قراءة في كتاب » الجسد المختار

قراءة: عبير بسام 
The Chosen Body
The Politics of the Body In Israeli Society
Meira Weiss

كتاب الجسد المختار: سياسة الجسد في المجتمع الإسرائيلي، من تأليف ميرا فايس. طبع الكتاب من قبل منشورات جامعة ستانفورد في ستانفورد كاليفورنيا.
صحيح أن االكتاب تم نشره في العام 2002، إلا أن الكتاب جدير بالقراءة، وهو يوضح خبايا تتعلق بالمجتمع الصهيوني وطريقة نظره للجسد الإنساني. الأمر لا يتعلق بالجسد من الناحية العاطفية او العلاقات ما بين الرجل والمراة، وإنما الجسد بما يمثله من كمال لا شائبة فيه وعدم وجود إعاقات من أي نوع تجعل بناء العلاقة المتكاملة معه كفرد في المجتمع ذات معوقات. حتى أن النساء في المجتمع الصهيوني، وضمن العائلة الصغيرة التي تبدأ مع الأب والأم، يتوجهون لفحص السائل الأمنوسي في مراحل الحمل المبكرة من أجل إجهاض الجنين في حال تبين أن هناك اسباب تدعو للقلق من ان الجنين قد يكون ذو إعاقة عقلية أو جسدية، فيفضل التخلص منه.

هذه العلاقة ما بين الجسد والمجتمع الصهيوني من الحقائق التي يكشفها الكتاب، وهي جديدة جداً في المضمون وحتى في طريقة الطرح، ولم يكن ليسمح الصهيوني بكشف هذه الملابسات الغير إنسانية والتي تتعلق بتركيبته ككيان وبتركيبة المجتمع فيه، وسبب ظهور الكتاب أنه طبع في الولايات المتحدة، وإلا لم يكن ليرى النور عبر الجامعة العبرية. 

يناقش الكتاب مواضيعه في 7 فصول. 
1ــ الفصل الاول: المقدمة
2ــ الفصل الثاني: الجسد كمرآة اجتماعية
3ــ الفصل الثالث: اختيار الجسد: الحمل، الولادة، الجيش، الحرب، والموت
4ــ الفصل الرابع: تكريس/ تقديس الجسد المختار: النعي والتكريم
5ــ الفصل الخامس: انتاج الجسد المختار: النساء والجندية
6ــ الجسد المختار والإعلام
7ــ كتابة الجسد

اختيار ملفت لعناوين الفصول، التي ستضم الدراسة التي أجرتها فايس في المعهد الإسرائيلي للدراسات الجنائية في تل ابيب. حيث رافقت الدراسات الجنائية التي يقوم بها المعهد، كما كانت فايس أول من اطلع وكشف الحقيقة حول بنك الطعوم الجلدية الذي يمتلكه الكيان. واطلعت من المصدر على سياسات الكيان في التعاطي المتباين مع الجسد اليهودي، والجسد الغير يهودي. ومن ضمن ذلك يأتي بنك الطعوم الجلدية والذين يتم فيه جمع وتخزين الطعوم بطريقة تخالف القوانين الدولية والبشرية وبدن إذن أصحابها، في مجتمع  يحرم حاخاماته التبرع بالأعضاء، وخاصة أعضاء جنود الحرب المتوفين كي يستفيد زملاءهم من أعضاءهم. وكانت فايس من أوائل الذين كتبوا في هذا الموضوع بعد الصحفي السويدي، دونالد بوستروم، الذي شهد على سرقة الأعضاء والجلود من جثامين الشهداء الفلسطينيين خلال الإنتفاضة الفلسطينية الأولى لبنك الطعوم الجلدية فقد كانت فايس. 

الكتاب، وبحسب العنوان يتحدث عن الجسد البشري المثالي، بمعنى وافر الصحة، والذي لا تشوهات أو عيوب خلقية فيه، وتتكامل فيه الحواس الخمسة. ويبدو أن هذا الأمر أكثر من أساسي في المجتمع الصهيوني وبحسب الباحثة مؤلفة الكتاب، فإن أي ظهور لعارض من هذه العوارض يؤدي إلى مشكلة اجتماعية كبرى. اذ تتحدث فايس، وهي باحثة في علم الإجتماع الجنائي، ولهذا السبب كان من الطبيعي أن تدخل معهد الأبحاث الجنائية وأن تقوم بجزء كبير من البحث هناك. حيث التقت بالعديد من الأزواج، بعد حصول الحمل، الذين جاؤوا من أجل فحص جيني للجنين. وهدف الفحص الذي تقدمه الدولة هو التاكد من سلامة الجنين التامة قبل اتمام شهور الحمل. فإذا ظهر أن الجنين مصاب بأي مرض عضال، كقصور القلب مثلاً، أو كان هناك تشوه خلقي، حينها تقوم الوالدة بإجهاض الجنين حتماً. 

وخلال البحث عن الجسد المثالي، يبحث الصهاينة عن جسد الطفل شمشون. وقد جاء أطباء اختصاصيون من خارج فلسطين للعمل على بناء الجسد اليهوديي المثالي، المفتول العضلات، ويبدو أنهم من خلال عملهم هذا يعملون على بناء المحارب اليهودي الكامل الأوصاف، والشجاع الذي لا يخاف المخاطرة والخالي من الأمراض، ولكن سني العمل على هذا المحارب لم تأت أوكلها حتى اليوم. وهذذا ماتناقشه فايس بشكل كامل في الفصل الثالث. لأنه على جميع اليهود الخدمة في الجيش الصهيوني قبل أن يصبحوا مواطنين كاملي الحقوق والإمتيازات. ولذلك لا يمكن السماح بولادة ولد أو بنت ضعيفين غير قادرين على الخدمة العسكرية.

وقد ذكرت في الكتاب حالات خاصة لم يتم فيها فحص الجنين، ولكن للصدفة، فقط جاء الطفل مشوهاً جسدياً، اذا تم تشخيصه بأنه مصاب بالشلل، وبتطور غير طبيعي للأطراف، مما يعني أن الطفل سيزحف ولن يستطيع الوقوف خلال نموه، وكان يعاني من تشوهات في الوجه. تسبب الطفل بأزمة نفسية واجتماعية كبيرة للوالدين. ففي البداية لم يوضع الرضيع في غرفة مع أخوته، لأن شكله يمكن أن يسبب الرعب لهم. ولم يكن من الممكن أن يوضع في غرفة نوم الام والاب لأن النظر إليه سيكون صعباً. ولم يكن ممكناً وضعه في المطبخ لأنهم لن يستطيعوا الأكل بسبب شعورهم بالإقياء من شكله. ولم يكن ممكناً وضعه في غرفة الجلوس فيراه أصدقاءهم. وكان السؤال كيف يمكننا تبرير انجاب هكذا طفل. فكان الحل أن وضع الطفل في الممر بين الغرف، لم يكمل الطفل عامه الثاني ومات، ولم يكن السبب نقص الغذاء أو الدواء، بل السبب انعدام التواصل الإجتماعي معه، فالطفل لم تضمه والدته ولا والده ولم يكن هناك أي نوع من التواصل الجسدي أو اللغوي الإنساني معه، وكان يطلق عليه اسم "الشيء".

لا يمكن لقارئ الكتاب أن لا يلحظ عمق التمييز العرقي الذي تعيشه دولة الكيان، وليس صحيحاً أن اليهودي الإشكنازي يتمتع بنفس حقوق اليهودي العربي أو يهود الفلاشا اللإثيوبيون أو حتى يهود اليمن. وخلال وجود فايس في المعهد الجنائي استطاعت الإطلاع على قضايا حساسة جداً مثل قضية خطف أطفال يهود الفلاشا وأطفال يهود اليمن، الذين جاؤوا فلسطين في السبعينات من القرن الماضي. تفاعلت قضية أطفال اليمن وأطفال الفلاشا خلال السنين الماضية في الإعلام بشكل كبير، إلا أن فايس ذكرتها مع التفاصيل في كتابها. فعندما يقوم يهود أحد هاتين الفئتين بالذهاب بطفلهم إلى المشفى من أجل العلاج من عارض ما، سرعان ما تقوم الممرضات بأخذ الأطفال من والديهم، وتعمل جاهدة على دفع الأهل للمغادرة خلال وقت قصير، بعد طمئنتهم أن كل شيء على مايرام ولكنهم بحاجة للإحتفاظ بالطفل خلال فترة العلاج وبعدها سيتم اخبار الأهل لقدوم من اجل استلام طفلهم وهو في صحة جيدة. ولكن وبعد فترة يعود الأبوين للمطالبة بطفلهما فيقال لهما بأن الطفل قد مات. وقد حدث هذا مع يهود العراق والمغرب أيضاً في البدايات.

في البداية احتل هذا الأمر حيزاً هاماً من الكتاب بسبب فظاعة ما كان يحدث. المجتمع الصهيوني الأبيض كان ينظر إلى يهود اليمن ويهود الفلاشا وحتى اليهود القادمين من الدول العربية نظرة دونية، ويعتبرهم غير قادرين على الحفاظ على نظافتهم الشخصية. وبسبب الأزياء التي يرتديها هؤلاء، من ملابس شعبية أو حتى غير شعبية، كانوا يعدون غير قادرين على إعطاء الصورة المناسبة للرجل والمرأة اليهوديين، بل هما أدنى من ذلك بكثير، وبالتالي فهم غير قادرين على تنشئة أطفالهم بما يتناسب ومظهر الدولة اليهودية المثالي. وثانياً، اعتبر الأهل بالوضعية التي هم عليها بانهم قذرين جسدياً وبالتالي فهم يحملون الأمراض التي يمكن أن ينقلوها لأطفالهم وبالتالي إلى المجتمع المحيط بهم، لذا تم التصرف معهم على أنهم حاملوا أوبئة. وبقي مصير الأطفال الموت حتى بضع سنوات قليلة خلت، وحررت شهادات وفاة باسم الأطفال من قبل المشفى، أو سلموا أوراقاً تقول ذلك.

وهنا سنكمل حكاية أطفال اليمن وأطفال الفلاشا الإثيوبيين من خارج الكتاب. اذا تسلمت عائلة يمنية مات طفلهم في المشفى، بزعم الممرضة هناك، إخطاراً بوجوب التحاق الابن الذي مات بالجندية الإجبارية لأنه أتم سن الثامنة عشر. تكرر الحدث مع عدة عائلات، واجتمعت العائلات وأجبرت شرطة الكيان على فتح التحقيق لمعرفة مصير الأطفال الحقيقي. واتضح أن الأطفال كانوا يؤخذون من ذويهم، ومن ثم يتم فحصهم ومعالجتهم و"تنظيفهم"، ويتم إعطاءهم لعائلة اشكنازية غير قادرة على انجاب الأطفال، أي وضعهم في التبني. ووجد أن هذا هو الحل الأفضل من أجل إنشاء الأطفال في بيئة يهودية حقيقية! ومايزال الملف مفتوحاً حتى اليوم.

هذه القصص التفصيلية تظهر خلال قراءة الفصول تباعاً، والكتاب يزخر بهذا النوع من الشواهد. نحن نرى جانباً منها، نرى كيف ينشأ هذا الكيان كحالة عنصرية حتى في حالة التعرف على أبناء الدين الواحد ولكن كل بحسب لونه وعرقه. وفي التفاصيل المروية حول اختيار الطفل واستمرار الحمل وكيفية التعاطي مع الأطفال الذين يولدون مع عاهات جسدية او عقلية مستدامة، فإننا نشعر حجم الحب المشروط  في دولة الكيان، المشروط بكمال الجسد، والذي يتطلب حتى من الأطفال أن يتصفوا بمواصفات محددة، وإلا سيطردون من محبة ورحمة الأهل. وأهم أسباب ذلك أنك تبني علاقات حديثة وغير متواصلة وتعتمد في معظمها على الإيحاء بالقوة والمنعة التي سيعطيها الجسد. وهنا يمكننا ان نذكر مثالاً جيداً تأتي عليه فايس لشرح أهمية القوة الجسدية لدى النساء فهن جزء من المجتمع العسكري ويخدمن في الجيش، عندما تطلق صفارات الإنذار في الدولة العبرية، تقوم الأمهات بمغادرة المنزل والتوجه لأخذ مراكزهن في العمل وأداء المهمات التي تدربن عليها، في حين أن من يغادر المنزل أولاً في جميع أنحاء العالم ليخوض الحرب هو الرجل وتبقى الأم في المنزل مع الأولاد. تكلف النساء بهذه المهمات كدليل اعترافهن بفضل الرجل وحمل جزءمن الحمل الذي تراكم عليه بسبب طول سنين الخدمة العسكرية للرجل اليهودي وهي ثلاث سنوات، فيما تخدم المرأة اليهودية لعام فقط.

تقول فايس، بعد أن أجرت الأبحاث الإجتماعية وهي أستذة في الجامعة العبرية، كلاماً مهماً يجب الوقوف عنده، بأنها مواطنة يهودية ذات خلفية أوروبية، إنها بيضاء ومن طبقة اجتماعية متوسطة غنية، ووالدها شاركا في الحرب مع البريطانيين، ووالدتها حاربت مع إحدى المنظمات، وجاءا صغارا إلى فلسطين، وأنها خدمت في الجيش الصهيوني قبل أن تصبح أستاذة في الجامعة العبرية، وأن أولادها خدموا في الجيش أيضاً، ولكنها تقف للحظة لتستنتج، أن حياتها لم تكن من اختيارها، لقد وضعت جميع الخطوات الواجب اتخاذها أمامها وأمام أبناءها، ولم يكن أياً مما وصلت إليه هو من اختيارها بل كانت درباً محدداً وهي سارت فيه دون إرادة أو تحديد خياراتها. هل يمكننا أن نقول الكلام نفسه عن حياتنا؟ هل يتحدث الأوروبي عن حياته بهذه الطريقة؟ هل خطوات حياتنا مرسومة بالدقة التي رسمت فيها حياة كل صهيوني لينسجم مع اختلاطات دولة الكيان وشروط محددات الإنسان فيه؟ هذه ازمة حقيقية في الكيان، خاصة إذا ما استيقظ أكثر من ميرا فايس ليجدوا انهم روبوتات في كيان ابتغوا الحرية الشخصية فيه.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد البشري


موقع الخدمات البحثية