قراءات سياسية » مذكرات إسرائيلية تحت المجهر

إعداد وتحقيق: نسيب شمس
اعتمد يعقوب شاريت نجل موشيه شاريت الذي كان في وقت ما رئيساً لحكومة الكيان المؤقت ووزيراً لخارجيتها، اعتمد على نصوص من مذكرات والده والرسائل المتبادلة مع بن غوريون حول لبنان في محاولة كتابة مذكرات، فأورد النصوص الكاملة واختتمها بالبحث عما كتبه بن غوريون وتلميذه موشيه دايان في هذا الصدد في مذكراتهما.
كتب يعقوب شاريت(*)
تكشف مذكرات موشيه شاريت رئيس الحكومة الإسرائيلية، ووزير الخارجية ("يوميات شخصية"، صادرة عن "معاريف" 1978) النقاب عن أن المؤسسة الأمنية ــ العسكرية في إسرائيل تبنت منذ سنة 1954 على الأقل دعاوى وخططاً من أجل غزو لبنان لإجراء تغييرات في هيكليته ونظام الحكم فيه. وقد كبح موشيه شاريت هذه الخطط قبل اعتزاله الحكم سنة 1956. قبيل أول حرب بادرت اليها "إسرائيل" ضد مصر في تشرين الأول/أكتوبر 1956 ببضعة أيام، لدرجة أنه حاول أن يثير اهتمام الحكومة الفرنسية بها والتي كان يترأسها آنذاك غي موليه، شريكه في "مؤامرة السويس".
(*) "حوتم، ملحق صحيفة عل همشمار 10/06/1983، ص 4-5"
من مذكرات موشيه شاريت
27/02/1954

بدأ بن غوريون كلامه عن قضية أخرى، هذا هو الوقت المناسب من أجل تحريك لبنان ــ أي الموارنة ــ بهدف اعلان دولة مسيحية، وقلت إن هذا ليس سوى اضغاث احلام، لأن الموارنة منقسمون على أنفسهم، وأما الذين يؤيدون الانعزالية المسيحية فهم الفريق الأضعف، وهذا لن يساعد في شيء. كما أن لبنان مسيحي لا يعني سوى التخلي عن إقليم صور، وطرابلس، والبقاع اللبناني. كما أنه ليست هناك قوة تستطيع إعادة لبنان إلى حجمه الذي كان عليه ما قبل الحرب العالمية الأولى. ناهيك بأن من شأنه أن يفتقر إلى جميع مقومات الحياة من الناحية الاقتصادية. وكان جواب بن غوريون على ذلك غاضباً. ثم أخذ يسوق الأدلة على إيجاد تبرير تاريخي للبنان مسيحي مصغر. وإذا لم تتوفر جهة ما لتخلق هذه الحقيقة، وإذا شرعنا في الاثارة والحث سنتورط في مغامرة لن تعود علينا إلا بالفشل.

وهنا هبت عاصفة من التوبيخ بسبب انعدام الجرأة وضيق الأفق.

ينبغي إرسال مبعوثين وتوزيع الأموال.

وقلت: أن الأموال غير متيسرة.
وجاء الرد المتزن: أن هذا كلام سخيف، بل ينبغي توفير المال، فإذا لم يكن من الخزينة فليكن من الوكالة ومن أجل تحقيق هدف كهذا يجب المجازفة بمئة ألف دولار، نصف مليون دولار، شرط أن يتحقق هذا الأمر، وبعد ذلك تأتي إعادة ترتيب أوضاع الشرق الأوسط بصورة حاسمة ثم يبدأ عصر جديد.
لقد سئمت مصارعة الطواحين الدون كيشوتية".
نشرت رسالة دافيد بن غوريون إلى موشيه شاريت المؤرخة في 27 شباط/فبراير 1954، والتي تدعو الى القيام بمبادرة إسرائيلية سرية من أجل إنشاء دولة مارونية في لبنان. وجاء رد موشيه شاريت عليها في 8 آذار/مارس 1954، في البداية في مذكرات "الياهو ساسون" صحيفة "دافار" 29/10/1971. ويبدو أن موشيه شاريت أحال الرسالتين إلى الياهو ساسون الذي كان يشغل منصب سفير إسرائيل في إيطاليا، لكي يبدي رأيه فيهما. ونشرت صحيفة "دافار" 29/10/1971 أيضاً وجهة نظر موشيه شاريت الرافضة لمبادرة بن غوريون التي حررت في 25/03/1954، من أساسها.

رسالة دافيد بن غوريون
سديه بوكر
27/02/1954
- بغض النظر عن الاحداث الجارية (في تلك الاثناء أعيد تعيين محمد نجيب رئيساً للدولة في مصر) فمن الواضح أن لبنان هو أضعف حلقة في مجموعة "الجامعة". والأقليات الأخرى في الدول العربية هي إسلامية، ما عدا الاقباط، إلا أن مصر هي أكثر الدول العربية تماسكاً ورسوخاً، كما أن الأكثرية الحاسمة فيها هي كتلة متراصة واحدة، ومن بشرة عرقية واحدة، من حيث الدين واللغة، والأقلية المسيحية فيها لا تمس سلامة الدولة والأمة بصورة خطيرة.

- أما بالنسبة إلى المسيحيين في لبنان فهذا أمر مختلف. أنهم أكثرية في لبنان التاريخي، ولهذه الأكثرية تقاليد وحضارة تختلف تماماً عن تلك لشعوب "الجامعة". وحتى في الحدود الموسعة فأن المسلمين مقيدون في أعمالهم، وحتى ولو أنهم أكثرية خوفاً من المسيحيين. أن إنشاء دولة مسيحية هنا لهو أمر طبيعي، وله جذوره التاريخية، وسوف يحظى بدعم قوى كبرى في العالم المسيحي، سواء الكاثوليكي أو البروتستانتي. لكن هذا الأمر في الأيام العادية يكاد يكون مستحيلاً، أولاً، وقبل كل شيء بسبب عدم توفر المبادرة والشجاعة من قبل المسيحيين. إنما في أوقات الارتباك والفوضى والثورة أو الحرب الأهلية، فإن الأمور ستختلف وسوف يقول الضعيف أنني بطل. ومن الجائز أن الوقت الراهن هو فرصة سانحة للعمل لإقامة دولة مسيحية في جوارنا. ومن دون مبادرتنا ومساعدتنا الحثيثة، فإن هذا الأمر لن ينجز، ويبدو لي أن هذه هي الآن المهمة الرئيسية أو على الأقل إحدى المهام الرئيسية لسياستنا الخارجية. وينبغي بذل الجهود والوقت، والعمل الحثيث، والتحرك في جميع الطرق التي من شأنها أن تقود الى تغيير أساسي في لبنان. وينبغي تجنيد الياهو ساسون وسائر مستعربينا. وإذا ما كانت هناك حاجة إلى أموال، ينبغي ألا نبخل بالدولارات حتى ولو كنا سنجازف بهذه الأموال. وينبغي التركيز على هذا الأمر بكل ما أوتينا من قوة. ومن الجائز أن يكون من المجدي أن نحضر على الفور رؤوبين شيلواح. انها لفرصة تاريخية، لن تغفر اضاعتها. ونحن بذلك لا نستثير قوى كبرى. وينبغي ألا نقوم، على الاطلاق، بأي عمل "النيابة" لكن ينبغي العمل، في رأيي، بنشاط وبأقصى سرعة، لن يكون الأمر ممكناً دون تقليص حدود لبنان، ولكن إذا ما وجد أشخاص وتكتلات في لبنان تتجند لإقامة دولة مارونية، لن تكون لها حاجة إلى حدود موسعة وإلى سكان مسلمين بحجم كبير، وهذا لن يكون عائقاً.
لست أدري إذا كان لنا رجال في لبنان. ولكن هناك شتى أنواع الطرق إذا ما اقتضى الأمر بذل المحاولة المقترحة.
د. بن غوريون

رد موشيه شاريت على دافيد بن غوريون
02/1954
سديه بوكر
- يتوجب علي أولاً أن أعين فرضية أساسية واحدة طالما تمسكت بها، وهي أنه إذا كانت هناك في بعض الأحيان فائدة وكسب لجهة خارجية للتدخل في الشؤون الداخلية في رقعة من بلد ما من أجل دعم حركة سياسية تصبو هي نفسها الى هدف ما، فإن هذا غير ممكن إلا إذا أظهرت تلك الحركة نشاطاً ما ذاتياً، حيث تتوافر فرصة لدعم نجاحها أو ربما أيضاً لتأمين النجاح بواسطة التشجيع والمساعدة من الخارج. ولكن لا فائدة ولا كسب من محاولة استثارة حركة من الخارج إذا لم تكن الحركة قائمة أبداً في الداخل. ويمكن تعزيز روح الحياة فيها إذا كانت هي مفعمة بطبيعة الحال. ومن المستحيل نفخ روح في جسم لا يظهر أية دلائل على الحياة.

إنما على قدر ما أعرف، لا توجد في لبنان حركة تنوي تحويل البلد إلى دولة مسيحية، تكون السلطة الحاسمة فيها للطائفة المارونية. هذا هو انطباعي الواضح منذ بضع سنوات، ومن الجائز أن يكون مثل هذا الشعار قد لاح مرة في أجواء لبنان، وربما كان هناك اشخاص وأوساط أيدوه. وحتى في هذه الحالة، فإن الأمور لم تبلغ بعد حجم حركة جادة، ولم تتحول الى موضوع للعمل المنهجي والمنظم. ولكن مع مرور الوقت فأن هذه الأصوات قد هدأت. وقد سقط هذا الشعار تماماً عن المسرح العام وشاد وضع من الصمت الشديد. شلل متناه في التفكير وجمود في ميدان العمل. ومن يأت اليوم لكي يثير من خارج التطلع الى لبنان مسيحي كموضوع لسياسة عملية سيكون كمن ينفخ في الهواء.

ان سكان لبنان المسيحيين ليسوا أكثرية. كما أنهم لا يشكلون وحدة متماسكة فيما بينهم، لا من الناحية الطائفية ولا من الناحية السياسية. إن الأقلية الارثوذكسية في لبنان تسير في أعقاب شقيقتها في سوريا. ولا يتوقف الأمر عند حد أنها غير مستعدة لأن تكون الضحية في الحرب من أجل لبنان مسيحي، أي لبنان أصغر مما هو قائم حالياً ومنفصل عن "الجامعة العربية" وحسب، وإنما هناك أساس للافتراض بأن فكرة وحدة لبنان مع سوريا أيضاً تثير فيها فورة عاطفية. بل على العكس، فهي تعتقد بأنه في إطار دولة موحدة سيرتفع شأن الأقلية الارثوذكسية اللبنانية والطائفة الارثوذكسية في المشرق عامة، وذلك لسببين ديموغرافيين بسيطين: أن الأرثوذكس في سوريا هم أكبر عدداً من أشقائهم في لبنان، أما الأرثوذكس في سوريا ولبنان سوية فهم أكبر عدداً من الموارنة.

وبالنسبة إلى الموارنة، فأن اكثريتهم العظمى تؤيد، منذ سنوات، الرجال المبادرين من القادة السياسيين لطائفتهم، الذين تخلوا منذ زمن عن كل حلم لإعادة مجد لبنان المسيحي إلى غابر عهده، ووضعوا كل ثقلهم على ائتلاف مسيحي-إسلامي داخل لبنان. وقد أدرك هؤلاء القادة أنه ليس هناك أي أمل في لبنان ماروني يعيش معزولاً. وأن المصلحة التاريخية لهذه الطائفة تقتضي بأهون الشرين، ومعناه المشاركة مع المسلمين في السلطة، ودخول لبنان "الجامعة" على أمل وعلى افتراض أن تعوض هذه التسوية مسلمي لبنان عن حنينهم إلى الوحدة مع سوريا وتنمي بينهم نزعة الاستقلال اللبناني.

بناء عليه، فأن الأكثرية العظمى من الطائفة المارونية، التي تقاد في هذا الاتجاه، ستعتبر كل محاولة ترمي إلى رفع راية التقلص والتعاظم الماروني عملاً خطيراً ضد مكانة الطائفة كلها واغتيالاً لأمنها وصميم وجودها. وسوف تكون مثل هذه المبادرة في نظرها حبلى بالكوارث، لأن من شأنها أن تمزق بمسحة يد واحدة نسيج المشاركة المسيحية ــ الإسلامية في إطار لبنان الحالي، الذي نسج بعمل دؤوب ومن خلال تضحيات قاسية طوال جيل، ثم إلقاء مسلمي لبنان بين ذراعي سوريا، وفي المسار التسبب للبنان المسيحي بكارثة تاريخية تتجلى بضمه إلى سوريا وطمس متناهٍ لكيانه داخل الدولة الإسلامية الكبرى.

قد تقول، أن هذه الملاحظات حول الخطة لا تتلاءم وجوهرها، لأنها قائمة على أساس أن تقتطع من لبنان تلك الأقضية التي يرجح سكانها الكفة لمصلحة الإسلام وضد المسيحية، قضاء صور، والبقاع اللبناني، ومدينة طرابلس، ولكن هيهات تتخلى هذه الأقضية بسهولة عن انتمائها الى لبنان وعن ارتباطها السياسي والاقتصادي ببيروت. وهيهات تتخلى "الجامعة العربية" من جانبها عن المكانة التي تتمتع بها اليوم. بفضل انتساب لبنان اليها، في منتصف الساحل الشرق للبحر الأبيض المتوسط، بعد أن فقدت مكانتها في الزاوية الشمالية لهذا الشاطئ بعد أتاي (انطاكية) الى تركيا، وكذلك القسم الجنوبي للساحل بعد إقامة دولة إسرائيل، وهيهات تبقى الحرب الدامية، التي لا مفر من نشوبها بسبب هذه المحاولة، محصورة داخل حدود لبنان من دون أن تجر على الفور سوريا ايضاً إلى المعركة؟ وهيهات تبقى الدول الغربية على الحياد تراقب من بعيد مثل هذه المحاولة الثورية وتمتنع عن التدخل فيها حتى يحين الوقت الذي تصبح فيه قادرة على التسليم بما حدث وتستجيب إلى "عودة" لبنان المسيحي؟ وهيهات ألا تكون هذه الاعتبارات شاخصة سلفاً أمام القيادة المارونية، من دون أن تردعها عن المغامرة الخطرة على الاطلاق؟
موشيه شاريت

كتب موشيه شاريت في مذكراته
(في ذلك الوقت كان موشيه شاريت يشغل منصب رئيس الحكومة ووزير الخارجية، وادافيد بن غوريون، وزير الدفاع)
16/05/1955
وقبل أن يصدر بن غوريون جوابه على سؤالي هذا، أنصرف إلى مشكلة لبنان، حلمه القديم، وهو التدخل في شؤون لبنان والسعي إلى إعلان دولة مسيحية. وجرى بيني وبينه مرة نقاش حول هذا الموضوع. وحاولت أن أسوق أمامه الدليل على أن الموارنة هم دعامة واهية، لأنهم منقسمون على أنفسهم من الداخل وليس عندهم هيئة تجد في نفسها الجرأة على خوض غمار هذه المجازفة، أو يمكن أن تشكل بالنسبة الينا دعامة وحليفاً حقيقياً. أما هو فكان يتوقع احتمال إقدام العراق على غزو سوريا. وقد راودته النزعة نفسها من جديد. ثم تذكر في لبنان دروزاً أيضاً، إذ أنه من الواضح، لسبب ما، إنهم سيدعمون تحقيق مغامرة لبنان المسيحي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المتاولة (الشيعة).

في اعتقاد (أي بن غوريون) كل ما يلزم هو العثور على ضباط، ولو برتبة رائد، واستمالته أو شراؤه بالمال، لكي يوافق على أن يعلن عن نفسه بأنه منقذ السكان الموارنة. وعندئذ يدخل الجيش الإسرائيلي لبنان ويحتل ما أمكن من مناطق ويقيم حكماً مسيحياً متحالفاً مع إسرائيل. وذلك على أن يضم المنطقة الواقعة جنوبي الليطاني إلى إسرائيل نهائياً، وبعد لك تعود الأمور إلى سابق عهدها بسلام. كان من الجائز أن نستجيب إلى رئيس الأركان، وننجز ذلك، بيد أن هذا الأخير كان مستعداً في الظروف الراهنة للتحلي بالصبر حتى تحقق الحكومة العراقية رغبتنا في احتلال سوريا. والحقيقة أن بن غوريون سارع مؤكداً أن مشروعه غير قابل للتنفيذ إلا بعد أن يحتل العراق سوريا.

إنني لم أر أية فائدة من خوض نقاش واسع وحاد مع بن غوريون بحضور ضباطه بشأن هذا المشروع الخيالي والذي ينطوي على مغامرة، بل المذهل في هشاشته وعدم واقعيته، فاكتفيت بالتعليق بأن هذا الكلام لا يعني سوى تعاظم لبنان المسيحي، وإنما نشوب حرب بين إسرائيل وسوريا، وينبغي مراعاة هذا الاحتمال لدى البحث في هذه المقترحات. ورغم ذلك، وافقت على اقتراح بن غوريون بإنشاء هيئة مشتركة بين وزارة الخارجية وجيش الدفاع الإسرائيلي لمعالجة شؤون لبنان. وقد أجاب بن غوريون رداً على سؤال، من يصدر التعليمات إلى هذه الهيئة؟ أجاب انها يجب أن تخضع لـ (القيادة العليا) لرئيس الحكومة.
أن أبسط ما يقال في عدم الجدية الذي بدأ من جانب الجناح العسكري في المشاورات حول كل موقفه من شؤون البلاد المجاورة، وخصوصاً الوضع الداخلي والخارجي ــ أكثر المشكلات تعقيداً ــ هو أنه مثير للدهشة. وقد لاحظت بوضوح كيف أن أولئك الذي أنقذوا الدولة بتفانيهم وبطولتهم خلال حرب الاستقلال قد يتسببون في كارثة لو تركت لهم الساحة في الأيام العادية.
السبت 28/05/1955

جرى قبيل المساء حديث مع جدعون رفائيل حول بعض الشؤون الأمنية، ومن بينها ما تم إنجازه وما لم ينجز بالنسبة الى لبنان بعد انشاء هيئة مشتركة بين وزارتي الخارجية والدفاع. ويشدد رئيس الأركان على استئجار ضابط مستعد ليصبح شبح زعيم، لكي يدعي الجيش الإسرائيلي أنه يلبي دعوته من "تحرير" لبنان المسيحي من كاهل مضطهديه المسلمين. فهذا سيكون بالطبع، مغامرة مجنونة، وحسناً أنه أنشئت هيئة مشتركة لكي نتمكن بواسطتها الحؤول دون هذا التورط الخطير. ويجب أن يناط بهذه الهيئة مهام البحث والاستقصاء وتوخي العمل الحذر من أجل تشجيع أوساط مارونية ترفض أن تحني رأسها أمام ضغط إسلامي ومستعدة لاعتبارنا دعامة لها.

الجمعة 17/06/1955
جرت مشاورات مع جدعون رافائيل والياس) الياهو) ساسون، وزياما ديبون وبنحاس إيلياف حول قضية نشاطنا في لبنان. فقد جلس الياس مغتماً ومتجهم الوجه، ومشحوناً بالانتقادات والشكاوى. وهو الذي كان يتطلع طوال حياته الى مفوضية في أوروبا (كسفير لإسرائيل) وعندما أتيح له تحقيق أمنيته، فأنه غاضب على إبعاده عن ساحة العمل العربي وإحالة دوره هذا إلى "الأغراب" وكله انتقادات وتنديد. وكنت في صف جدعون وبنحاس اللذين قالا، أن قضية لبنان المسيحي هي حلم عابث، حنين إلى الماضي الذي ذهب دون رجعة لأن جميع اتجاهات التطور القومية والاقتصادية والسكانية تشكل وتبلور إقليم لبنان القائم على مسيحيه ومسلميه كشعب واحد ومنخرط في مجموعة الدول العربية. وحاول الياس أن يقول إنه لا ينبغي بعد التخلي عن ذلك الحلم.

واتفقنا جميعاً على أنه ينبغي إنشاء علاقات وتنميتها، ومثل هذه القرارات تتخذ عندنا مرة كل بضع سنوات منذ سنوات طويلة، ومنذ بداية عهدي في الدائرة السياسية للوكالة اليهودية. والحقيقة أن لنا علاقات مع مجموعة معينة وحاولنا كثيراً اختيار آخرين كثيرين. وعلى الرغم من ذلك، من المجدي بذل المزيد من الحرص، على جهود الاتصال، وخصوصاً يجب محاولة جس النبض لدى الجيش، لنرى ماذا ستكون النتائج.

من مذكرات موشيه دايان
موشيه دايان في مذكراته "أفاني ديريخ" (عقبات في الطريق، دار عيدانيم، 1976) سار في درب معلمه دافيد بن غوريون، فكتب:
في 22/10/ 1956
أن شمعون بيريس وأنا ورئيس مكتبي مردخاي بارــ اون في باريس في فندق ويندلوس. وإما بن غوريون ومرافقه العسكري (ناحاميا ارغوف) ففي فيلا سيفر، في مكان المحادثات. وحضر اللقاء الأول عن فرنسا رئيس الحكومة غي موليه، ووزير الخارجية بينو ووزير الدفاع بورجس مونرو، وحضر منا بن غوريون وشمعون بيريس وأنا، ومعنا بعض مساعدينا.

استمرت المحادثات ثلاث ساعات وفي البداية كانت عامة جداً. وكانت لغي موليه وبن غوريون نظريات وآراء حول كل موضوع نظري وحدث سياسي في العالم. وكان من المعقول تماماً في نظرهما أنه خلال مناقشة الانتخابات في الأردن، ينبغي تحليل الاضطراب في بولونيا الشيوعية.

بدأ النقاش الموضوعي بكلام بن غوريون، ونبه سلفاً إلى أنه يرغب في عرض خطة من شأنها أن تبدو غريبة، أو ساذجة على الأقل، وهي إحلال تسوية شاملة لمشكلات الشرق الأوسط، إن الأردن يفتقر الى مقومات الحياة، وينبغي تقسيمه، وضم شرق الأردن إلى العراق، التي تلزم باستيعاب اللاجئين العرب داخل أراضيها. وضم المناطق غربي الأردن، بصفتها إقليماً يتمتع بإدارة ذاتية، إلى إسرائيل. وينبغي على لبنان التخلص من بعض مناطقه الإسلامية لكي يوفر لنفسه الاستقرار القائم على القسم المسيحي منه. سوف يكون لبريطانيا نفوذ في العراق وفي الأقسام الجنوبية من شبه الجزيرة العربية. ولفرنسا نفوذ في لبنان وربما أيضاً في سوريا، وعلاقات وثيقة مع إسرائيل، ويصبح لقناة السويس مكانة دولية، وتصبح مضائق تيران واقعة تحت سيطرة إسرائيل".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد البشري


موقع الخدمات البحثية