوداً. ينبغي على الفاعلين الخارجيين إيجاد أرضية مشتركة بين المطالب العربية وإمدادات المانحين ونقاط الإلتقاء بين مصالحهم. إن إيجاد هذه المساحة – الموجودة فعلاً ـ يتطلب تقييمات مشتركة جيدة بقيادة فاعلين محليين، بشراكة كل من الدولة والمجتمع المدني. بإمكان تقييمات البلد المانح والمتلقي المساعدة على ضمان ألا تكون نقاط الدخول الإصلاحية والأهداف واقعية فحسب، وإنما أن تكون لديها شارين محليين ومانحين لها.
مقاربة حل المشاكل بناء على المشروع
إن البيئتين السياسية والأمنية المائعتين والمتفجرتين في المنطقة لا تساعدهما على وضع جداول زمنية صارمة إضافة الى خطط إصلاحية طويلة ممتدة. ففي وقت مبكر من فترة التحول، ينبغي إطلاق مشاريع ذات تأثير سريع لإنتاج إصلاحات ملموسة تلبي حاجات محددة، تنكب على مشاكل ملحة، وتبني الثقة المحلية بالعملية. إلا أن هناك حاجة لمقاربة متدرجة لإصلاح القطاع الأمني (SSR) لتطوير الثقة المحلية بشكل متزايد. ينبغي للمانحين ألا يحصروا أنفسهم بخطط إصلاحية محددة بشدة الى حين إنجلاء الغبار السياسي ويكون هناك إجماع عام بين أصحاب الشأن والجهات المعنية. ينبغي للمانترا (الشعار) أن تكون البدايات الصغيرة ومن ثم توسيع النطاق.
إن أفضل وصف لتحول الثقافات المؤسساتية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) هو المشروع الجيلي. وكجزء من هذه الرؤية الطويلة الأمد، ينبغي للمانحين السعي الى إنشاء مبادرات مرنة ودائمة. بالإمكان تأسيس مواقع التدريب الدائمة وطنياً وإقليمياُ لتدريب أجيال المستقبل من طواقم العمل العربية وفق معايير ديمقراطية. إن الروابط الندِّية والتبادلات المهنية بين مسؤولين أمنيين وقضائيين عرب وغربيين يمكن أن ينتج أرباحاً ومكاسب هامة بمرور الوقت. يقدم الحوار التعليمي العسكري الدولي – الأميركي نموذجاً لنشاطات من هذا النوع، لكن ينبغي توسيعه ليطال أجزاء أخرى في المجالين الأمني والعدلي، بدءاً من القضاة، المدَّعين العامين، محامي الدفاع وصولاً الى الضباط والمشرِّعين.
التحرك ما وراء خطاب الحرب على الأرهاب
صيغ قدر عظيم من المساعدات الأمنية المقدمة للدول العربية في خطاب الحرب على الإرهاب. فالولايات المتحدة وحلفائها دعموا مبارك، بن علي، ورجال إقليمين أقوياء آخرين لأنهم كانوا متراساً ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة. وبينما لا يزال إحتواء الإرهاب الإسلامي الأصولي أولوية عالية بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، لا تجد هذه الرسائل صداها لدى الشعوب العربية وستكون مرتبطة بالأنظمة المفلسة الماضية. إن الدول العربية المستقرة ذات القطاعات الأمنية الفعالة، المحاسبة ديمقراطياً، والتي تحترم حقوق الإنسان هي التي ستقدم الترياق الأفضل للإرهاب.
قد يكون مطلوباً تقديم بعض الدعم للبنى التحتية لإصلاح أضرار المرافق أو تحديثها، إلا أن الحاجة الرئيسة هنا هي المواد المعدة للإستخدام وليس الخردوات. إن معظم دول  الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) تسعى الى تغيير أنظمتها الأمنية الموجودة لكن المحطمة بدلاً من بناء أنظمة جديدة من الصفر. وبذلك، فإن من بين المجالات الأكثر حاجة للمساعدات هنا التدريب، الإصلاح المؤسساتي، عدم التسييس، التحري والتدقيق، وتشكيل أنظمة لتعزيز المحاسبة والشفافية. سيكون هنك دوماً طلبات للحصول على منظومات أسلحة جديدة وأحدث المعدات، لكن ينبغي على المانحين أن يضعوا في إعتبارهم الأولوية البالغة لتغيير الطريقة التي تقوم بها هذه القطاعات الأمنية بعملها.
الإنخراط السياسي
إن إصلاح القطاع الأمني (SSR) أمر سياسي بصلبه، والمقاربات التكنوقراطية المفرطة لن تنجح. وفي حين أن المساعدات التقنية تشكل العمود الفقري لبرنامج إصلاح القطاع الأمني (SSR)، فإنه ينبغي تأطيرها لتكون ضمن إستراتيجية سياسية. فبرنامج الإصلاح الأميركي في السلطة الفلسطينية صنع تقدماً بسبب الإنخراط المباشر للرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض. وكان هناك مبادرة أميركية ناجحة لتأسيس حرس سواحل في اليمن نتجت عن الحوار الدقيق والحذر مع مسؤولين يمنيين وصولاً الى الرئيس علي عبد الله صالح.
إن تحقيق التحول في القطاع الأمني الذي يريده عدد من الناشطين العرب يتطلب فاعلين خارجيين لإستثمار رأسمال سياسي هام في العملية. هذا يعني الدخول في حوارات سياسية مع سلسلة من الجهات المعنية، بدءاً من ناشطي المجتمع المدني وصولاً الى النخب التقليدية، وإستخدام الثواب والعقاب لتشجيع الإصلاح والإلتزام بجوهر مبادئ إصلاح القطاع الأمني (SSR). الأمر يتعلق بتمكين أبطال الإصلاح، إحتواء المخربين، وإقناع الجميع بأن العملية تقع ضمن مصالح البلد الواسعة. لن يتم النظر الى المانحين، بالتأكيد، على أنهم محايدون سياسياً، لذا عليهم إبقاء خطوط التواصل مفتوحة مع كل الأفرقاء في العملية.
إن الإنخراط في العملية سياسياً يتطلب وعياً ظرفياً، معرفة سياقية جيدة، وفطنة ديبلوماسية. إذ أن نشر الخليط الصحيح من الناس على الأرض بهذه السمات والخصائص أمر حاسم. ينبغي أن يكون هناك تمثيل لخبرة إصلاح القطاع الأمني (SSR) الجغرافية، المحددة القطاع، وعلى نطاق المنظومة في مهمات إصلاح القطاع الأمني (SSR). قد لا يكون لدى المسؤولين السياسيين في البلد الوقت للإنخراط بالكامل في تعقيدات برنامج إصلاح القطاع الأمني (SSR)، لكن من المهم بالنسبة لهم الإنخراط سياسياً، مشيرين الى الإتجاه بحسب الضرورة. كما أن مدراء البرنامج، من جانبهم، بحاجة الى إمتلاك موقف وسلوك لبق إضافة الى مقاربة المفاوض.
الصلة بالتطوير والنمو الإقتصادي   
في دول التحول العربي، تقترن الظروف الإقتصادية البائسة مع التوجهات الديمغرافية المشؤومة. فنسب البطالة العالية والأسعار المرتفعة للسلع الأساسية في بلدان تواجه إنتفاخاً شبابياً يعتبر خليطاً خطيراً، وأحد العوامل المساهمة بالثورات التي لا تزال تكتسح المنطقة. إن المساعدات والإستثمارات مسائل ضرورية للتخفيف من المعاناة المباشرة وتحفيز النمو الإقتصادي. في كل الأحوال، وعلى المدى الطويل، سيعتمد إزدهار هذه الإقتصادات على قدرتها على الشروع بإصلاحات بنيوية أساسية. ورغم أنه يتم تصور إصلاح القطاع الأمني (SSR) من الناحية المعيارية على أنه أحد أعمدة بناء الدولة الأوسع الأساسية وأحد مشاريع الدمقرطة، فإنه يميل لأن يعامل من قبل ناشطي الإصلاحات والتطوير على أنه برنامج متسارع مستقل قائم بذاته. هذه المقاربة محل إشكال، نظراً لأن مفهوم (SSR) برز من تنمية المجتمع وهو متجذر بمبادئ وممارسات التطوير. إن تزايد إنخراط البنك الدولي ومنظمة التعاون والتطور الإقتصادي (OECD) في قضايا SSR يوضح أهميته بالنسبة للتعافي الإقتصادي؛ بعد كل شيئ، إن أساسه المنطقي الأولي هو التمكين في مجال  التطوير المستدام والنمو الإقتصادي.
ينبغي جعل الرابط بين التطور الإقتصادي وإصلاح القطاع الأمني (SSR) صلباً في دول التحول العربي. فقضايا التوظيف وتطور البنى التحتية ينبغي أن تؤخذ بالحسبان في برمجة إصلاح القطاع الأمني (SSR)، بما أن القطاع الأمني هو، نمطياً، المشغل الرئيس وبالإمكان إشراكه في إنشاء البنى التحتية. أما النظام القضائي، من جانبه، فيقدم إطار عمل وبيئة تنظيمية يعملان على إرساء إقتصاد ناجح. بإمكان المانحين إستخدام الحوافز الإقتصادية، كالإتفاقيات التفضيلية بشأن التجارة، العمل، الجمارك، في مقابل العمل على أولويات إصلاح القطاع الأمني (SSR). إن العمل على ربط الأجندات الأمنية والإقتصادية، في ضوء الإضطراب الإقتصادي للمنطقة، يمكن أن يحفز على التغيير ويبلور صلاتاً تكافلية ما بين الأمن، الحكم الرشيد، والإزدهار الإقتصادي في أذهان الفاعلين المحليين.
الفاعلون غير الحكوميين
تماماً كما أن المانحين هم بحاجة الى توسيع تفاعلهم مع أصحاب الشأن والجهات المعنية التي تتخطى النخب العسكرية لضم المجتمع المدني، فإن عليهم أيضاً إشراك فاعلين وهيكليات من خارج الدولة. هذا التفاعل هام، تحديداً، في ليبيا، حيث بإمكان الكيانات غير الحكومية، كالقبائل، توفير الأمن والعدالة ويُنظر اليهم من قبل السكان المحليين على أنها أكثر شرعية وفعالة أكثر من الدولة. إن مجتمعات التطوير ومجتمعات (SSR) واعية على نحو متزايد لمكاسب تشجيع العلاقة التعزيزية المتبادلة بين الدولة وسلطات غير حكومية.
برغم ذلك، فإن مفهوم (SSR) منحاز بإتجاه هيكليات وطنية مركزية بدلاً من إنحيازه الى مؤسسات وآليات حكم على المستوى المحلي، والتي تميل لأن تكون موضع توزيع الخدمات الرئيس. وبما أن الربيع العربي كان، جزئياً، رد فعل على اللامركزية المفرطة وعلى تراكم السلطة بإيدي مجموعات نخبوية ضيقة، فإن من المنطقي أن تكون ربما لمقاربة المركزية الشديدة تجاه التحول نتائج عكسية. ينبغي للمانحين الموازنة بين التأكيد على المؤسسات على المستوى الوطني مع إيلاء الإهتمام لتوزيع الخدمات على المستوى المحلي. يتحمل المانحون مسؤولية تشجيع عملية شاملة والحذر من تجاهل الفاعلين والمصالح على المستوى المحلي، ما يمكن أن يعزز فكرة المركز والهامش المدمِّرة أو الإنقسامات الحضرية – الريفية.
العوائق، التحديات، والمخاطر
هناك عدد من العوائق، التحديات والمخاطر المتمايزة بخصوص الإنخراط الدولي في عملية إصلاح القطاع الأمني (SSR) في بلدان التحول العربي. فالثورات في المنطقة تقدم فرصة للتغيير السياسي الديمقراطي وبداية جديدة للعلاقة ما بين منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ( MENA) والغرب. إلا أن النجاح غير مضمون بأي حال من الأحوال، والإنتكاسات المزعزعة للإستقرار مؤكدة تقريباً. فهناك عرض كامل لفوضى هكذا تحولات الآن في مصر، حيث التوترات الطائفية والسياسية تتصاعد والرغبات المزدوجة بالتغيير السريع والإنتقام بسبب الجرائم الماضية تسبب التفجر. ينبغي للحكومات المانحة أن تقيِّم بوضوح مخاطر الإنخراط وتطور إستراتيجيات للتخفيف منها.
إرث المساعدات الغربية
بالنسبة للشعوب في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن إرث الرعاية الغربية لعدد من الديكتاتوريات العربية، بما فيها تلك التي لمبارك، بن علي، وحتى القذافي، يتحدى مصداقية وشرعية دعم برنامج إصلاح القطاع الأمني (SSR) الغربي. لقد بقيت المساعدات العسكرية الأميركية لمصر ثابتة على الـ 1.3 مليار دولار منذ العام 1998 وهذا المبلغ يغطي 80 بالمئة تقريباً من كلفة مشتريات الأسلحة للجيش المصري. وقامت الولايات المتحدة وتونس، بإنت

موقع الخدمات البحثية