مواد أخرى » المتكيف: سياسة أوباما الخارجية

بقلم كولن دويك
Policy Review
1 تشرين أول ، 2011
التنازل كثيراً في خط الهجوم، الحصول على القليل في المقابل
بعد ثلاث سنوات تقريباً من وجوده في الإدارة، لا يزال المراقبون يناقشون طبيعة مقاربة السياسة الخارجية الشاملة للرئيس أوباما. ما هي "عقيدة أوباما"؟ يقول البعض إنها سياسة الإنخراط الدولي. البعض يشير الى ليبيا، ويعرض الى أن عقيدة أوباما هي التدخل الإنساني التعددي بأدنى حد ممكن من الكلفة. البعض ينظر الى القيود المالية اليوم ويقول بأن الأمر كله متعلق بالإعسار. البعض يصف عقيدة أوباما بأنها نسخة عن واقعية القوى العظمى التقليدية، الآتية بعد المثالية الدينية التي إتسمت بها سنوات بوش. يرد البعض بأن ليس لدى أوباما إستراتيجية سياسة خارجية – بأن يصنعها، ببساطة، وهو ماضِ في طريقه.
إن لكل تفسير نواة من الحقيقة، لكن كل تفسير ناقص وفيه عيوب خطيرة أيضاً. فباراك أوباما لديه بالفعل إستراتيجية سياسة خارجية شاملة، بالعودة الى السنوات العديدة الماضية برغم الثورات الأخيرة، إلا أن المبدأ التنظيمي الأساسي لهذه السياسة  ليس الإنخراط، ولا التدخل، ولا الإعسار، ولا الواقعية بحد ذاتها. إن محور إستراتيجية السياسة الخارجية الشاملة لأوباما هو مفهوم التكيف.
فالرئيس يعتقد، تحديداً، بأن بالإمكان تكييف المنافسين الدوليين بواسطة المثال الأميركي وعن طريق قيادته الشخصية التكاملية الخاصة به. المشكلة ليست بأن ليس لدى أوباما إستراتيجية كبيرة. المشكلة هي أن الإستراتيجية لا تعمل.
إستراتيجية أوباما الكبيرة
 إن أية إستراتيجية كبيرة أو إستراتيجية سياسة خارجية شاملة تقوم بأشياء عديدة. أولاً، إنها تحدد الأهداف أو الغايات الوطنية. ثانياً إنها تحدد وتعرِّف أدوات السياسة أو الوسائل التي سيتم بها مواصلة القيام بالأهداف الوطنية. هذه الأدوات قد تتضمن، على سبيل المثال، إلتزامات ديبلوماسية، تدخلاً عسكرياً، مساعدات خارجية، و / أو عقوبات إقتصادية. إن أية إستراتيجية قابلة للحياة ينبغي أن تضمن تطابق تلك الوسائل والغايات جيداً.
ينبغي ألا تتخطى الإلتزامات القدرات. مع ذلك ، فإن الإستراتيجية - دعونا نقول، على خلاف النحت – تقر وتعترف بأن أهدافنا هي أجسام متحركة، ذات قدرة على الرد، صنع خيارات، والقتال مرة أخرى. بالنتيجة، ينبغي على إستراتيجيي السياسة الخارجية الفعالة الضرب على وتر التوازن الناعم. فمن جهة، هم بحاجة لمعرفة ما يريدون. ومن جهة أخرى، ينبغي عليهم أن يكونوا مرنين من حيث كيفية مواصلتها تماماً، نظراً للمفاجآت الحتمية الناتجة عن النكسة من قبل فاعلين آخرين ضمن النظام الدولي.
بالإمكان الإستدلال على غايات ووسائل إستراتيجية السياسة الخارجية لأوباما من خلال أفعاله وكلماته، التي كانت متسقة ومنسجمة، بشكل واسع، منذ إنتخابه للبيت الأبيض. بداية، إن إهتمامه السياسي الرئيس ليس المجال الدولي على الإطلاق، وإنما المجال المحلي. فالدافع الرئيسي لأوباما ليصبح رئيساً، كما قال، لم يكن، ببساطة، إنتخابه، وأقل منه بكثير التركيز على العلاقات الخارجية، وإنما كان "إعادة صنع أميركا ". فهو يهدف الى إنجاز إصلاحات ليبرالية أو تقدمية مثيرة في مجالات سياسية عديدة كالرعاية الصحية والتنظيم المالي، وقد سبق وفعل.
هذا التركيز على إصلاحات محلية ليبرالية له تعقيدات عديدة بالنسبة لإستراتيجة أميركية كبيرة، كما يعرف أوباما جيداً. أولا، إنها تعني بأنه ينبغي تحويل موارد، من الناحية النسبية، من نفقات الأمن القومي الى نفقات إجتماعية وإقتصادية محلية – تحول مرئي واضح في الموازنات الفيدرالية الأخيرة. ثانياً، إنه يعني تجنب التقاتل السياسي بين الحزبين حول الأمن القومي، الأمر الذي قد ينتقص من الرأسمال السياسي الشامل لأوباما. ثالثاً، إنه يعني بأن التشابكات الدولية الجديدة المكلفة المحتملة ينبغي تجنبها في معظمها. أحياناً تكون هذه الضرورات الثلاثة على علاقة توتر مع بعضها البعض. على سبيل المثال كان أوباما، في خريف عام 2009، منجذباً نحو البدء بإخماد الإشتباك العسكري الأميركي في أفغانستان، وأراد مع ذلك في نفس الوقت تجنب الظهور ضعيفاً بشأن مسألة الإرهاب. لذا لقد رسا على مقاربة تدعو الى تصعيد أميركي مؤقت في أفغانستان، حُل بفك الإرتباط اللاحق بدءاً من تموز 2011. تلك المقاربة بالكاد كانت الأمثل عسكرياً، لكنها كانت السياسة الأقل سوءاً بالنسبة لأوباما في المصطلحات السياسية المحلية نظراً لأولوياته الشاملة. وكما هو الحال مع بعض الرؤساء السابقين، كريتشارد نيكسون، فإن تحولاً كاملاً بإتجاه تخفيض النفقات الإستراتيجية الأميركية يُقنَّع بتصعيدات عسكرية مؤقتة أو قصيرة الأمد. لذا، فالأمر يحصل مع أوباما. في كل الأحوال، إن السبب المركزي الحالي للرئيس لتخفيض النفقات الدولية، ليس الإعسار الإقتصادي الأميركي بحد ذاته، بما أنه قد أضاف فعلياً الى ذلك الإعسار بأسلوب دراماتيكي، لكن السبب، الى حد ما، هو الهاجس بأن تؤدي النزاعات والمناقشات حول الإلتزامات الخارجية والأمن القومي الى الإنتقاص من المال، الوقت، والإهتمام بأجندته الإصلاحية المحلية الطموحة. مرة ثانية، إن المضمون الرئيس لهواجس من هذا النوع في حالة أوباما هو التشديد الكامل على تخفيض النفقات الدولية والعسكرية، برغم التعديل الملطف لهذه السياسة بسبب النقد المحلي الإستباقي من صقور السياسة الخارجية.
يمكن الإستدلال على الغايات والوسائل الرئيسة لإستراتيجية السياسة الخارجية لأوباما من أفعاله ومن كلماته.

إن الجدل السياسي المحلي حول تخفيض النفقات الدولية متطابق ومستكمل، في ذهن أوباما، بحالة فلسفية حقيقية لأجل موقف أميركي أكثر تكيفاً في الخارج. فبحسب كل الظواهر، يعتقد أوباما بإخلاص، وقد قال ذلك تكراراً على مدى سنوات، بأن على الولايات المتحدة أن تكون أكثر تكيفاً  تجاه منافسيها وأخصامها المحتملين عبر البحار– التكيف مع مصالحهم، وجهات نظرهم، ورغباتهم. أما السبب فهو أنه من خلال التكيف، بالإمكان تحويل هؤلاء المنافسين المحتملين، إن لم يكن الى أصدقاء فإلى شيئ آخر غير الأخصام في الحد الأدنى. على الأقل هذا ما يؤمن به أوباما.  يمكنه بالطبع أن يكون بارد الدم عند قيامه بحسابات قصيرة الأمد أو تكتيكية بما يتصل بأعداء واضحين وموجودين لأميركا. فبعد كل شيئ، هذا رئيس إصطاد أسامة بن لادن وصعَّد إستعمال ضربات الطائرات من دون طيار– عمليات قتل إستهدافية بشكل أساسي – ضد إرهابيين مشتبه بهم في باكستان. إذن هناك، وبوضوح، فاعلون دوليون معينون أو فاعلون عابرون للبلدان الذين هم من وجهة نظر أوباما لا يمكن التوفيق بينهم وبين القيم والمصالح الأميركية الجوهرية. وتظهر الفرضية وكأن أية دولة – قومية بإمكانها، عملياً، الإنخراط بنجاح، في هذه السياسة بصرف النظر عن نوع النظام. فحتى طالبان، بحسب ما أخبرنا من قبل عدد من مسؤولي الإدارة،هم ساندة مليئة بالناس الذين بالإمكان سلخهم عن الحركة من خلال مفاوضات ديبلوماسية والتكيف مع التصاميم الأميركية فقط إذا كان لدينا الشجاعة للقيام بذلك.
هذا الإيمان بإحتمالات الإنخراط الديبلوماسي التي لا نهاية لها تعكس قناعة أعمق من جانب الرئيس وداعميه. فأوباما، في صميم قلبه، لا يؤمن فعلاً بأن الصراع يتعلق بجوهر السياسات العالمية. على العكس، إنه يؤمن بأن التعاون الدولي الحقيقي والشامل أمر ممكن، إذا ما كان بإمكان الخصوم الواضحين تعلم الإستماع للآخر والتكيف معه. علاوة على ذلك، لديه صيغة خصائصية خاصة جداً لنشر وتعزيز تعاون كهذا – نموذج يبدو بأنه أول ما تتطور بالكامل في شيكاغو كمنظم مجتمع. الأمر ليس عبر الآليات الأميركية التقليدية والليبرالية الكلاسيكية كالترويج الجرئ للديمقراطية أو الترابط الإقتصادي عبر البحار. بالأحرى، إنه من خلال التكيف المتبادل للمصالح، بقيادة المثال الأميركي.
ما يعنيه هذا هو أن في حالة علاقة الخصومة الجزئية أو حتى العدائية مع بلدان أخرى، فإن الولايات المتحدة بظل حكم أوباما تمتد وتصنع بعض التكيف أو التنازلات المبدئية، مع توقع تنازلات متبادلة. في هكذا حالات، فإن " القيادة الأميركية" أو " الإقتياد بالمثال" تعني ، بشكل أساسي، تولي القيادة في صنع التنازلات. بشكل مشابه، وفي حالة العلاقات الصديقة أو الحليفة، فإن الولايات المتحدة بظل أوباما تقترح بشكل متكرر حِميات جديدة متعددة أو تنازلات جماعية – أحياناً من جانب حلفاء ديمقراطيين، أحياناً من جانب الولايات المتحدة – لأجل بلورة عمليات تكيف دولية واسعة بخصوص مجالات تتعلق بقضايا محددة كالسيطرة على التسلح، مكافحة الإرهاب، أو التغيير المناخي. أيا كان الأمر، فإن التوقع هو واحد من ثلاثة: إتفاق تقدمي، صراع منخفض، وتعاون متزايد دولياً، مبني على التكيف المتبادل، شرارتها المثال الأميركي. وبقدر ما يرى الرئيس القوة العالمية لأميركا على أنها في إنحدار نسبي وربما حتمي، فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز الجدل بشأن المقاربة التكيفية عبر البحار.
تبدو فرضية أوباما على أن بالإمكان، فعلياً، جعل أية دولة – قومية، تنخرط بنجاح في هذه السياسة، بصرف النظر عن نوع النظام.
لقد كانت المضامين الإقليمية والعملانية لإستراتيجية التكيف هذه واضحة ومحل جدل تماماً منذ دخول أوباما إلى البيت الأبيض. فبخصوص قضية التبدل المناخي، ذهبت الولايات المتحدة الى مؤتمر كوبنهاغن في كانون الأول 2009 وعرضت القيام بإقتطاعات هامة في الإنبعاثات الكاربونية الأميركية، بأمل أن يطلق هذا الموقف شرارة تنازلات مشابهة من قبل قوى صناعية رئيسة وقيادية أخرى كالصين. بخصوص قضية السيطرة على السلاح النووي، عرضت إدارة أوباما مجموعة إقتراحات تكيفية قوية أكثر حتى: الولايات المتحدة ستعمل بإتجاه المصادقة على معاهدة حظر التجارب النووية الشاملة، التفاوض حول " معاهدة تخفيض الأسلحة الإستراتيجية" جديدة ( Start) مع روسيا، وحتى إعتناق فكرة هدف الوصول الى عالم " صفر نووي"، أو الإلغاء الحتمي للأسلحة النووية في العالم كله، بأمل إطلاق شرارة جهود مشابهة تجاه نزع السلاح النووي في حالات مثل كوريا الشمالية وإيران. لقد فهم أوباما بأن هناك مقايضات معينة مع هكذا مقاربة، وكان مستعداً للقيام بها. على سبيل المثال، إذا كانت الأولوية الأميركية الأولى فيما يتصل بإيران هو التفاوض حول إنهاء برنامج الأسلحة النووية غير المشروع للبلاد، عندها لا يمكن السماح للهواجس بخصوص تعزيز الديمقراطية داخل إيران أن تتغلب على الجهود المبذولة نحو تسوية يتم التفاوض حولها مع النظام الموجود. بشكل مشابه، إذا كانت الأولوية الأميركية بما يتصل بروسيا تأمين مساعدة موسكو حول مسألة عدم الإنتشار النووي، عندها سيبقى أوباما بعيداً عن إستعداء موسكو حول قضايا أخرى مثل جورجيا، الدفاع الصاروخي، أو حقوق الإنسان داخل روسيا.
حول قضية الإرهاب، أوضح أوباما توقعاته بأن سلسلة من إشارات الحلفاء والإشارات الأميركية ستساعد على التخفيف من جهود مكافحة الإرهاب العابر للبلدان، في الوقت الذي يعملون فيه هؤلاء على إقتطاع الدعم داخل العالم الإسلامي لجماعات عنف متطرفة كالقاعدة. فالولايات المتحدة سوف تنسحب عسكرياً من العراق؛ تعمل لأجل " إنهاء التعذيب "؛ تغلق مراكز الإعتقال في خليج غوانتانامو؛ تنخرط في التوعية العامة تجاه المسلمين في العالم؛ وتضغط للتوصل الى إتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وذلك بناءعلى فرضية أن إجراءات مجتمعة من هذا النوع ستساعد في الحد من المشاعر المعادية لأميركا دولياً. أما في حالة إسرائيل، لم تكن الولايات المتحدة هي الجهة المتوقع منها كثيراً المساعدة بإطلاق ركلة – البداية لمفاوضات السلام وإنما الإسرائيليون، وذلك عن طريق تجميد بناء مستوطنات يهودية جديدة في الضفة الغربية والقدس.
كانت المضامين الإقليمية والعملانية لإستراتيجية التكيف لأوباما واضحة ومدروسة.   
لقد فوَّض أوباما، بالتأكيد وفي آن معاً، القيام بجهود مكافحة إرهاب عدائية كالتصعيد ما بين عامي 2009 – 2010 في أفغانستان، تقصي أثر بن لادن، وضربات الطائرات من دون طيار المتزايدة عبر البحار. لكن اللهجة ككل، مقارنة بتلك التي لإدارة بوش، كانت أكثر تكيفاً تجاه الإنتقاد الدولي للممارسات الأميركية في مجال مكافحة الإرهاب. بالواقع، لقد جعلها أوباما واضحة جداً، خاصة عند خوضه السباق الرئاسي الأول عام 2007 – 2008، عندما وافق على قسم كبير من هذا النقد الدولي، وإعتبر إدارة بوش نفسها مصدراً رئيساً لمشاكل السياسة الخارجية الأميركية. أما بخصوص قضية مكافحة الإرهاب، كما بالنسبة لقضايا أخرى، فقد صرح أوباما تكراراً بأن الولايات المتحدة فقدت الكثير من سمعتها الدولية ومكانتها المعنوية بظل حكم جورج دبليو بوش، وبأن بإمكان مجموعة مختلفة من السياسات بالإضافة الى قائد مختلف إستعادة تلك المكانة والسمعة مع مقاربة أكثر تصالحية. بإمكان أوباما نفسه أن يكون المناسب تماما لهذا الدور بشكل خاص، كما يعرض الداعمون له، ليس فقط بسبب مكانته كأول رئيس أميركي أفريقي، وإنما بسبب خلفيته الدولية، الكاريزما لديه، وقدرته المثبتة في جمع الناس معاً عبر الإنقسامات الثقافية، الإثنية، والسياسية. لا شك بأن أوباما يقاسمهم هذه الرؤية الطموحة لإمكاناته الشخصية الخاصة كشخصية تصنع التاريخ.
هذا يقودنا الى سمة أخيرة مؤثرة لإستراتيجية السياسة الخارجية الشاملة لأوباما من حيث إتصالها بأسئلة عن العملية والإجراء المتبع بها. فأوباما يفهم بأنه عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، فإن دور الرئيس حاسم تماماً. فالرؤساء يلعبون الدور القيادي في تشكيل خيارات وأولويات السياسة الخارجية الأميركية الشاملة سواء أرادوا ذلك أم لا. في النهاية، هذه الخيارات والأولويات تتضمن مقايضات سياسية محلية ومقايضات بالسياسة الخارجية. لذا فإن أوباما مصمم على الإحتفاظ بقرارات السياسة الخارجية المركزية في يده، والقيام بها بعناية وإهتمام. والقول بأنه يعتز بنفس، شخصياً، ثقة هائلة بقدرته على الشرح، التعبير، وإدارة مراحل مختلفة من عملية السياسة الخارجية. إنه،حقاً، لا يعتقد بأنه بحاجة في الغرفة الى شخص إستراتيجي، أو أكثر، من الحجم الكبير في السياسة الخارجية عندما يكون يقوم بإتخاذ القرارات الحاسمة. إنه مصمم على لعب الدور بنفسه.
بظل هذا النظام، فإن وزيرة الخارجية كلينتون هي الوجه العام للديبلوماسية الأميركية، دور تلعبه جيداً، لكنها لا تبدو بأنها في قلب عملية صنع القرار الحقيقي حول قضايا متعددة يعتبرها أوباما حيوية. لقد كان روبرت غيتس فعالاً بشكل إستثنائي كوزير للدفاع، وقد برز ضمن منطقة نفوذه، لكنه فعل ذلك، جزئياً، بسبب إعترافه بأهداف سياسة أوباما الشاملة. أما خليفته، ليون بانيتا، فمن دون شك سيوافق أوباما من دون إختلاف كبير معه على الأقل. لم يكن مستشار الرئيس للأمن القومي الأول، جايمس جونز، مناسباً ولا مسموحاً له لعب دور المنسق والمساوم الصادق بين الوكالات والإدارات المختلفة. وتم إحضار خليفة جونز، توماس دونيلون، للمساعدة في تنظيم وعقلنة عملية السياسة الخارجية، تحديداً لأنه حساس بخصوص مسائل الضرورات السياسية للرئيس، وليس لأنه يُتوقع منه لعب دور الإستراتيجي الكبير. فأوباما هو الإستراتيجي الكبير، ومهما كانت التعديلات التكتيكية التي يقوم بها في العملية أو العنصر، فإنه ليس على وشك التخلي عن ذلك الدور.
بالإجمال، وبرغم الإنتقادات الواسعة المناقضة، فإن أوباما يملك فعلاً إستراتيجية سياسة خارجية شاملة، إستراتيجية تسبق الربيع العربي وجعلتها تصمد أكثر. هذه الإستراتيجية لا تتناسب بدقة وإتقان في الفئات المعتادة التي بها موضوع البحث يشتغل تقليدياً. إن أوباما يتحدث بإخلاص عن الحاجة الى تسوية سلمية للنزاعات في الخارج، لكنه  يصطاد بن لادن ويصعِّد عسكرياً في أفغانستان وباكستان. إنه غير عاطفي عندما يتعلق الأمر بالمساومة مع الحكام المستبدين المتصلبين، لكنه يتوقع نماذج من التعاون الدولي ليغزل صعوداً كنتيجة للإمتداد الديبلوماسي الأميركي. بالنتيجة، أوباما مصنف، بسهولة، كشخص واقعي أو مثالي، من الصقور أو الحمائم، وذلك لأن لديه نقاط من التشابه ونقاط من الإختلاف مع كل مدرسة من مدرستي الفكر. والقول بأنه شخص دولي، كتوصيف معاكس للإنعزالي، أمر صحيح الى حد كبير، لكنه لا يزال يطرح السؤال التالي: أي نوع من الرجل الدولي تماماً هو؟
الجواب هو: أوباما رجل يؤمن بتوسيع الإحتمالات للتكيف المتبادل بين دول – قومية، شرارتها المثال الأميركي، ويؤمن بالميزات التكاملية الكامنة لقيادته الشخصية على مسرح العالم -  ميزات يُقصد منها كلها ليس فقط تشجيع التعاون الدولي، وإنما، قبل كل شيئ، السماح بإعادة التركيز على إصلاحات محلية تقدمية داخل الولايات المتحدة.
فشل التكيف
لقد مضى حتى الآن حوالي ثلاث سنوات على دخول أوباما البيت الأبيض – وقت كثير لتقييم فعالية إستراتيجية سياسته الخارجية. ويجب القول بأن إستراتيجيته بخصوص التكيف، من نواحيها الهامة، قد فشلت. فقيادة أوباما الشخصية لم تغيَّر، حقاً، الديناميكيات الأساسية للنزاعات و الصراعات الدولية الرئيسة أو العابرة للبلدان. كما أن الإمتداد الأميركي، التكيف، والتنازلات الديبلوماسية لم تطلق شرارة تعاون دولي هام وبارز حول قضايا من نوع عدم الإنتشار النووي. كان أوباما، الى حد ما بالطبع، مقيداً بتنفيذ إستراتيجيته بالنقد السياسي المحلي أو بالنكسات التي كانت من نصيب عدد من هذه القضايا. حتى الآن يبدو بأن الإخفاقات تشتمل على نكسة دولية.
 فبخصوص التغيير المناخي، على سبيل المثال، ذهبت الإدارة الى مؤتمر كوبنهاغن في العام 2009 وعرضت تخفيضات هامة في إنبعاثات الكربون الأميركية. وكان رد الصين، بشكل أساسي،  الرفض بالقيام بأية تخفيضات مشابهة بشروط إتفاق كامل، ولم يحقق المؤتمر، عملياً شيئاً من فحواه العملاني. ويعترف بيئيون صادقون فكرياً بأن مبادرات أوباما الدولية حول المناخ  غير قادرة الآن على العمل أو الحركة .
يجب القول أنه بالتفاصيل الهامة إستراتيجية أوباما حول التكيف قد فشلت.
بخصوص منع الإنتشار النووي، حاولت الإدارة بكل جهدها التكيف مع موسكو، وذلك بأمل إطلاق عملية ذات معنى تتصل بإيران. لقد قامت الولايات المتحدة، تحديداً، بتوقيع معاهدة تخفيض الأسلحة الإستراتيجية جديدة أعطت موسكو معظم ما تريده، بما في ذلك تفاهم غير رسمي، بحسب الظاهر، حول الدفاع الصاروخي. وردت موسكو بالمساعدة على تصعيد العقوبات على إيران درجة. إلا أن هذه العقوبات لم تعط إشارة على تبدل في التصميم الأساسي للنظام الإيراني على بناء أسلحة نووية في نفس الوقت الذي ينكر فيه بأنه يقوم بذلك.
بالواقع، لقد أصبحت إيران القضية الأساسية في مسألة إستراتيجية التكيف الفاشلة. لقد أوضح أوباما بشدة من خلال مروحة من الرسائل العامة والخاصة بأنه مستعد للتفاوض بجدية حول برنامج إيران للأسلحة النووية. أما إيران فغير مهتمة وهذا واضح. فالردود الملفتة القادمة من طهران لم تكن إلا تصاريح صريحة، كاذبة، مضللة، وعنيدة فحسب. فإستراتيجية الإمتداد والتكيف الأميركية الحالية قد مضى عليها حتى الآن ثلاث سنوات تقريباً وذلك لتسحب نوعاً ما الرد البناء على أقل تقدير من إيران، ولم تنجح.
واجهت العناصر التكيفية في مقاربة مكافحة الإرهاب المبدئية لأوباما مصيراً مشابهاً. فمعظم إقتراحاته الأولى حول الإعتقال والإستجواب لم تجد صدىً، لدرجة معينة، والنتيجة النهائية كانت عبارة عن ذعر وإرباك في كل النواحي. أما العثورعلى أسامة بن لادن وقتله في الربيع الماضي فقد كان، بكل تأكيد، نجاحاً عظيماً، بحيث يقف المهنئون على العملية بالصف، إلا أن ذلك النجاح كان بسبب واقع تجاهل هذه القضية المعينة التقوى التكيفية على إمتداد العملية. فالضربة ضد المجمع السري لبن لادن كانت عملية عسكرية أميركية أحادية أطلقت داخل باكستان من دون إذن ذلك البلد، بناء على معلومات إستخبارية تم جمعها بجرأة على فترة إمتدت سنوات وتعود الى أيام إدارة بوش، ومن دون هاجس مفرط بشأن إعتراضات قانونية سخيفة. من جهة أخرى، ليس هناك مؤشر على أن أولئك المتعاطفين مع القاعدة هم  أناس متأثرين بشخصية بن لادن بشكل خاص أو بجهوده التعطيلية للضغط على إسرائيل في الوقت الذي يتم فيه العمل على إصلاح موضوع الإعتقال والتحقيق الأميركي مع الإرهابيين المشتبه بهم. فمحاولة القيام بهجمات منشأها الداخل من قبل إسلاميين متطرفين داخل الولايات المتحدة قد تزايدت فحسب منذ العام 2009. لا يمكن لأحد أن يقول، بمنطق وعقلانية، بأن أوباما هو المسؤول بشكل رئيس عن هذه المحاولات، لكن الأمر تماماً  كما لو أن من غير المنطقي العرض بأن دعم الإرهاب ما بين عامي 2001 و 2008 كان ، وبشكل رئيس، بسبب سياسات جورج دبليو بوش. النقطة هنا هي أن الإرهابيين المعادين لأميركا يتآمرون للقيام بهجماتهم من دون أن تهدئهم تنازلات سياسية أميركية أو رؤساء أميركيين. فالكراهية الإسلامية الأصولية والمتطرفة للنفوذ الأميركي مستمر بصرف النظر عن وجود إدارات معينة، ومن الأنانية العميقة التفكير بخلاف ذلك.
الكراهية الإسلامية الأصولية المتطرفة للنفوذ الأميركي مستنمرة بصرف النظر عن وجود إدارات محددة.
لذا، إن المشكلة في إستراتيجية التكيف لأوباما هي أنها تمضي في طريقها لتتخطى الإحباطات المعينة في قضية تلو قضية. المشكلة أكثر جوهرية وتأصلاً في مقاربته. فكقاعدة عامة، لا تشعر الحكومات الأجنبية أو الفاعلين العابرين للبلدان بأنهم ملزمون بـتبديل أولوياتهم السياسية الأساسية أو القيام بتنازلات لا يريدونها من جانبهم فقط، وببساطة، لأن رئيساً أميركياً هو شخص متكيف أو كاريزمي. ليس هكذا تعمل السياسات الدولية. إذا كانت المصالح، الأهداف، وأولويات حكومات وطنية أخرى تصطف مع تلك التي للولايات المتحدة حول قضايا معينة، عندها فإن تلك الحكومات ستتعاون مع واشنطن حول تلك القضايا. وإذا لم يكن كذلك فإنها لن تفعل. ومن الجهتين، وسواء أحببنا الأمر أم لا، فإن أهداف وأولويات الحكومات الأجنبية محددة من قبل تلك الحكومات، وليس من قبل رئيس الولايات المتحدة  الأميركية. بإمكان أي رئيس أميركي إستبدال الأثمان والمكاسب بالنسبة لبلدان أخرى للتعاون مع الولايات المتحدة حول مسائل معينة، عن طريق عرض حوافز أو مثبطات محددة، لكنه لا يستطيع، حرفياً، إعادة تعريف وتحديد الكيفية التي ترى بها حكومات أخرى مصالحها الحيوية الخاصة، ومن الوهم الإعتقاد بأن بإمكانه ذلك. فإذا ما قدمت واشنطن تنازلاً سياسياً محدداً لحكومة أخرى مقابل بعض التنازلات الصلبة المتبادلة حول مصلحة حقيقية للولايات المتحدة، عندها هذا شيئ آخر. فالمفاوضات من هذا النوع هي في قلب الديبلوماسية الدولية. لكن القيام بتنازل سلفاً – بشكل أحادي كما كان الأمر جارياً – أو تقديمه ككل بشكل واسع الى الكوكب بكامله بأمل حصول تبادل غير محدد من قبل بلدان معينة، يعني تجاهل أساليب العمل الطبيعية للعلاقات الدولية.
أنظروا للكيفية التي لعبت بها إستراتيجة التكيف لأوباما بما يتصل بأربع فئات للحكومات الأجنبية: 1) تلك المعادية بأساسها للولايات المتحدة، 2) تلك التي تواصل العمل بخليط من الخصومة والتعاون الإستراتيجيين، 3) حلفاء أميركا الحقيقيين، 4) الحكومات العربية المتفاوتة الولاء.
الفئة الأولى، من الأنظمة المعادية أساساً للولايات المتحدة، وتتضمن حكومات إيران، كوريا الشمالية، كوبا، وفنزويللا، هذا إذا سمينا فقط أشهر أربع حكومات. كل واحدة من هذه الحكومات حددت نفسها، بالحرف، على مستوى جوهري بشأن معارضتها العنيفة لأميركا. فأن نعتقد بأن لهجة تصالحية، تنازل تمهيدي، أو رغبة حسنة النوايا من جانب رئيس أميركي لأجل علاقات أفضل سوف تحول ذلك العداء هو سذاجة بكل بساطة. أما في حالة كوبا، على سبيل المثال، فقد بدأت إدارة أوباما برفع عقوبات إقتصادية معينة، بأمل رؤية بعض التنازلات المتبادلة من الأخوين كاسترو : الليبرالية السياسية، التخفيف من العدائية لأميركا، أي شيئ  له أهمية. لم يتم القيام بتنازلات من هذا النوع. وقد تمت مناقشة حالة إيران من قبل – لقد مد يده وحاول الوصول الى طهران عن طريق إحداث جلبة كبيرة في العام 2009، وبالواقع لم يتلق سوى صفعة على وجهه. كما أن كلاً من هوغو تشافيز رئيس فنزويلا وكيم جونغ 2 رئيس كوريا الشمالية هم كذلك من حيث العدائية تجاه الولايات المتحدة اليوم كما كانا تماماً عندما كان جورج دبليو بوش رئيساً لأميركا. وهذا لأن العائق الأساسي لعلاقات صديقة مع الولايات المتحدة مع تلك الأنظمة لم يكن أبداً جورج دبليو بوش. فالعائق الأساسي لعلاقات صديقة مع هذه الأنظمة هو، بالواقع، كونها معادية بشكل قاس ومرير للولايات المتحدة. إن نوع التنازلات التي ستقدمها واشنطن للفوز بتكيف حقيقي ستكون كاسحة، ضخمة، وغير مقبولة، من وجهة نظر أي رئيس أميركي والتي لن يقدم عليها على الأرجح – وبالتأكيد ليس من قبل باراك أوباما. لذا، إن أية تنازلات أصغر حجماً من قبل واشنطن سيضعها نظام معاد في جيبه بكل بساطة، وسيستمر سائراً بكراهيته الأساسية تجاه الولايات المتحدة.
للقيام بتنازلات بشكل أحادي، كما كان الحال، يعني تجاهل أساليب العمل الطبيعية للعلاقات الدولية.
الفئة الثانية، الأنظمة التي تواصل العمل بخليط من الخصومة والتعاون مع أميركا، وتشمل قوى أتوقراطية كبرى كالصين وروسيا. هذه الحكومات مستمرة بإعتبار الولايات المتحدة بظل أوباما بمثابة تهديد إستراتيجي لمكانتها وسلامة أراضيها.، لكنها تواصل التعاون مع الولايات المتحدة في مجالات معينة كالتجارة والسيطرة على السلاح في الوقت الذي تواصل فيه، بنفس الوقت، القيام بمنافسة جيو سياسية مع الولايات المتحدة. فالمصالح المشتركة لهذه القوى مع واشنطن أكثر إمتداداً وعدائيتها تجاه الولايات المتحدة أقل عمقاً، مما عليه الحال مع إيران أو كوريا الشمالية. مع ذلك، فإن حكومتي الصين وروسيا، كمعظم الحكومات عبر البحار، غير مباليتين بسحر أوباما الشخصي. فالحكومتان مهتمتان بما إذا كان أوباما يقر ويسلم بمصالحهما وأولوياتهما، ولا تهتمان بخلفيته الشخصية على هذا النحو، أو بأية رؤية قد تكون لديه بالنسبة لنظام دولي أكثر ليبرالية. ففي الحالات التي يعطي فيها أوباما موسكو أو بيكين معظم ما تريدان، كما فعل على سبيل المثال في مفاوضات start الجديدة العام 2009 -  2010 مع روسيا، يكون هؤلاء سعداء بقبول التنازل وحتى لتقديم بدل متواضع، وهذا طبيعي. لكن في في حالات حيث يقدم إشارات تكيف أو إشارات أمل، لكنه مع ذلك يعد العدة بسرعة  ضد المصالح الوطنية الحيوية المتصورة لأي من القوتين، فإنهم سيميلون، ببساطة، الى تقديم أية سياسة تكيفية متبادلة ومتناسبة. على سبيل المثال، ليس لدي أي من القوتين النية بتسليم ترسانتهما النووية، بصرف النظر عما يقوله أوباما أو يفعله بما يتصل بهدفه بخصوص عالم "صفر نووي". ولم تقدم أي من القوتين أي تعاون جدي حقاً بما يتعلق بالإنتشار النووي الإيراني أو الكوري الشمالي. فالقادة الروس والصينينين ليسوا متأثرين بأوباما خاصة. فإذا كان هناك من شيئ، فهو أنهم متشجعون بسبب تنفيذ الإنسحاب الإستراتيجي الطويل الأمد خاصة بظل قيادته، لأن ذلك يتركهم أقوى ضمن جيرانهم. في هذه الحالة، كما في حالات عديدة أخرى، لا يُفس فك الإرتباط الإستراتيجي الأميركي على أنه تحول خير، وإنما يفسر كإشارة ضعف.
إذا كان هناك من أمر فهو أن القادة الصينيين والروس يشجعون تنفيذ إنسحاب إستراتيجي أميركي طويل الأمد.
الفئة الثالثة، حلفاء أميركا الحقيقيين، ويشتمل هؤلاء على شركاء بتفاهم إستراتيجي وديمقراطي أصدقاء للولايات المتحدة كبريطانيا، إلمانيا، واليابان.
هذه هي غالباً البلدان حيث شعبية أوباما في الشارع كبديل لجورج دبليو بوش هي الأكبر. ومع ذلك، فإن هذه الشعبية لم تترجم حقاً الى تنازلات سياسية ذات معنى في مجالات حيث الولايات المتحدة وحلفائها يختلفون. فبما يتصل بالحرب في أفغانستان، على سبيل المثال، فإن أصدقاء أميركا الأوروبيين لم يعودوا متحمسين أو مساعدين للولايات المتحدة أكثر مما كانوا عليه عندما كان بوش رئيساً.إذ لم تبدل أية حكومة أوروبية قيادية فعلاً أولويات سياستها الخارجية الجوهرية رداً على شعبية أوباما. ففرنسا، على سبيل المثال، ليست على وشك التخلي عن ترسانتها النووية لأن الولايات المتحدة، وببساطة، تعتنق مفهوم الإلغاء النووي. بالواقع، إن حلفاء أميركا متوترون بسبب رفض أوباما الغريزي تقسيم العالم الى أصدقاء وأعداء. هذا الأمر صحيح طبعاً بما يخص إسرائيل، وحكومات أوروبية عديدة أيضاً. بدلاً من ذلك، أوباما يرسي لهجة هادئة ومتحفظة بما يتصل بأصدقاء تقليديين لأميركا مثل بريطانيا. أما حلفاء أميركا في بلدان كبولندا، كولومبيا، وإسرائيل فلا يفهمون سبب مد أوباما يده لحكومات معادية في كوبا وإيران، في الوقت الذي يحافظ غالباً على إنفصال مدروس عن شركاء ديمقراطيين وحميمين لأميركا. جزء من الجواب هو أن أوباما يتوقع من حلفائه كإسرائيل، بولندا، وجورجيا تقليده والإصطفاف خلف إستراتيجيته بخصوص التكيف الدولي. بالواقع هو يود الإستعانة بمصادر خارجية من حلفاء أميركا لتطبيق إستراتيجيته بشأن التكيف حيث يكون ذلك ممكناً. فإسرائيل، على سبيل المثال، يُتوقع منها التكيف مع المطالب الفلسطينية، ويُتوقع من بولندا وجورجيا التكيف مع روسيا. لحسن الحظ، إن إستعداد أوباما للضغط على حلفاء أميركا للتكيف مع خصومهم له حدود. ففي كل الأحوال، سوف تستمر الولايات المتحدة بالتعاون مع حلفائها الديمقراطيين الجوهريين بعدد من الطرق بما يتعلق بالتجارة، مكافحة الإرهاب، ومنع الإنتشار النووي، وهي كانت تفعل ذلك بالأصل بظل حكم بوش. إن النموذج الشامل هنا يتعلق بالإستمرارية على مدى الخمس سنوات الماضية أكثر مما يتعلق بالتغيير بكثير.
أما الفئة الأخيرة فتستحق عناية خاصة نظراً للثورات الجارية على مدى العام الماضي، وهذه الفئة تتألف من حكومات عربية ذات تحالفات متفاوتة المستوى بما يتصل بالولايات المتحدة. فقد مثل الربيع العربي 2011 مأزقاً محيراً لإدارة أوباما بالنسبة للسياسة الخارجية الكلاسيكية لجهة ما إذا كان على الإدارة دعم حلفاء أميركا أو الضغط عليهم رداً على الضغوط الشعبية للسكان المحليين. بإمكان المرء بالتأكيد، التعاطف مع الحاجة الى موازنة الضرورات الأمنية القومية الأميركية مع الطموحات الديمقراطية، وإستخدام مقاربة كل حالة بحالتها، لكن فرضيات السياسة الخارجية التكيفية لأوباما قادته الى إتخاذ بعض الخيارات الغريبة. فالفشل في صنع تمييز واضح بين حلفاء أميركا وخصومها، تحديداً، قاده لأن يكون قاسياً جداً على حلفائها وسهلاً جداً مع بعض أعدائها داخل العالم العربي.
في حالة حسني مبارك، رئيس مصر، تخلى أوباما علناً وفجأة عن حليف أميركي قديم.
في حالة حسني مبارك، رئيس مصر، تخلت إدارة أوباما علناً وفجأة عن حليف أميركي قديم، مع عدم وجود مؤشر كبير على أن أي خليفة له سيكون أكثر صداقة بشأن المصالح الأميركية حول قضايا حيوية مثل مكافحة الإرهاب.هناك إحتمال قوي بأن يتسلم الإخوان المسلمون المعادون للغرب بشدة سلطة متزايدة في مصر، لكن هذا الأمر لا يبدو بأنه يزعج أوباما بشكل خاص، الذي يحب التمييز بين إسلاميين راديكاليين كأسامة بن لادن وإسلاميين راديكاليين قابلين للمنطق والتكيف. ففي حالة بشار الأسد الرئيس السوري، ظلت إدارة أوباما متساهلة بشكل لافت لبعض الوقت تجاه الإجراءات العنيفة للنظام ضد متظاهرين سلميين، بظل طرح يقول بحاجة الولايات المتحدة لسوريا حول سلسلة من القضايا الإقليمية كمفاوضات السلام مع إسرائيل. مرة أخرى، هذا الخطأ أخفق بفهم الحكومة السورية وبأنها في الواقع خصم قوي لإسرائيل، الولايات المتحدة، والمصالح الأميركية في الشرق الأوسط. لكن بالنسبة لرئيس غير مستعد للتفكير بهذه المصطلحات القوية، لا ضرورة لمفردات تمييزية واضحة ولا هي بناءة، بما أنها تتحول الى إحتمالات تعاون مثمر.
إخيراً، في حالة ليبيا، عندما أطلق معمر القذافي العنان لإجراءاته الصارمة، إتخذ أوباما أغرب خيار على الإطلاق، واضعاً سياسة غير مترابطة للتدخل الإنساني الحذر بظل حدود صارمة محتملة. وسواء كان المرء ناشطاً إنسانياً قوياً، واقعياً، أو صقراً في السياسة الخارجية، فإن الأسلوب الفاتر المؤلم للتدخل الليبي لأوباما لا معنى له أيا كان هذا الأسلوب. هذا له معنى فقط في المفردات السياسية الصرفة – أو بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون بأن طلب إذن الجامعة العربية عند إرسال قوات مسلحة أميركية إلى المعركة أمر هام بجوهره.. مرة أخرى أيضاً، يرى أوباما وعدد من الداعمين له الأساسيين مسألة التعددية في السياسة الخارجية ليست شيئاً مفيداً فحسب، وإنما غاية بحد ذاتها، بما أنها تؤشر الى التواضع والنوايا الحسنة. لذا فإنهم يحكمون كذلك على التدخل الحاصل في ليبيا بناء على ما إذا كان يتم، وبشكل رئيس، بأسلوب حذر، مشترك، ومصادق عليه من قبل أطراف متعددة. هذا معيار رئيسي مذهل يتم على أساسه شن وإدارة حرب مسلحة، لكنه يبدو منطقياً تماماً بالنسبة للرئيس ودائرته الداخلية.
على إمتداد أحداث الربيع العربي، بدا أوباما بأنه يريد من حكومات إقليمية إستبدادية – سواء أكانت صديقة أم لا للولايات المتحدة- التكيف مع الثورات الشعبية على الأقل بالقيام ببعض الإصلاحات الليبرالية الرمزية. إن الحومات العربية التي أخفقت بالتعاون بهذا الطريقة الدنيا إتجهت الى فقدان دعم أوباما. مع ذلك وهنا كما في كل مكان، أثبتت توقعات التكيف المتبادل التي أطلقتها التعليمات الأميركية بأنها غير واقعية. على العكس من ذلك، إن الفشل بالتمييز بوضوح ودقة بين حلفاء أميركا وخصومها في الشرق الأوسط ترك الإدارة الأميركية من دون بوصلة موثوقة، لتتخبط في غياهب  الظلام.
عقيدة أوباما، إعادة النظر
أوباما ذكي، نواياه جيدة، ومنهجي، لكنه يعمل على أساس بعض الفرضيات حول السياسات الدولية التي تتخللها العيوب، وهذا ظاهر. فعندما خاض الإنتخابات الرئاسية قبل بضع سنوات، عرض الى أن معظم مشاكل السياسة الخارجية الأميركية في الخارج هي بسبب سياسات أميركا بظل حكم جورج دبليو بوش، وبأنه إذا ما تبنت الولايات المتحدة مقاربة أكثر تكيفاً فإنه سيكون هناك تقدم دراماتيكي مثير بإتجاه وجود تعاون دولي حول مروحة من القضايا. بالحقيقة كان هذا جدلاً ذاتياً بعمق، سواء يما يتصل بالولايات المتحدة أم بأوباما نفسه. فالعنف أو الخصوم والصراعات العابرة للدول أو الدولية المستعصية حول حشد كامل من القضايا ليس، بالواقع، بالأمر الغريب والغير عادي في السياسة العالمية. لقد كانت هذه المسائل موجودة قبل وقت طويل من وصول أوباما للرئاسة وستستمر كذلك. فالنظام الدولي يمتلك وحدة أخلاقية وقوة شرطة جماعية أقل مما لدى مدينة، ولاية، أو بلد مستقر. لذا، فإن تحديات السياسة الخارجية ليست مماثلة لتنظيم مجتمعي على المستوى المحلي. إن الرؤساء الأميركيين لا يحومون حول الساحة الدولية كمجمِّعين ومراقبين غير مهتمين، ولا ينبغي عليهم ذلك. فمهمة الرئيس الأميركي ليس لعب دور الأمين العام أو البابا. إن مهمته هي تعزيز المصالح القومية الأميركية عبر البحار، أن يكون موجَّهاً بالتأكيد بإحساسيْ العدالة والتعقل.
إن أوباما بالنسبة لعدد من الأميكيين نوع من جسر شخصي ملهم بين الأعراق، كما أنه جسر بين ماضي بلده، حاضره ومستقبله. هذا جيد، لكن أي إسقاط مرغوب على الساحة الدولية أمر خاطئ، هذا دون ذكر الطموح. قد يكون أوباما جسراً لعدد من الأميركيين؛ لكنه ليس ، ولا يستطيع أن يكون، جسراً بين الدول.
بتناولنا كل قضية بقضيتها، لم تنته الإشارات التصالحية أو التكيفية والتنازلات من قبل إدارة أوباما تجاه أهداف دولية مختلفة في عمليات تبادل مماثلة صلبة. وهذا ليس لأن إستراتيجية التكيف بحاجة الى وقت أكثر. هذا لأن الإستراتيجية خاطئة لجهة البدء بها. فعمليات التعاون والتكيف الدولي الواسعة حول قضايا مثل الإنتشار النووي، التبدل المناخي، ومكافحة الإرهاب لا يمكن إطلاق ركلة البدايه لها عن طريق التنازلات الأميركية إذا كان اللاعبون الدوليون المهمون الآخرون لا يعتبرون أن ذلك يصب في مصلحتهم الخاصة. إن التنازلات التمهيدية الأميركية حول العقوبات الإقتصادية لا تؤثر على الحكومة الكوبية. فالإقتراحات الديبلوماسية لا تؤثر على الحكومة الإيرانية. الدعوات لإلغاء النووي لا تؤثرعلى حكومة كوريا الشمالية. وإعادة النظر المقترحة حول ممارسات الإعتقال والإستجواب لا تؤثر على الراديكاليين الإسلاميين.
إن تحديات السياسة العالمية ليست مماثلة لتلك التي لتنظيم مجتمعي على المستوى المحلي.
إذن من يُفترض أن يكون الجمهور المستهدف هنا؟ إن الجمهور الحقيقي بالنسبة لتلك المسألة، المصدر النهائي لمبادرات السياسة التصالحية المختلفة هي طبقة من الرأي العام الليبرالي الصغير شمال الأطلسي العابرة للبلدان بشكل أساسي والتي تقاسم أوباما أولوياته السياسية الجوهرية بأي حال. لقد كافأوه بدعمهم، كذلك بجائزة نوبل للسلام. الآخرون، دولياً، أقل تأثراً به. وفي الوقت الحالي، قد نكون فقدنا شيئاً، بما يتعلق بالقدرة على الإستعداد بجدية لتحديات أمنية معينة تلوح في الأفق. إن تأكيداً رئيساً ومستمراً على الإنخراط الديبلوماسي بعدما رفضت إيران تكراراً التجاوب مع الولايات المتحدة لا يساعدنا على الإستعداد لإمكانية وجود إيران مسلحة نووياً. إن إلتزاماً معلناً بالإلغاء النووي لا يفعل شيئاً لإقناع قوى نووية أخرى بالتخلي عن ترسانتها الخاصة، وقد يكون له نتائج عكسية حتى بمعنى أنه قد يوهم شرائح هامة من الرأي العام فيعتقد هؤلاء بأن إعلانات من هذا النوع تساعد فعلاً في الحفاظ على السلام. لقد قال أوباما من البداية بأن الغاية من مقاربة سياسته الخارجية التصالحية هو دعم الموقف الأميركي في العالم، لكن تعريف الموقف الدولي كان تعريفاً ذاتياً بشدة بإتجاه الرأي العام الليبرالي العابر للبلدان المذكور آنفاً. ففي حالات عديدة عبر البحار، ومن منظور حكومات أخرى، تُقرأ إشارات أوباما التصالحية ذات النوايا الحسنة كإشارة ضعف، وتقوِّض بالنتيجة الموقف الأميركي بدلاً من دعمه.
في كل الأحوال، لقد سبق وأنجز أوباما، بطريقة من الطرق، الكثير مما كان يرغب بتحقيقه بإستراتيجية التكيف هذه، ما يعني إعادة توجيه الموارد الوطنية الأميركية وكذلك الإهتمام الأميركي بإتجاه توسيع الإصلاحات التقدمية المحلية بعيداً عن هواجس الأمن القومي. يبدو عليه بأنه يؤمن بإخلاص بأن هذه المبادرات الليبرالية في مجالات الرعاية الصحية والمالية سوف تدعم أيضاً القوة الإقتصادية الأميركية والقدرة التنافسية الأميركية. بالواقع إن هذه المبادرات لن تقوم بهكذا أمر، بما أن النظم  الفدرالية الخرقاء والمتغيرة على الدوام تتجه لتقويض ثقة المستثمر بالإضافة الى زعزعة النمو الإقتصادي الأميركي. لكن في أي حال من الحالين، فإن رؤية أوباما بشأن دور للحكومة أكثر توسعية في المجتمع الأميركي هو في طريقه بالفعل لأن يتحقق، من دون  الجدل الموهن، من وجهة نظره، حول هواجس الأمن القومي الكبرى. بهذا المعنى، وخاصة إذا أعيد إنتخابه في العام 2012، سيكون عدد من أولوياته الإستراتيجية الكبرى قد تحقق.
إن أية إستراتيجية جيدة ينبغي أن تدخل إحتمال النكسة أو المقاومة بسبب مربعات غير متوقعة. وكما يقولون في الجيش الأميركي، العدو يحصل على تصويت. إذن، وبالنسبة لتلك المسألة، كذلك تحصل على تصويت بلدان أخرى، سواء أكانت صديقة أم لا. عندما لا تسير الأمور حسب الخطة تماماً، فإن أية إستراتيجية لائقة وأي قائد قادر يتكيف مع الوضع. بالواقع، إن أية إستراتيجية للسياسة الخارجية تبدأ مع الإعتراف بخطط النكسة، بما أن الأمور لن تسير، حتماً، بحسب الخطة تماماً. هناك بلدان أخرى نادراً ما تستجيب لتحركاتنا الإستراتيجية المبدئية بالطريقة التي قد نرغب بها بالتحديد. عندها السؤال يصبح: ما هي الخطة ب؟
أوباما، تكتيكياً، مرن جداً، لكن على مستوى الإستراتيجية الكبيرة يبدو بأن لا خطة نكسة لديه. ليس هناك، وببساطة، إعتراف بإمكانية أن السياسة العالمية قد لا تعمل وفق الفرضيات الليبرالية لما بعد فييتنام التي تشرَّبها وقدمها على مدى سنوات. إن منتقدي أوباما يصفونه بأنه لا يقدم قيادة قوية للسياسة الخارجية. إنهم يسيئون تقديره. بالواقع لدى أوباما فكرة محددة جداً عن المكان الذي يريد أخذ الولايات المتحدة إليه. إنه يوجه فكرة السياسة الخارجية المتعلقة بالتكيف الدولي، وشرارتها المثال الأميركي. إنه يواصل القيام بذلك المفهوم الشامل بمرونة تكتيكية كبيرة لكن من دون إشارة الى وجود تنقيح إيديولوجي أو أساسي منذ قدومه الى مكتب البيت الأبيض. مع ذلك، وتجريبياً، وبكل حالة على حدة، هذه الإستراتيجية لا تعمل. هذا نوع من القيادة، بالتأكيد، لكن قيادة بالإتجاه الخاطئ.
أوباما يعتقد بأن المبادرات الليبرالية المحلية ستدعم التنافسية والقوة الإقتصادية الأميركية.
كيف يمكن لإدارة أوباما أن تتكيف وتتعدل مع إخفاقات إستراتيجية التكيف؟ بإمكانها الإعتراف بأن الإنخراط الديبلوماسي الذي حاولته مع إيران قد فشل، وتتحول بإتجاه إستراتيجية الضغط الشامل ضد ذلك النظام. بإمكانها أن توضح بشدة لكل من طالبان والقاعدة بأن الولايات المتحدة لن تخرج من أفغانستان، برغم بداية الإنسحاب. بإمكانها البدء بمعاملة روسيا كخصم جيوسياسي، وهي كذلك، بدلاً من معاملتها كشريك ديبلوماسي ببساطة. بإمكانها تعزيز الدفاعات الصاروخية الأميركية كشكل من أشكال الضمان ضد الناشرين النوويين. هناك قائمة طويلة من التوصيات السياسية التي بالإمكان القيام بها حول مسائل إقليمية ووظيفية محددة، لكن النقطة الأهم هنا والتي تأتي قبل أي شيئ آخرهي الحاجة للتغيير في الذهنية. فالرئيس أوباما بحاجة الى التوقف عن العمل على الفرضية التي تقول بأن تنازلات السياسة الخارجية الأميركية أو الإشارات الموجهة الى معرض نخبة الرأي العام العابر للأطلنطي – سواء حول مسألة السيطرة على الأسلحة النووية، مكافحة الإرهاب أو التبدل المناخي – سيتم مبادلتها بالمثل من قبل حكومات أجنبية محددة بغياب بعض المساومات القاسية جداً. إنه بحاجة لأن يفهم بأن فك الإرتباط الإستراتيجي الأميركي عن مسارح إقليمية محددة، سواء الموعودة أو الجارية حالياً، يتم إتخاذها كإشارة ضعف في تلك المناطق وليس، ببساطة، كإشارة لضبط نفس محبة للخير. إنه بحاجة للإعتراف بأن السمعة الدولية لأميركا لا تتألف فقط من العمل بإتجاه تعريفه الخاص للخلفية الأخلاقية العالية، وإنما تتألف بقسم كبير جداً منها من سمعة القوة التي تتمتع بها الولايات المتحدة، وخاصة سمعة الإستعداد لإستخدام القوة. إنه بحاجة للتوقف عن العمل على الطرح القائل بأن قرارات السياسة الخارجية الأميركية الماضية هي المصدر الحتمي لقسم كبير من خلافات العنف في العالم اليوم. إنه بحاجة لأن يكون مستعداً لتقسيم النظام الدولي مفاهيمياً وتشغيلياً الى أصدقاء وأعداء، كما هم موجودين فعلاً، ودعم أصدقاء أميركا في الوقت الذي يضغط فيه على أعدائها ويعارضهم بلا هوادة.أخيراً، إنه بحاجة لأن يعترف بالتأثير المحدود لكاريزماه الشخصية على السياسات الخارجية لحكومات أخرى. فرئيس الولايات المتحدة ليس منظم مجتمع دولي. فإذا ما تبدل إطار العمل المفاهيمي الذي يدعم إستراتيجية السياسة الخارجية لأوباما، عندها ستطفو  على السطح سياسات أفضل حول سلسلة من القضايا المعينة.
إن أوباما بحاجة الى دعم أصدقاء أميركا في الوقت الذي يضغط فيه على أعدائها ويعارضهم بلا هوادة.
هناك، وبشكل مسلم به، فرصة صغيرة بأن يتنازل أوباما عن أي من هذه الأمور. فأحد الأمور التي نعرفها من الأمثلة التاريخية هو أن الرؤساء يميلون لأن يحافظوا على العمل وفق فرضيات سياساتهم الخارجية التي تحمل عوامل مع

موقع الخدمات البحثية