قراءات سياسية » حزب الله وإسرائيل : شكل الصراع القادم

البحث عن إطار لتقييم الحرب المحتملة بين حزب الله وإسرائيل يقودنا للعودة إلى مبادئ الحرب التسع، التي تعد معايير عامة لتقييم المجهود الحربي وفعاليته، فإذا قارنا واقع كل من الطرفين وقدرته على تطبيق تلك المبادئ لتبين لنا شكل الصراع القادم وموقع كل منهما على المسرح، على أن هذه المقاربة تبقى معرضة للمتغيرات القادمة والتي ستشكل نقاطاً جديدة على خريطة الصراع، فمن الآن وحتى انطلاق المدافع تبقى أرض هذه المنطقة تغلي كأن بركاناًَ يتحرك تحتها بهدوء ينذر بالطابع الحاسم للسنوات القادمة، إما لصالح الشعوب العربية، وإما لصالح إسرائيل.

 

المبادئ التسع هي : وحدة القيادة، الهدف، الهجوم، التحشد، التأمين، الإقتصاد في القوى، المناورة والبساطة. وهي لا تعتبر العناصر التامة للحرب، بل مبادئ عامة تربط بين النظرية الصرف والتطبيق الميداني، كما لا يمكن النظر إلى كل منها بشكل منفصل عن الآخر، فالحرب عمل متشابك ومتداخل ولا يمكن تجزيئه إلى من الناحية النظرية لتسهيل فهمه. لنذهب إلى مقارنة تأخذ كل مبدأ على حدة، لنخفف من غموض صورة المستقبل المرتسم أمامنا.

 

وحدة القيادة : وتقضي بإشراف قائد واحد على المجهود الحربي.

 

إسرائيل تعاني من اختلالات على صعيد التركيبة القيادية، فثمة تشتت بين دائرتي القرار السياسية والعسكرية، ويبرز هذا التشتت في الميدان السياسي والعسكري في قضايا إسرائيل المصيرية : الحرب مع حماس، الصراع مع سوريا، والحرب المتوقعة مع حزب الله. حيث أن وجود أولمرت كرأس للدولة وهو دون خلفية أو تجربة عسكرية زاد المسافة الفارقة بين دائرتي القرار الأساسيتين، وجعل الخطوط شبه معطلة بينهما.

 

أضف إلى هذا التدخل الأمريكي الكبير في القرار الإسرائيلي والذي شكلت حرب تموز الماضية نموذجاً له، مدفوعاً بالقلق الأمريكي الدائم على توازن القوى القائم في المنطقة، وضعف الثقة بالبنية القيادية الإسرائيلية الحالية والذي تكرس أيضاً خلال تلك الحرب.

 

حزب الله من جهته تلقى ضربة موجعة استهدفت قيادياً بارزاً ذو باع في الصراع وخبرة طويلة، غير أن العلاقة بين دائرتي القرار السياسي والعسكري تحافظ على حيويتها نتيجة وجود شخصية راكمت خبرات طويلة في الصراع مع إسرائيل على رأس القيادة السياسية، مما يجعل خط التواصل بين الدائرتين قاماً على أسس مشتركة وواضحة.

 

 

الهدف : وهو توجيه المجهود الحربي نحو هدف محدد بدقة ووضوح، هدف حاسم وممكن التحقق.

 

مشكلة العدو الإسرائيلي في تحديد الأهداف وتوضيحها برزت في لبنان وغزة مؤخراً، وهي ليست مشكلة نابعة من خطأ فكري أو إداري، بل هي تعود إلى التحولات التي طرأت على موازين القوى بين إسرائيل وأعدائها، حيث لم يعد باستطاعة الصهاينة الإعلان عن أهداف مقبولة بالنسبة إليهم وممكنة التحقق في نفس الوقت، فليس أمامهم قوىً جاهزة للتراجع أو الإستسلام تحت الضغط، ولذلك فإن هذه المشكلة مرشحة للإستمرار والتفاقم مع الهزائم المتلاحقة التي تمنى بها معنويات العدو. وعلى المستوى التكتيكي ليس هناك من معلومات تملأ بنك الأهداف الذي أفرغت حرب تموز ما تراكم فيه طيلة سنوات عشر، هذا بالإضافة إلى فقدان العدو للتفوق المعلوماتي في الميدان، نظراً لسرية حركة المقاومة.

 

المقاومة في لبنان من جهتها لديها بساطة ووضوح في الهدف العسكري المعلن لنشاطها وهو: منع الإحتلال والعدوان وحماية المدنيين في الوقت ذاته، وإذا كانت نجحت في القسم الأول من الهدف الإستراتيجي فإن القسم الثاني يحتاج إلى العمل على تكريس توازن رعب حقيقي وفاعل لا يمكن أن يتحقق بإطلاق 300 صاروخ يومياً، بل لا بد من مضاعفة هذا العدد عدة مرات، وتوسيع نطاق استهداف الجبهة الداخلية الإسرائيلية إلى أقصى حد ممكن. أما تكتيكياً فيشكل الجيش الكلاسيكي وكتله الضخمة أهدافاً ميدانية بحد ذاتها.

 

الهجوم : وهو تحصيل زمام المبادرة والإحتفاظ به واستخدامه لتحقيق أهداف الحرب.

 

إسرائيل تقف الآن في موقع الدفاع، تنتظر رد فعل المقاومة على اغتيال الشهيد عماد مغنية، لتقرر الرد على الرد، بحسب قيمة وحجم ومستوى الإستهداف الذي ستتعرض له، وهي الآن مضطرة للمحافظة على تأهبها لوقت يمتد حتى حصول الرد، وهذا ما يجعل التأهب يفقد من فعاليته في كل يوم يمر ليصبح دون أي مضمون. أما من الناحية التكتيكية، فعندما تقدم إسرائيل على تحرك بري واسع، ستتحول مباشرة إلى الدفاع نتيجة عدم تحقق الأهداف الإستراتيجية الهجومية الملقاة على عاتق قواتها.

 

حزب الله في الحرب المقبلة يستطيع أن يحدد التوقيت، ويستعد للمواجهة لأقصى درجة ممكنة فيمسك بالتالي بزمام المبادرة ويحقق المفاجأة الإستراتيجية خصوصاً إذا استطاع استهداف أحد القادة العسكريين الفاعلين، إذ سيدخل الصهاينة الحرب مربكين إدارياً ومحبطين معنوياً.

 

التحشد : حشد القوى العسكرية في المكان والوقت المناسبين

 

الفكر العسكري الإسرائيلي استنفذ خلال 26 سنة من الصراع كل الأفكار التي تعد مناسبة لمواجهة العصابات، وهو يلجأ الآن إلى فكرة كلاسيكية تماماً وهي إغراق الجبهة وحشد أكبر عدد ممكن من القوات بأقصى ما يمكن للميدان أن يستوعب، ولكن تحديد المكان والوقت المناسبين يحتاج إلى المعلومات التفصيلية حول انتشار الخصم وتموضعه وثغراته.

 

المقاومة من جهتها خلقت استراتيجية جديدة كلياً تخلط بين النظرية الكلاسيكية ونمط حرب العصابات، فهي تتبنى مبدأ التحشد الدفاعي، وبإدراكها ومعرفتها بأرضها وحركتيها العالية يمكنها تحديد المكان والزمان المناسبين استراتيجياً وتكتيكياً.

 

التأمين : وهو يقضي منع العدو من تحقيق تفوق غير متوقع

 

فوجئت إسرائيل في الحرب السابقة في البر والبحر، ففي البر لم تكن تتوقع امتلاك المقاومة لصواريخ حديثة مضادة للدبابات، بالإضافة إلى الصمود الطويل للنقاط الدفاعية رغم القصف الدائم لها، وفي البحر تمت إصابة رمز البحرية الإسرائيلية وتفوقها التكنولوجي والحرب، في حين لم تفاجأ المقاومة بإجراءات العدو وفشلت كل الإنزالات والعمليات الخاصة خلف الخطوط.

 

الحرب المقبلة والتي يمكن للمقاومة أن تحدد لحظة انطلاقها بنسبة كبيرة ستكون تجربة أكثر حرصاً في التأمين، خصوصاً وأن العدو قد استهلك طيلة ربع قرن من الصراع أغلب أساليب ونماذج القتال ضد العصابات، ولم يعد هناك الكثير من الأفكار التي قد تحقق له تفوقاً غير متوقع.

 

الإقتصاد في القوى : هو تقبل المخاطر في بعض النواحي مقابل تحقيق انتصار حاسم في بؤرة محددة

 

ترتكز إسرائيل بحسب أحد الخبراء الصهاينة إلى قوة عسكرية طاغية مقابل تدنٍ كبير في القدرة على التحمل وهذا ما سيجعلها مضطرة إلى الإهتمام بكل قواتها وحمايتها في نفس الوقت وعدم تقبل المخاطر الجزئية لصالح الهدف الرئيسي مع افتراض دقته ووضوحه.

 

بالمقابل ترتكز المقاومة على إمكانيات هائلة في تحمل المخاطر والقدرة على التمحور حول الهدف الرئيسي الذي يمكن تعريفه ميدانياً بإسقاط أكبر عدد ممكن من الخسائر في قوات العدو لدفعه إلى التراجع عن أهدافه.

 

المناورة : دفع العدو إلى موقع سلبي عبر الإستخدام المرن للقوة القتالية

 

تمتلك إسرائيل تفوقاً نارياً حاسماً مقابل المقاومة، لكن توظيفه غير واضح، فالموقع السلبي إما أن يكون ميدانياً أو معنوياً، ميدانياً وبالرغم من التمسك النسبي للمقاومة بالأرض فإن تخليها عن نقطة ما أو عدة نقاط لا يوقف نشاطها وقدرتها على استهداف قوات الغزو وتحقيق الهدف، أما معنوياً، فإن كثافة النيران لا يمكن أن تمنع شاباً مقاوماً من مواجهة فصيلة عسكرية بكاملها وإسقاط عدد كبير من عناصرها بين قتيل وجريح كما حصل في العديد من المواجهات في الحرب السابقة، فعندما يحقق المقاوم إنجازاًَ ميدانياً يمتلك التفوق المعنوي مهما كانت كثافة النيران التي تواجهه.

 

البساطة : وهي تحضير الخطط الواضحة والأوامر الدقيقة لتحقيق الإنسجام والتفاهم في الجسم القتالي

 

الهدف الواضح مقدمة للخطط الواضحة وتوفر المعلومات شرط للأوامر الدقيقة، وإن ضعف العدو الإسرائيلي في نقطتي تحديد الهدف والمعلومات سيدفعه إلى خيارين كلاهما مر، الأول وهو التحرك على طريقة : لنقم بمعركة ونرى ماذا سيحصل، والآخر هو الإعتماد على القادة الميدانيين في المستويات الدنيا لاتخاذ القرارات، وقد أثبتت الحرب الماضية عقم المجتمع الإسرائيلي عن إنتاج قائد ميداني مبادر وفعال.

 

أما المقاومة التي تتبنى استراتيجية دفاعية فتستطيع تبسيط خطتها وإيكال التعاطي مع المتغيرات على عاتق القادة الميدانيين الذين أثبتوا كفاءتهم خلال الحرب الماضية.

 

المفاجأة : وهي مهاجمة العدو في الوقت، المكان والطريقة التي لم يستعد لها

 

استراتيجياً تستطيع المقاومة، كما أصبح واضحاً، تحديد زمان المعركة ولحظة انطلاقها إلى حد كبير، أما تكتيكياً فيمكن لكلا الطرفين، كل بما يملك من معلومات وأوراق قوة غير مستخدمة، أن يحقق مفاجآت ميدانية.

 

خلال هذه المقارنة العاجلة يتضح لنا مدى صعوبة اتخاذ قرار الحرب لدى إسرائيل، التي لم تتجرأ على المبادرة بها في فرصة سنحت لها ليلة اغتيال عماد مغنية، مما يدلل على عدم وضوح الرؤية الإسرائيلية لنتائج أي حرب مقبلة، ولذلك وهي تقف في مرحلة الإنتظار مختبئة خلف متراس، تستنزف أعصابها، فيما المقاومة تعمل بهدوء تحضيراً للرد وللحرب التي قد تتبعه، والتي حاولت المقارنة أن تفيدنا بشيء ما عن شكلها المفترض.

 

 

موقع الخدمات البحثية