مواد أخرى » ما بعد الإسلاموية: الإسلام والقومية منذ وفاة الخميني وصولاً إلى الثورات العربية

لوز غوميز غارسيا ـ جامعة  ascii85niversidad Aascii117to&acascii117te;noma de Madrid ـ Religion Compass (*)

ملخص
لا يزال مفهوم &laqascii117o;ما بعد الإسلاموية" مفهوماً مثيراً للجدل في الأوساط الأكاديمية الغربية. فقد أدى التعريف نفسه وتطبيقه، على حد سواء، إلى نقاش فكري يمكن اعتباره، وبشكل جزئي، فاشلاً. إن فشلاً كهذا لا يتعلق فقط بالصعوبة الضمنية في إقامة حدوده النظرية (والذي قد أدى بدوره إلى رد داخلي ضمن الأوساط الأكاديمية نفسها)، وانما يتعلق أيضاً بالتأثير المحدود والتداعيات التي كانت للفكرة نفسها في العالم العربي - الإسلامي. إن عشرين عاما في تطوير إطار نظري لمرحلة ما بعد الاسلمة، وشيوع ما بعد الإسلاموية كأداة تحليلية مفيدة من حيث المصطلحات الاجتماعية والسياسية يواجه الآن تحدياً يتمثل في الحاجة إلى مواجهة ثورات 2011 العربية. لقد تحدت الثورات الأسس النظرية التي كانت بمثابة الأساس لخطاب ما بعد الأسلمة، والذي دافع عن تراجع الإسلاموية كبديل سياسي صالح. كان منظرو مرحلة ما بعد الإسلاموية قد قالوا بأن من شأن التجربة الفردية للإسلام على أساس الدفاع عن الحقوق المدنية والفصل بين العوالم الشرعية السياسية والدينية أن تحل، في نهاية المطاف، محل الإسلاموية. وتظهر أحدث نتائج الانتخابات في شمال أفريقيا قوة وتنوع الإسلام السياسي (الخاضع للتساؤل الدائم وإعادة الصياغة ) فضلاً عن ملاءمة  تصنيفات&laqascii117o;ما بعد" التحليلية ( &laqascii117o; ما بعد الإسلاموية ، ما بعد الحداثة ، ما بعد القومية" ) .

ما بعد الإسلاموية: التشخيص والأداء
مر على نظرية ما بعد الأسلمة حتى الآن حوالي 20 عاماً. لقد كان مهندسها الرئيس أوليفر روي، الذي اعتمد النموذج وقام بتطويره إلى جانب شعارات ' ما بعد' الأخرى لما بعد الحداثة وما بعد الاستعمار. وحتى الآن ما زال من غير الواضح من الذي صاغ هذه الشعارات لأول مرة. ويكتب روي نفسه (2001: 137-138 ) في وثيقة بعنوان &laqascii117o; Le postislamisme " ( ما بعد الإسلاموية) أن من المرجح جداً أن يكون أوليفييه كاريه ' هو أول من قام بذلك في عام 1991 ، في كتابه L&rsqascii117o;ascii85topie    )islamiqascii117e dans l&rsqascii117o;Orient Arabe اليوتوبيا الإسلامية في الشرق العربي). ويتفق كل من روي وكاريه ' على الزمن الذي ظهر فيه المصطلح لأول مرة، على الرغم من أنهما يختلفان حول الأهداف وفي وجهات النظر.
إن كاريه ' متخصص في تاريخ الأيديولوجيات العربية المعاصرة. وهو يعتقد أن من القرن العاشر وحتى القرن التاسع عشر، قام كل من الاسلام الشيعي والسني بـ &laqascii117o; فصل العالم السياسي – العسكري عن العالم الديني، سواء من الناحية النظرية أو العملية " ( كاريه ' 1991: 11 ). ويعرِّف كاريه تلك الفترة بأنها &laqascii117o;ما بعد الأسلمة ". وقد تم تجاوز هذا النوع من الإسلام في القرن العشرين- وفقا لكاريه  – بواسطة الحنبلية الجديدة، سواء في المجتمعات الإسلامية وكذلك في أوساط الباحثين بالشأن الإسلامي. ووفقاً لكاريه ' نحن نشهد الآن عودة لعصر ما بعد الأسلمة، الذي يفهم على أنه عودة إلى العصر الكلاسيكي للإسلام . وفي عام 1993 قام أوليفييه كاريه بالمزيد من التطوير لفكرته عن مرحلة ما بعد الإسلاموية في كتابه L&rsqascii117o;Islam laiqascii117e oascii117 le retoascii117r a` la Grande Tradition (الإسلام العلماني أو عودة التقليد العظيم). فبالنسبة لكاريه ' إن مرحلة ما بعد الإسلاموية هي الخيار الوحيد الموجود لدى الفكر الاجتماعي والسياسي  الإسلامي للهروب من الفخ الذي وجد نفسه فيه في العشرينات، ما يعني، منذ بداية الكفاح ضد الاستعمار. إن فخاً كهذا يمكن أن يفهم كما تفهم جاذبية التعصب بالنسبة إلى الشريعة كنموذج تاريخي مغلق وشمولي يمثله المذهب الرسمي السعودي والإخوان المسلمين. فقد حذت حذوهم كل الحركات الإسلامية التي لعبت دوراً هاماً في تاريخ الشرق الأوسط منذ الستينات، ما قد يفسر الخلل الذي ظهر في المصطلحات السياسية والاجتماعية في نهاية القرن العشرين. إن إسلام ما بعد الأسلمة قد يسهل العودة لتقاليد الإسلام العظيم الذي بدأ تراجعه في القرن الرابع عشر، واعترف باستقلالية السلطة السياسية بدلاً من السلطات الدينية وقراءة للقرآن مرتكزة في التاريخ والفرد. بالتالي، قد نكون نتحدث عن صيغة ذاتية للعلمانية داخل الإسلام نفسه، الضرورية جداً لوضع حد لمصدران من مصادر عدم المساواة المناهضة للحداثة داخل الإسلام: وضع الأقليات وحقوق المرأة. وأظهر إعدام محمود طه في عام 1985 القدرة التخريبية للصيغة النظرية للأسلمة الجديدة. وبحسب تعبير كاريه: &laqascii117o; يبدو كما لو كان القرن 21 سوف يلد إسلام ما بعد الأسلمة الذي سوف يتبع مسار 'التقليد العظيم ' المنسي " (1993: 21).
يسير تحليل كاريه بالتوازي مع نشر العمل المؤثر لأوليفييه روي L&rsqascii117o;Echec de l&rsqascii117o;islam politiqascii117e (فشل الإسلام السياسي). ووفقاً لروي، فإن &laqascii117o; فشل الإسلام السياسي " هو حقيقة تاريخية ناتجة عن الخطأ المنهجي للإسلام نفسه. وتطرح الإسلاموية نموذجاً سياسياً قائماً على الفضيلة الفردية، على الرغم من أن الفضيلة نفسها لا يمكن اكتسابها إلا في مجتمع إسلامي حقاً والذي لا بد وأن ينشئه برنامج اسلامي (1992: 42 ). لقد فشلت الحركات الإسلامية، عندما تواجهت مع الواقع (سواء كان ذلك في ممارسة السلطة السياسية في إيران، أم المعاناة من القمع على يد النظام المصري أو بإدامة حالة الأقلية المسلمة في أوروبا)، في تحقيق هدفها في نهاية المطاف ( ما يعني إنشاء دولة إسلامية ) بسبب التناقضات الداخلية. وبدءاً من نهاية الثمانينات شهد العالم بدايات عصر جديد لما بعد الأسلمة للعالم المسلم المتسم باللجوء إلى الإسلام القومي أو القومية الاسلامية، أي اعتماد الدولة لإعادة أسلمة المجتمع وخسارة الإسلاميين لاحتكار الخطاب الديني. وعلى الرغم من أن روي يكرس جزءاً كبيراً من تحليله لإيران، حيث طرحت وفاة الإمام الخميني في عام 1989 ونهاية الحرب ضد العراق قبل عام تساؤلات جدية حول مستقبل الثورة الإسلامية ، فإن عمله يمتد، على الصعيد الجيوبوليتيكي، من أفغانستان وصولاً إلى الجزائر.
إن رؤية روي للعالم الإسلامي شمولية، لكون الإسلام قالباً مفاهيمياً يضع حدوداً في كل شيء ذي صلة بالحياة السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية، والهوية. إن الإعلان عن فشل اليوتوبيا الاسلامية لا يعني، وفقاً لروي، أن على المرء أن ينفي أيضاً قوة التعبئة المحرِّكة للحركات الإسلامية التي  لا زالت تحتفظ بها ولا يعني الإعلان عن انحدار الإسلام، بل هو وسيلة لترسيخ الانفصال التدريجي بين العالمين الديني والسياسي (مع طرح الأول لتنوع رسمي متزايد ومكرس لقضايا الهوية والعدالة، وتمحور الثاني حول الدولة القومية في مقابل الأمة ومجتمع مفكك ). هذا الانفصال الإسلامي بين عالمي الدين والسياسة لا يعني بالضرورة رفض الفكر السياسي المؤطر بالمصطلحات الدينية. كما أنه لا يحتم نزع الأسلمة عن الممارسة الاجتماعية. ووفقاً لروي، فإن ما يعنيه هذا هو نوع من العلمنة التي تختلف جذرياً عن تلك التي للتاريخ الأوروبي، بما أن الدين نفسه هو الذي يحدد المساحة للعلمانية.
بالتوازي مع فشل الإسلاموية، يتتبع روي تطور ما بعد الإسلاموية نحو العلمانية الجديدة. فاستقلالية العلامات الدينية في مقابل تلك السياسية تحكمها ثلاثة عناصر متمايزة: السوق، السلطة وسيادة القانون ، مع اعتبار الدولة المرجع الرئيس في كل حالة من الحالات الثلاث. فالدولة، اللاعب الأولي والرئيس سابقاً في خطاب الاسلاميين، تفقد تفوقها. ويصبح سوق كل الأشياء الدينية ( الأزياء، الترفيه، التعليم والصحة ) سوقاً متنوعاً على نحو متزايد بسبب السياسات الليبرالية التي تنفذها الدولة، بالتحديد. لقد حلت الشبكات العابرة للحدود ( الأخويات، المدارس، دور النشر، ومحطات البث ) محل المؤسسات الدينية التقليدية التي تسيطر عليها الدولة. حتى أن الدفاع عن الشريعة يجري الآن متجاهلاً الدولة والثقافة، بما أن أخلاقيات الفرد التي يروج لها بدأت تصبح جزءاً من التيار الرئيس على حساب طرق ثقافية مجتمعية، ليكون لها الأسبقية على النواهي السائدة في كل دولة. أخيراً، يصبح المجتمع المدني لامركزياً بشكل متزايد بينما يتطلع لاشغال حصة أكبر في الساحة العامة والنأي بنفسه عن السيطرة على المجال السياسي.
بعد نشر كتاب روي نشرت العديد من الأعمال الأخرى التي كانت تحوي دراسات مختلفة للحالات وكذلك لوجهات نظر حاسمة، مفاهيمية ومنهجية جديدة ( انظر روي وهايني 1999). وهذا لا يعني أن تصنيف مرحلة ما بعد الأسلمة كتصنيف أيديولوجي بعد أولوية الخطابات القومية والاسلامية كان بغياب الأوساط الأكاديمية من قبل، بل يعني أنها لم تثبت نفسها حتى الآن كعنصر ذي صلة في الخطاب الأكاديمي (الاستثناء المثير للاهتمام هي المادة الرائدة لميرفت حاتم (1993 )).
اتبعت أعمال عديدة فرضية روي و كاريه، رغم عدم الاعتراف الصريح بهذا الواقع. وما كان ذات أهمية خاصة في هذا الصدد هو كتاب ' Jihad. Expansion et declin de l&rsqascii117o;islamisme' (الجهاد. توسع وتراجع الإسلاموية) لـ جيل كيبيل. ويدرس كيبيل تاريخ الإسلام ابتداء من نهاية الستينات ( النمو، الذروة، والانحدار ) من خلال مزيج من التحليل للخطاب الأيديولوجي الاسلامي والتحليل السوسيولوجي لقواعد الحركات الإسلامية. ويخلص كيبيل إلى أنه &laqascii117o; في ربيع عام 1997 " كان هناك دليل على أن الإسلاميين يتطلعون إلى أن يخلفوا ورائهم المأزق السياسي الذي وجدوا أنفسهم فيه بعد فشل الأيديولوجية الإسلامية و تحالف الطبقة البرجوازية المتوسطة والشباب المحرومين ( كيبيل a2000 : 17 ). ووفقاً لكيبيل، كان هناك خطاب جديد قائم على الديمقراطية وحقوق الإنسان قيد الصنع بدءاً من اندونيسيا وصولاً إلى الجزائر. ولا يذكر كيبيل أياً من الأعمال المذكورة سابقاً؛ في الواقع، إنه لا يلجأ حتى إلى استخدام مصطلح &laqascii117o; ما بعد الإسلاموية "، حتى وإن كان قد استخدم هذا المصطلح في مقال له نشر بالتزامن  مع نشر الكتاب ( انظر كيبيلb  2000: 26).
كان آصف بيات أحد الباحثين الأوائل في اعتماده &laqascii117o; ما بعد الإسلاموية " كأداة تحليلية. إن وجهة نظر بيات أكثر أداءً بطبيعتها من وحهة النظر التجريبية ( العملية)، في مقابل كتاب ' فشل الإسلام السياسي ' لروي. وبعد مادة له في عام 1996 والتي طبق فيها بيات تشخيص روي لإثبات مدى الضغط الذي كانت تفرضه المجموعات الاجتماعية المختلفة (النساء، طلاب الجامعات ورجال الدين الحاسمين ) على إعادة صياغة إيران ما بعد الخمينية، كان عمل بيات مركزاً منذ ذلك الحين على الآثار التاريخية، الاجتماعية، السياسية، والثقافية التي كانت لتحول ما بعد الأسلمة على المجتمعات الإسلامية.  وفي كتابه ' جعل الإسلام ديمقراطياً: الحركات الاجتماعية و التحول ما بعد الأسلمة (2007 )، يوسع بيات تعريف ما بعد الإسلاموية من ' حالة' ( أين وكيف تفقد الإسلاموية المنهكة قدراتها القيادية في العوالم السياسية، الاجتماعية والعقائدية) إلى 'مشروع'، محدد كالتالي:
محاولة واعية لوضع تصور واستراتيجية لمنطق وطرائق لتجاوز الإسلاموية في المجالات الاجتماعية والسياسية و الفكرية. مع ذلك، إن مرحلة ما بعد الإسلاموية ليست معادية للإسلام ولا هي علمانية. بل تمثل محاولة لدمج التدين والحقوق، الإيمان والحريات، الإسلام والحرية. انها محاولة لتحويل وقلب المبادئ الأساسية للإسلام رأسا على عقب بواسطة التأكيد على الحقوق بدلا من الواجبات، وعلى التعددية في مجال الصوت الفردي السلطوي، وعلى التاريخية بدلا من الكتاب المقدس الثابت، وعلى المستقبل بدلا من الماضي ( بيات 2007 :11 ).
يركز عمل بيات على مثالين محددين عن جدوى الديمقراطية: ما بعد الإسلاموية الإيرانية والإسلاموية في مصر. ففي إيران، يتيح انتصار الحركة الإصلاحية في نهاية التسعينات لبيات تطبيق تحليله الأولي عام 1996 إزاء مجمل الاتجاهات السياسية والدينية التي التحمت، إلى جانب المجتمع المدني المعزز، لدعم منصب رئاسة الوزراء لخاتمي (1997-2005)، وهي مرحلة تعرف بأنها مرحلة &laqascii117o;الدولة ما بعد الأسلمة". أما في الحالة المصرية فإن بيات لا يصل إلى نتيجة إيجابية مماثلة: إن فشل &laqascii117o; الثورة الإسلامية السلبية " التي بدأها الإسلاميون المصريون في الثمانينات التي اجتاحتها الدولة في نهاية المطاف قد ضيق، وبشكل متزايد، الهامش بما يتعلق بتطوير بديل آخر فعلي للاسلاميين. ويستخدم بيات مصطلحات Gramscian (حتى أنه يعتمد لهجة حالمة معينة، لا سيما في الفصل الأخير من كتابه )، مع ذلك فإنه يفشل من خلال المتابعة في توصيفه لـ 'ثورة سلبية'، الأمر الذي قد يكون أدى به إلى التشكيك في صحة تصنيفات تحليلية هو يستخدمها.
يضع بيات ما بعد الإسلاموية الديمقراطية في صلب النقاش الذي لا يعتبر نقاشاً معرفياً فحسب، وإنما أدائياً بطبيعته أيضاً. فبالإضافة إلى وصف وتحليل المجتمعات الشرق أوسطية، لا يتردد بيات في تقديم استراتيجية لتحقيق الديمقراطية الحقيقية. بالأحرى هو يتحدث بلهجة عاطفية عن &laqascii117o; فن حاضر "، أي تمكين المساحات الاجتماعية التي تقدم الرؤية والقوة لأولئك الأفراد القادرين على تعزيز قضية حقوق الإنسان والمساواة والعدالة. ما يعني، وفقاً لبيات، الأداة التي يمكن أن تمارس تأثير ما على الدولة في القرن 21 وبديلاً لـ 'حاكمية ' فوكو مع &laqascii117o; تنشئة اجتماعية مثمرة للدولة " ( بيات: 2007 204 ) .
لقد انتُقد بيات ( وليس من دون سبب ) بسبب حماسته الأدائية المفرطة لأضرار تحليل الظروف المحلية المؤدية إلى حلول محددة. وتأتي مثل هذه الانتقادات، في المقام الأول، من باحثين يركزون على دراسة الحركات الإسلامية في شبه القارة الهندية. وهم يشيرون إلى حقيقة هي أن نفس الجذور الفكرية والتنظيمية (أي أعمال أبو العلاء المودودي) التي تتطور في سياقين اجتماعيين وسياسيين مختلفين (الهند وباكستان ) تؤدي إلى نتيجتين مختلفتين جدا لمرحلة ما بعد الأسلمة. وعلى الرغم من هذا النقد، لا يزال بيان التحليل لما بعد الإسلاموية لبيات (2005 ) صالحاً.
إن نظرية ما بعد الأسلمة مرنة للغاية، لأنها يمكن أن تستوعب كل الحقائق لـ &laqascii117o; ما بعد " والمتعلقة بكوكبة من الخبرات الإسلامية المختلفة وحتى المتناقضة. وكونه يعارض الطبيعة الشمولية والنظام الكامل للإسلاموية، يتيح  التفتت في مرحلة ما بعد الأسلمة  للاسلاميين التركيز على الهوامش. إن إطار ما بعد الأسلمة محاولات لتفسير التنوع  الذي يمكن للمرء أن يجده في الإجابات التي على الإسلام  تقديمها في مواجهته مع الحداثة. إنه لا يزال صالحاً وخاصة في سياقات حيث هناك وجود كبير لمجموعات الأقليات، كما هو الحال مع المسلمين الهنود أو البهائية في إيران ( انظر باك 1999)، أو جهات فاعلة ثانوية، كالصوفية الإيرانية المهمشة ( انظر فان ديس بوس 2007). ويتم تطبيق إطار آخر لما بعد الأسلمة كتصنيف يشرح العملية التطورية للحركات النسائية نحو &laqascii117o; النسوية الإسلامية " ( انظر كيان 1997؛ مير حسيني 2002)، كما يفسر عدم التسييس الديني لأشكال جديدة من التعبئة والمشاركة بين الشباب ( هيريرا وبيات 2010)، وتعزيز مثالية الفضيلة الإسلامية المتكاملة في السوق الثقافي والاقتصادي المعولم اليوم (هايني2005؛ توغال 2009). وبمعنى مختلف، لقد كانت الدراسات الأخرى التي لا تقصر نفسها على صيغة ما بعد الأسلمة مدرجة في هذه الفئة. وتجدر الإشارة إلى أن الاستخدام العشوائي لهذه الصيغ قد يؤدي إلى فراغ في المعنى مماثل لذلك الذي كان ينسب سابقا إلى تصنيف &laqascii117o; الأسلمة ".
كان راينهارت شولز على بينة باكرا جداً بالنسبة للمخاطر المعرفية الضمنية في الاعتماد على فكرة معينة لما بعد الإسلاموية (شولز عام 2000: 281-282). فبالنسبة لشولز، إن خطاب ما بعد الأسلمة متعدد الوظائف. إنه يفترض وجود الحاجة للعب أدوار عامة مختلفة (سياسية، اجتماعية وثقافية) دون أن يعني ذلك بالضرورة وجود أيديولوجية ثابتة. ولأنها تنأى بنفسها عن مثل هذا الموقف الأيديولوجي، فإن مهمة ما بعد الإسلاموية تشذ عن التفسير الشامل للعالم لصالح تفسير مختلف أكثر تحديدا لميادين الحياة. وتشير الكلمة البادئة &laqascii117o;ما بعد" إلى تحلل الصفة الوظيفية الأحادية للخطاب الإسلامي عندما مواجهته ضغوط العولمة. إن استمرار وجود نموذج إسلامي يعيد انتاج شكل من أشكال الهوية التي ترسخ الروابط  مع الدولة والجماعات والأفراد داخلها، على حد سواء:
&laqascii117o; إن العولمة والأقلمة بوصفهما تعبيراً عن مجتمع مجزأ هما وجهان لعملة واحدة ". هذه الثقافة /الهوية هي الآن خالية من أي دلالات طوباوية، بل تعتمد على الاحتفالية التذكارية. في نهاية المطاف، الإسلام يفقد وظيفته التعبيرية ( ما يعني، القدرة على التعبير عن الأفكار الاجتماعية والسياسية الطوباوية باستخدام لغة الإسلام ) كما يفقد دوره الثوري، على حد سواء، في حين يبقى على حساب إعادة بناء الدولة القومية (مثل أفغانستان، الجزائر وإندونيسيا).
في الواقع ، إذا كان من الممكن أن نتحدث عما بعد الإسلاموية المفهوم كعلامة لهوية جديدة في المجتمعات المسلمة، فيجب علينا في هذه النقطة أن نتجاوز العلاقة الجدلية مع الإسلاموية. على وجه الخصوص، ينبغي أن نركز أيضاً على النقد الذاتي الذي يقوم به وكلاء مرحلة ما بعد الأسلمة أنفسهم فيما يتعلق بأدوار الموضوعات والغايات التاريخية. إن تطور الإسلاموية التركية المرتبط بحزب العدالة والتنمية التركي هو مثال جيد. فقد جعلت تجربة القمع والسلطوية عقب انقلاب ما بعد الحداثة عام 1997  الإسلاموية التركية أقرب إلى طبقات المجتمع العلماني الليبرالي، عندما أجبر هذا المجتمع، وفي آن معاً، على إعادة تحديد أفكاره الديمقراطية وحقوق الإنسان والاندماج في العولمة العملية، بما في ذلك انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. لقد تخلت الإسلاموية التركية عن الطرح المتطرف الذي يهدف إلى إنشاء مجتمع إسلامي من خلال سلطة الدولة، و لجأت بدلا من ذلك إلى المطالبة بالشرعية الإسلامية في مصطلحات ضمنية ذات مرجعية ذاتية: التعددية، سيادة القانون وحرية التعبير. بعبارة أخرى، لقد استبدلت الإسلاموية التركية المنطق السياسي الإسلامي بمنطق الشمولية. ومن المفارقات، أن أصبح الغرب والخطاب العلماني في أعقاب التقليد الليبرالي الإنجلوسكسوني ( الحرية الدينية لكل شيء متصل بالتنظيم، الأنشطة، التمويل والالتزام الاجتماعي ) حليفاً ضد استبداد وسياسات الفصل العنصري للكمالية ( نسبة الى كمال أتاتورك). إن التجربة الناجمة عن حكم حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب اردوغان (2003 إلى الوقت الحاضر) تخدم هنا كدليل واسطة لموضوع مرحلة ما بعد الأسلمة.

مرحلة ما بعد الإسلاموية والاستشراق الجديد
أعرب العديد من الكتاب عن انتقاداتهم لنظرية ما بعد الأسلمة. فمن ناحية نجد الأكاديميين ذوي وجهات النظر الليبرالية القديمة الذين ينكرون تماماً وجود حركات مرحلة ما بعد الأسلمة، مثل بسام الطيبي (2012). هؤلاء الكتاب يختارون الفهم الاخلاقي بدلا من الفهم العملي لتحول ما بعد الأسلمة. فبالنسبة للطيبي، على سبيل المثال، لقد أجل حزب العدالة والتنمية هدفه المتمثل في ترسيخ أجندته الإسلامية فحسب، لكنه لم يتخل عن هدفه. انها مجرد مسألة تكتيكات-  يقول الطيبي- التفاف خطابي لا ينطوي على تبني مخلص للتعددية الديمقراطية ( الطيبي 2008). من جهة أخرى، هناك أولئك الذين يقولون بوجود نوع من الليبرالية الإسلامية طوال القرن العشرين. أنهم يعتقدون بأن مرحلة ما بعد الإسلاموية عبارة عن مصطلح جديد صاغه الغرب والذي لا يحجب قدرة ثبات الليبرالية الإسلامية فحسب ، وإنما ينفي، وهذا الأهم، توافق الإسلام مع الليبرالية العالمية (Dalacoascii117ra 2007: I).
مع ذلك، ظهر الرد الحاسم والأكثر تفصيلاً لنظرية ما بعد الأسلمة  من مجال الدراسات الثقافية الفرنسية.
ففي ملف حول مرحلة ما بعد الإسلاموية نشرته مجلة اسبريت (Esprit ) في عام 2001، يتساءل فرانسوا بورغا عن صحة فكرة وُلدت من فشل الإسلام والانتصار عليه. ويتحدث بورغا عن استمرار ثبات ثلاثة عوامل ذات صلة: (أ) أسباب اجتماعية سياسية أدت إلى صعود الإسلاموية في المقام الأول؛ (ب) قدرة الخطاب الاسلامي حول الحداثة لتعبئة جمهوره بمصطلحات داخلية ذاتية، و(ج) التلاعب الذي تمارسه أنظمة مختلفة بخصوص التهديد الإسلامي. ووفقاً لبورغا، فإننا قد نتحدث عن فشل الإسلاموية كفشل للإطار التفسيري الذي كان الباحثون سابقا ينسبوه اليه من خلال تحويل ما هو أيديولوجي إلى يوتيوبيا. فضلاً عن ذلك، يجادل بورغا قائلاً بأنننا نجد، بالفعل، في رد فعل الاسلاميين على أنظمة الحكم الاستبدادي في مرحلة ما بعد الاستعمار (حتى مصطلحيا) وجود توفيق بين الخطاب الإسلامي والتحديث الاجتماعي والليبرالية السياسية.
أما ما هو أكثر أهمية ، وربما مجزياً، فهو تفكيك الأشكال الجديدة للاستشراق في إطار ما بعد الإسلاموية لـ ' آلان روسيون'. إذ يشكك روسيون في الباحثين السياسيين الفرنسيين المتخصصين في دراسة الإسلام ويحذر من &laqascii117o; الثقافات الفطرية" التي نجدها في تحليل ما يسمى بالأجندة السياسية لمرحلة ما بعد الأسلمة (روسيون 2001:102 ). ويعتقد روسيون أن أولئك الذين يجادلون لصالح فشل الإسلاموية (أي جيل كيبيل وأوليفييه روي ) يعملون بظل نفس المنطق المشوه  الذي كان قد أدى بهم في السابق إلى تعليق أهمية مفرطة على تحليل الواقع السياسي العربي- الإسلامي بالمصطلحات الاسلامية. ويعتقد كل من كيبيل وروي أن الإسلام يحدد أي شيء وكل شيء يدور في المجتمعات المسلمة، والتي لم تعد بعد ذلك ' مسلمة' وأصبحت 'إسلامية ' بدلا من ذلك. فبالنسبة لروسيون، يحوِّل كل من كيبيل وروي الدين إلى محرك حصري للتاريخ والتقدم الاجتماعي. فلا الإسلاموية آنذاك ولا مرحلة ما بعد الإسلمة الآن قد سادتا، في الواقع، لأكثر من ربع قرن.
كتب بورغا مجدداً في عام 2002 حول موضوع &laqascii117o; الخصوصية المسلمة " في كتابه L&rsqascii117o;Islamisme    en face. في هذا الكتاب، يستنكر بورغا النعرة العرقية للغرب التي تعم التحليل لمرحلة ما بعد الإسلاموية عندما يواجه وجهة النظر عن النموذج الحضاري العالمي الواحد، الذي يخلد &laqascii117o; الأنا المسلمة القديمة " فعلا في القرن 21 (بورغا 2002: 284 ). ولأنه يعتبر الإسلاموية حتى الآن فرعاً آخر من الأصولية الدينية بالتوازي مع ما يحدث في اليهودية والمسيحية، يستخف الغرب المعتد بنفسه وبعرقه بالمكونات السياسية والثقافية الإسلامية، ويتجاهل الرؤى وعلاقة عدم المساواة بين الشمال والجنوب بصفتها حركات متساوية تعمل ضمن سياقات ديمقراطية والوصول إلى السلطة إلى جانب أولئك الخاضعين للأنظمة السلطوية والأنظمة القمعية. ويرحب بوغار بالمصطلحات الجديدة إذا ما كانت تؤدي إلى فهم جديد للحقائق الموجودة في متناول اليد، في حين يشكك بفعاليتها على حد سواء علميا أو من حيث المصطلحات التواصلية. ويوضح بوغار الفترة ما بعد الأسلمة في التاريخ الذي لم يأت بعد.
كان لنظرية مرحلة ما بعد الأسلمة تداعيات محدودة نوعاً ما في أوساط الأكاديميين المسلمين. وقد تكرر طرح بوغار من جانب عبد القادر في كتاب معروف ومتداول بين الأكاديميين الهنود. وقد اتبع حسام تمام (2008)، جزئياً، آلان روسيلون. وكان الراحل تمام باحثاً مصرياً والذي كان يعرف المنظمات المصرية الإسلامية ويستقي معلوماته مباشرة من داخلها. وفي حين أنه لم يرفض تماما نظرية مرحلة ما بعد الأسلمة، فقد حذرنا تمام من طبيعتها المائلة والاختزالية. وحاجج بذلك بقوله أنه في الإشارة باستمرار إلى الفشل الخارجي للإسلاموية (سواء في قدرتها على الوصول إلى السلطة وتنفيذ الأممية البديلة للدولة القومية)، قلل منظرو مرحلة ما بعد الأسلمة من أهمية المنطق الإسلاموي الداخلي ( بما يتعلق بالمنطق التنظيمي، الجيلي البرنامجي والمالي) الذي أدى إلى تفكك الإسلاموية الكلاسيكية حيث أن هذا المنطق كان قد صيغ بما يتعلق بجوهر جماعة الإخوان المسلمين. ووفقاً لتمام، فإن نهاية الإسلام السياسي لا تتصف بأي حال من الأحوال بقبول منطق الدولة القومية لجهة الثناء على الفروع العديدة المختلفة  المنبثقة من الإخوان المسلمين (لمراجعة الحالة المصرية، انظر هايني وتمام 2008). بدلا من ذلك، تتميز الإسلاموية بولادة صيغ بديلة للدولة القومية الموجودة بالفعل، وذلك في فروعها الثورية (مثل عبد الله النفيسي، عضو يساري كويتي في الإخوان يشارك حاليا في الدفاع عن طرح القاعدة)، وكذلك في الحالات التي يجب أن تتواجد بها في هوامش محدودة تسمح بها الأنظمة. هذا ما يدعوه تمام (2009: 230) &laqascii117o; السياسة الاسلامية الكامنة المنتظرة "، ومن أمثلتها السلفية المصرية.
عموماً، إن تناقض السلفية تجاه السياسة لا يصلح في توصيف روي أو بيات لمرحلة ما بعد الإسلاموية (انظر دراسة حالات مختلفة في Meijer 2009). لقد وضعا السياسة في صميم تحليلاتهم للخطاب الديني والتعبئة الاجتماعية لكن من دون فصلهما عن أهمية العوامل الأخرى مثل القيم الروحية، أو الكتابية ( نسبة للكتاب المقدس) أو الأورثوبراكسيس ( التطبيق العملي الصحيح)، والذي يميزها روي (2008 ) بكونها 'علامات دينية مستقلة '. هذا هو العيب الذي يتناوله هنري لوزيير (2005 ) في تحليله لخطاب عبد السلام ياسين، زعيم حركة العدالة والإحسان المغربية. في كل الأحوال، يبدو أن ثورات 2011 لم تترك أي شخص  حيادي بين صفوف السلفيين، الذين تحولوا قطعاً إلى السياسة كما أعلن تمام . وقد تركت حركة العدالة والإحسان حركة احتجاج 20 فبراير المغربية في ديسمبر / كانون الأول 2011، عندما فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المغربية. فقد صوت العديد من الدوائر الانتخابية في أوساط الحركة لصالح حزب العدالة والتنمية، في ما يبدو أنه علامة على البحث عن طرق جديدة كي تصبح جزءاً من 'المخزن' المغربي. وبالمثل، أصبح إسلاميو حزب النور ثاني حزب سياسي في البرلمان المصري في يناير/ كانون الثاني الماضي 2012.
أخيرا، وعندما يتعلق الأمر بتحليل تلقي نظرية مرحلة ما بعد الأسلمة ينبغي لنا الإشارة إلى ردود فعل محددة برزت من الإسلام السياسي نفسه. وتحلل مادة منشورة مؤخراً لمروان البخاري وأحمد فؤاد رحمة من ' جبهة المقاومة الإسلامية ' في ماليزيا ( البخاري ورحمة 2012)  أصول وإمكانية تطوير شكل ديمقراطي وإنساني للإسلام، والذي يسميانه &laqascii117o; مرحلة ما بعد الأسلمة" متبعين بذلك مصطلحات آصف بيات. فهما يشيران بإيجاز إلى إسهامات حاسمة من الذين  يعتبران بأنهم المثقفين المسلمين الأكثر صلة باليوم (راشد الغنوشي، يوسف القرضاوي، جاسر عودة وطارق رمضان)، في حين الافتراض كمبدأ مسلم به بالحاجة إلى الإسلاميين الماليزيين للمشاركة في النقاشات الفكرية الجارية، لأنه &laqascii117o;إما أن نغيِّر أو أن نتغير".

ما بعد الإسلاموية و الثورات العربية
bewithrevolascii117tion_300في نهاية كتابه ' عش حياتك كالسياسة: كيف يغير الناس العاديون الشرق الأوسط ' (Live as Politics: How Ordinary People Change the Middle East)، يتساءل بيات إلى أي مدى قد تفرض الحركات الاجتماعية تغييراً في البنية يخرق، من دون اللجوء إلى العنف، الوضع الراهن في الشرق الأوسط ، وهي منطقة يصفها بالمحاصرة والعالقة في فخ الأنظمة الاستبدادية العلمانية والدينية على حد سواء، فضلاً عن محاصرتها بمعارضة إسلامية حصرية والهيمنة والسيطرة الأجنبية ( بيات 2010 :247 ). وعلى الرغم من عدم حدوث نهاية للأنظمة العربية ما بعد حتى الآن، فإننا نعتقد بأن أحداث 2011 تعني خروجاً عما يسميه سمير قصير &laqascii117o; مأساة كونك عربياً " ما يعني، خروجاً عن أسطورة السجود العربي. وقد كرست مرحلة ما بعد الإسلاموية هذا المنطق، لأن الإسلام كان لا يزال، بعد كل شيء، مظهراً آخر لسلسلة طويلة من الإخفاقات. مع ذلك فقد أسست الثورات الشعبية المرحلة لإدخال مفاتيح جديدة تظهر الرأي المنحرف للواقع العربي من جانب من يعانون من نظرية ما بعد الأسلمة. مع ذلك، يعتقد كل من النقاد و المدافعين عن موقف مرحلة ما بعد الأسلمة، على حد سواء، بأن ما يسمى &laqascii117o; الربيع العربي " يثبت أن نظرياتهم على حق.

1 . ثقافة سياسية جديدة... والمجهول
بسبب إدراجهم العالم المسلم في عمليات العولمة الجاري، استخف منظرو مرحلة ما بعد الأسلمة بالمنطق والتعبيرات الداخلية التي قد تدفع وتحفز على تعبئة اسلامية جديدة، ذات موارد واستراتيجيات جديدة. لقد كانت  أدلجة المجال العام، الاستياء الشعبي تجاه الإسلاموية والافتقار إلى الاهتمام الاجتماعي بالمجالات السياسية هي علامات أزمنة الأسلمة. ولكن الثورات العربية ألقت الضوء على ثقافة سياسية جديدة تطورت في السنوات الأخيرة، ولكنها غير مرئية بسبب القدرات القمعية للأنظمة العربية ( التي ،ودعونا لا ننسى، مثلت دور الضامن للاستقرار الدولي المتبادل). وقد أصر الناشط الحقوقي المصري محمد السيد سعيد بدءاً من منتصف التسعينات على التحالف الضروري بين التكنولوجيا الحديثة، والتحول نحو نموذج اقتصادي جديد والنضال من أجل الديمقراطية من خلال الشبكات المدنية ذات القاعدة الشعبية ( سعيد 2005: 161-168 ). وكانت أحداث ميدان التحرير دليلاً على الفرصة للتوصل إلى تفاهم بين مجموعات متنوعة جداً ذات أصول وأيديولوجيات مختلفة لكنها تتقاسم ثقافة الاسكات السياسي المتشابهة: كانت كفاية، حركة 6 أبريل والتحالف من أجل التغيير قادرة على جلب المنظمات التقليدية والنقابات التجارية إلى صفها، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين .
هذه الثقافة السياسية الجديدة ترفض التطبيعية الدينية للسياسة، ولكن ليس السياسة أو الدين في حد ذاتهما. إنها تنفصل عن البنى الهرمية في كل ما يتعلق بعمليات صنع القرار، ولكن ليس بالمسؤولية والالتزام. إنها تقاوم استقطاب التعبئة الاجتماعية من جانب المؤسسات التقليدية مثل الأحزاب السياسية النقابات التجارية والتنظيمات الدينية، انما لا ترفض التشدد والتمرد السياسي. لكنها لا تميز المجال العام عن المجال السياسي، لأنها تعيش وسط  انفعال وفوران تنظيمي مستمر. لقد كان تسييس الشارع العربي الموازي لذاك الفضاء الإلكتروني المساهمة العربية الأكثر أهمية في ثورات العالم في عام 2011.
لم يكن المتشددون الاسلاميون يجهلون هذه الثقافة السياسية الجديدة، الأقل تعارضاً معها بكثير. فقد  أنشأ الشباب، الإصلاحيون المخضرمون والنساء روابط  جديدة، فيما بينهم على حد سواء كما هو الحال مع البنى القديمة باستخدام استراتيجيات متعددة. ومن دون مغادرة مصر نحن شهدنا كيف أن المسار الذي تم اختياره في مناسبات كان التفاوض وإنشاء اتفاقيات بين الحركة الاسلامية نفسها. كان كذلك  حال الشباب والفرع الإصلاحي للإخوان المسلمين المصريين مع قيادة المنظمة، التي كانت قد رفضت في عام 2007 إنشاء حزب سياسي كما طالب الفرع الإصلاحي، لكنها شعرت في عام 2011 بالاضطرار إلى تبنى حزبها الخاص بها وهو حزب العدالة والحرية. أدار الإسلاميون ظهورهم أيضاً إلى أشكال المعارضة التقليدية من الموجودين على الهامش وفتشوا في التصدعات الموجودة في نظام فكر في اقصاء كل نوع من أنواع المعارضة، بل وجميعها. وهناك حالة هامة في هذه النقطة وهي تلك التي لحزب الوسط، الذي رفضت طلباته التي تقدم بها ليصبح حزباً قانونياً وذلك في أعوام 1996، 1998، 2004 و 2009. وشرَّع هذا الحزب في النهاية إزالة مبارك لاحقاً من السلطة. أحيانا هناك مجال لنوع ما من الارتجال الحالم في الوقت المناسب. لقد انضم أتباع الواعظ التلفزيوني الشاب، إنما الممتاز، عمرو خالد من الطبقة المتوسطة باكراً إلى التعبئة عقب دعوة خالد لذلك من خلال الفيسبوك، حتى ضد تحذيرات المؤسسات الدينية في مصر والافتقار الأولي للحماس من جانب الإخوان المسلمين .
إن اللغة الاسلامية المستخدمة بشكل لا لبس فيه من قبل هذا القطاع من الثورات العربية يعكس قدرته على الجمع بين مطلبين مختلفين: أولئك الذين يطالبون بالحرية والتعددية من الطبقة المتوسطة، وأولئك  الذين يطالبون من الطبقات الدنيا بالأخلاقيات في مجال التوزيع تكون قادرة على السماح بوجود مساواة اجتماعية واقتصادية أكبر. هذا ليس شيئاً عفوياً. فلطالما كانت الموارد الإسلامية المستقلة من المقومات لتحصيل النجاح او الامكانيات المطلوبة، بدءاً من خطاب الآباء المؤسسين ( وهما سيد قطب وأبو علاء المودودي ). وبدءاً من نهاية التسعينات، اعتمد راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة التونسي، أفكاراً وموضوعات نابعة من علم الاجتماع والعلوم السياسية، وبالتالي موضعة الإسلاموية النظرية في موقع 'الموضوع' الذي يخلق ويغذي هذه التخصصات، وليس فقط من مجرد عارض (الغنوشي 2000).  أما ما يعتبر ذي أهمية خاصة فهو التحول في التفكير الاسلامي من الدولة إلى المجتمع المدني، وهو تحول شكل أيضا الحملة الانتخابية للنهضة في انتخابات عام 2011. مع ذلك ، فإن العودة إلى قضية الدولة في نهاية المطاف سيشكل مستقبل الإسلاموية الجديدة المنتصرة في عام 2012: أعلن حزب النهضة بالفعل أنه &laqascii117o;يعتبر الدولة كياناً سياسياً مدنياً ". وقال المواطن السويسري طارق رمضان، الرئيس الظاهر لـ &laqascii117o;الإسلام الأوروبي "، بأن &laqascii117o; الدولة  المدنية" هي فقط  الممكنة في الإسلام ( رمضان 2012). وقال محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين المصرية، عشية الجولة الأخيرة من الانتخابات التشريعية المصرية أن &laqascii117o;الإسلام يفتقر إلى فكرة الدولة الدينية" (المصري اليوم، 2011/6/12). هناك مرحلة جديدة مفتوحة الآن النقاش فيها حول الدولة غير مقيد بالدولة بصفتها هي الحُكم الرشيد فقط (كما سيكون عليه الأمر في طرح مرحلة ما بعد الأسلمة)، ولكنها تعود بجذورها الى الجدل القديم للعلاقة بين الإسلام والسياسة. وبالتالي لتصبح التوترات الكامنة بضرورة قيام الدولة وعاءً لإجماع المجتمع وتدوين 'الشريعة'، الأمر الذي يخلف وراءه الآن بقعة غامضة من الخلاص الطوباوي. وتشعر القيادات السياسية التونسية، الليبية أو المصرية التي تواجه العمليات التأسيسية ما بعد الثورة بضرورة معالجة مثل هذه القضايا يومياً، مع موجة من ردود الفعل اللاحقة والمناقشات الناجمة عن تلك المواجهة من العلمانيين والإسلاميين.
مع ذلك  يبقى السؤال الأكثر أهمية الذي ينبغي أن يطرح في أعقاب الثورة بما يتعلق بنقاش الأسلمة الجديدة هو حول الدور الذي يجب أن تلعبه السلفية في المستقبل القريب. تجمع السلفية المعاصرة المحاولات القديمة المستمدة من غيرها من أشكال الإسلاموية (كما في مناهضة الغرب المستمدة من الجهادية، القاعدية، والقطبية ) وفي الوقت نفسه تعزيز كل من الروحانية الصوفية ( طقوس مجتمعية أو مركزية لشخصية النبي)، وكذلك إعادة أسلمة الأورثوبراكسيس (الملابس، الصلاة، والعلاقات الاجتماعية ). هذه الطبيعة &laqascii117o;الدنيوية " السلفية، إذا جاز التعبير، وتكاملها في العالم وتزامنها مع اليوتوبيا التي تلوح في الأفق للعودة إلى الأصول هو ما يقوي التنوع الحالي وشعبيته. هذا الأمر، إلى جانب الافتقار للخبرة السياسية مع الممارسة السياسية والدعم المادي للشبكات السلفية الدولية  جعل من الممكن بالنسبة للسلفيين جمع التأييد الشعبي الكبير في سياق الكوة الديمقراطية لمصر. و يمكن قول الشيء ذاته في لبنان وسوريا، حيث السياق السياسي  متعارض تماماً. ويبقى أن نرى كيف يمكن أن يحل السلفيون التوترات الناشئة عن الممارسة السياسية للجماعات الاسلامية القومية (غوميز غارسيا 2010-2011) وعن عرض استراتيجي سلفي.

2 . اشارات إعادة التخصيص
يفترض المنظرون لمرحلة ما بعد الأسلمة أن المجتمعات العربية الإسلامية تبحث عن وسيلة للخروج من الإسلاموية من خلال وسائل، والتي بدورها تقود إلى أشكال أعمق من التدين. مع ذلك فقد أثبتت الثورات العربية الجارية أن هذا تحليل اختزالي. ففي الأيدي المرفوعة للمتظاهرين اليوم لا نجد المصاحف، وإنما الأحذية. لقد تحول نعل الحذاء، رمز السامية القديم للازدراء والإذلال، ضد الحاكم . إذ يردد المتظاهرون، وهم يحملون الحذاء في أيديهم، هتافات جديدة باللغة العربية الحديثة، وليس باللهجات العامية العربية أو العربية التقليدية. وهناك صيغ شفهية تستغل إمكانيات النبرة العربية، كما هو الحال مع الشعار الأكثر تكراراً في الشارع العربي: ' الشعب يريد اسقاط النظام'. وهناك شعارات أخرى مكتوبة وتستغل قوة الخط العربي، مثل ' كن مع الثورة '. وتؤدي الأحذية واللغة وظيفتها كرمز يتجاوز الحدود الوطنية التي سعت الأنظمة القومية والديكتاتورية القديمة إلى اللجوء إليها. إن الناس الآن قادرون على التعافي من الاستخدام السيء النية لأنظمة ما بعد الاستعمار التي جعلت من كل شيء وأي شيء عربي. هذا لا يعني أنه لا يوجد عنصر وطني قوي في مطالبات المتظاهرين في كل بلد من البلدان، وإنما يعني أن على منطق الوطن -الدولة القومية أن يحرر نفسه من التلاعب الذي كان عادة ما يحدد الصديق والعدو وفقا للمصلحة الذاتية لكل نظام. ومن الأمثلة على ذلك الخطاب حول فلسطين، الذي ظل لسنوات مسجوناً في بلخطاب الرسمي إنما أعيدت صياغته بدءاً من الانتفاضة الثانية في عام 2000، و غذى شبكات التضامن المدني المصري التي اجتمعت معاً في المعارضة. بعد ذلك، وفي نهاية المؤتمرات ومظاهرات الربيع العربي كان الناس يهتفون بلا توقف بشعار &laqascii117o; الشعب يريد تحرير فلسطين ". قد نتساءل حتى عن إعادة صياغة الخطاب العروبي، الذي كان الحكام المستبدون قد أساؤوا له أكثر مما فعلت المشاكل الفلسطينية. إن شعار &laqascii117o; الثورة العربية " عبارة عن صيغة مشتركة مستخدمة للإشارة إلى الأحداث الجارية التي يستشف منها ويعبر عنها ككفاح جماعي وليس كحاصل مجموع جموع مختلفة. وقد حاجج أوليفر روي بقوله &laqascii117o; إن المذهبية قد اختفت: لم يعد هناك من وجود لا للعروبة ولا للقومية الإسلاموية " (رويa  2011110 : ). وبالمثل، يقول بيات أن السياسيين العرب قد تخلوا عن معاداة الامبريالية والخطاب القومي المؤيد للفلسطينيين المرتبط بالخطاب الديماغوجي للأنظمة الاستبدادية. مع ذلك، وحتى لو اعترفنا بأن &laqascii117o;المذهبية" القديمة قد اختفت، فيجب علينا ألا نقوض القوة الأيديولوجية لـ 'مذهبيات' أخرى ناشئة، وبشكل خاص السلفية.
جددت رمزية الثورات مسألة الأممية لكن من دون الدلالات المذهبية للجهادية أو اللجوء إلى الكفاح المسلح كاستراتيجية أساسية. بالإضافة إلى ذلك، إنها لا تلتفت إلى الكوريغرافيا الإسلامية الكلاسيكية، التي كانت جماعة الإخوان المسلمين تدَّعيها وهي &laqascii117o; الإسلام هو الحل "، والتي أفسدت جملة المعارضة العلمانية: أصبحت جملة &laqascii117o; الديمقراطية هي الحل " هي الجملة النهائية والختامية منذ صيف عام 2008 لعدد كبير من المقالات المنشورة في الصحف المصرية المختلفة بقلم الكاتب الليبرالي المعروف علاء الأسواني (انظر: 'هل نستحق الديمقراطية؟'، القاهرة، دار الشروق، 2010).
في أي حال، إن التحالف بين العلمانيين والإسلاميين لمواجهة الاستبداد واستمرارية الأنظمة العربية لا يزال أحد الخطوط الفاصلة بين مختلف أنواع الإسلاموية. ويبدو هذا هو الحال في التجربة الديمقراطية الوجيزة لانتخابات ما بعد الثورة التي جرت مؤخراً في بعض البلدان. ففي تونس، دخل حزب النهضة في حكومة ائتلافية مع الأحزاب الليبرالية العلمانية في حين أدار ظهره لبقايا النظام السابق. وفي المغرب وجد حزب العدالة والتنمية مكاناً له تحت جناح النظام الملكي وهو الآن الرأس المنظور للحكومة المغربية. أما في مصر، فتحتل جماعة الإخوان المسلمين (من خلال ذراعها السياسي حزب العدالة والحرية) والسلفيين (من خلال حزب النور ) معظم المقاعد في البرلمان، إلا أن كلاهما يفتقران إلى أي آفاق حقيقية في الحكم. إن الوصول لبدائل مختلفة كهذه قد يعني قطيعة مع التجارب الإسلامية السابقة في كل بلد من البلدان وفي كامل المنطقة.
من ناحية أخرى، وحتى إذا قبلنا مقولة أن الموجة الحالية من الديمقراطية هي خط منتصر للجماعات الاسلامية ذات النزعة القومية وليس للإسلاموية في حد ذاتها، فإن هناك ديناميات مشتركة ليست بالضرورة ديناميات مرحلة ما بعد الأسلمة بطبيعتها. وهذا يعني أنه لا يكفي أن نشير إلى إشاعة الأمة ومركزية الدولة القومية لتعريف الثورات العربية على أنها مرحلة ما بعد الأسلمة، كما هو الحال مع أوليفييه روي ( 2011b). أما فرانسوا بورغا فيذكرنا بأن فوز الاحزاب الاسلامية يؤكد وجود قدرة غير عادية على تعبئة المجتمع بواسطة الخطاب الاسلامي، الذي ليس فقط أنه لم يتم استبداله بأي خطاب آخر، وإنما ثبت أيضاً أنه خطاب مهيمن. يبدو كما لو أن انتصار الإسلاميين في الانتخابات الأخيرة سيعزز بدوره البراغماتية لديهم. إن التصريحات المتكلفة السابقة عن المبادئ قد اختفت وحلت محلها إدارة برنامجية للساحة السياسية. في هذا المجال فقط، وليس في الانتقال من المحلية إلى الدولية بالضرورة ، سوف ترد الأغلبية الاسلامية الجديدة في البرلمانات العربية على منطق احتمالية مرحلة ما بعد الأسلمة.

3. نهاية حقبة ما بعد الاستعمار؟
عن طريق وضع علامة النهاية لليوتوبيا الاسلامية التحريرية، تدخل نظرية ما بعد الإسلاموية في إطار العمل الإسلامي لصيغة ما بعد الحداثة الغربية، التي &laqascii117o; تسيِّل " طبيعة تعهداته الصلبة ومشاريعها الأيديولوجية الأكثر أهمية ( عصر التنوير، التزمت، الرأسمالية والشيوعية ). وفي هذا الصدد، تُخضع نظرية مرحلة ما بعد الأسلمة الجنوب إلى نوع من النعرة العرقية المعرفية الشمولية القادمة من الشمال: قد تكون المجتمعات العربية، بالتالي، قدمت رداً جدلياً على الحداثة في نهاية القرن العشرين . ففي حالة هذه المجتمعات، هذا الرد هو رد قومي وإسلامي على حد سواء، بعد تنشيط إعادة الأسلمة الاجتماعية المحافظة و ظهور الفردية الويبرية (Weberian) ضمن  الاطار البنيوي لمرحلة ما بعد الاستعمار. ويختتم أوليفر روي (2004 : 69-83 ) بعدة أمثلة تثبت من وجهة نظره ابطال الإسلاموية في كل مكان، بما في ذلك أوروبا: &laqascii117o;إن 'تأميم ' الحركات الإسلامية ينسجم، بالمناسبة، مع ظاهرة عامة: الإسلام على هذا النحو ليس أبداً عاملا استراتيجياً مهيمناً. إذ يساهم البعد الديني دائما في عوامل عرقية أو وطنية أكثر أساسية، حتى ولو كان يقدم بعد ذلك خطاب الشرعية والتعبئة " (روي 2004: 70). يتجاهل هذا التحليل تماما القوة التحريرية الضمنية في الخطاب الاسلامي بالنسبة لنفس أولئك الرجال والنساء الذين انضموا، في السنوات الأربعين الماضية، إلى صفوف الحركات الاحتجاجية على المستوى الوطني، والإقليمي في سياق الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وعلى الصعيد الدولي، الذي بلغ ذروته مع غزو العراق.
يمكن القول إن ما بعد الإسلاموية  يجمد ويحجر التحليل الحاضر لأنه يمنعه، بحد ذاته، من وزن أهمية أشكال ومضامين أثبتت أنها غير قابلة للتنفيذ، وعفا عليها الزمن حتى ( الحداثة، الإسلاموية والعولمة). لقد طرحت التعبئات الشعبية عام 2011 مجتمعا مدنياً مستقلاً غير مستعد ولا راغب في إعطاء الأولوية للحقوق المدنية على حساب الحقوق السياسية، كما ظهر للمرة الأولى في إعادة تشكيل السياسات الإيرانية والتركية ( ومن ثم كونها المرجع الرئيس لمرحلة ما بعد الإسلاموية ). لقد استعادت الثورات العربية الشوارع والحياة السياسة كوسيلة لممارسة الضغط والتعبير عن النفس، مع وجود الدولة بوصفها المحور الرئيس الذي يدور حوله النقاش. مع ذلك تجدر الإشارة إلى الكيفية التي تعتبر فيها الحياة السياسية، الشوارع والدولة خالية الآن من ال

موقع الخدمات البحثية